من عامل متواضع في دكانة عمه لبيع الفلافل إلى اسلامي متطرف يدعو للجهاد داخل مدينة هامبورغ، ما الذي حصل مع جمال الذي أحب في زمن ما مطالعة إيمانويل كانط وأفلاطون ونيتشه ليتحول إلى صائد للعقول اليافعة، مهمته تجنيد الشباب وإقناعهم بمبدأ الجهاد؟


شاب مسلم يقرأالقرآن امام احد المساجد في المانيا

عمل جمال في كشك الفلافل الذي يملكه عمه، وأحب مطالعة ايمانويل كانط ثم افلاطون ونيتشة. وفي النهاية، أصبح متطرفًا إسلاميًا يمتهن اصطياد الشباب وتجنيدهم للجهاد في قلب مدينة هامبورغ.

تقول مجلة شبيغل أونلاين بنسختها الإنكليزيّة إنّ حال جمال مثل بعض الشباب المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا، ويعملون منهجيا على تجنيد أقرانهم للجهاد داخل البلد مستخدمين لغة خطابية متطورة ومستفيدين من أساليب علم النفس لاستهداف الشباب اليافعين والذين يسهل اقناعهم وخصوصًا أنهم لم يحددوا خطّهم في الحياة بعد.

تحدّث للمجلة اثنان كانا منخرطين في تجنيد الشباب للجهاد، أحدهما يدعى بورا (23 عاما) الذي نشأ في شارع ريبربان في منطقة الملاهي والدعارة في هامبورغ. والداه من تركيا. امه تبيع حاويات بلاستيكية لحفظ الطعام ووالده صاحب متجر. ولفترة طويلة ظل بورا لا يعرف ما يريد أن يفعله. كان يريد أن يقضي وقتاً ممتعًا، ولكنه كان دائما يبحث عن شيء ذي معنى. ثم التقى اسلاميين متطرفين. واصبح بورا طريدة.

كانت الحانة التي يجلسون فيها الآن دائرة عملهم المشتركة طيلة عام، وهي المكان حيث يعثر الصياد على فريسته.

في الماضي، استقطبت الحانة ذاتها وهي عبارة عن قبو قريب من احدى الجامعات الألمانية، شبابا يساريا وطلابا في السنة الدراسية الأولى، كانوا يرتادونها للاستماع الى قادة راديكاليين، وكانت حانة القبو بمثابة البوابة التي يمرّ عبرها الشباب اليافع إلى عالم اليسار المتطرف.

توالت الأيّام وسجل انتهاء عهد الشيوعيّة، ما سهّل على بورا استغلال كون تلك الحانة نفسها لا تزال تستقطب شبابًا يافعًا لم يحدد خطّه في الحياة بعد.

ونجح بورا في تحويل المكان الذي لطالما جنّد فيه يساريون إلى مركز لعزل الطريدة عن المجتمع الالماني وتوجيهها إلى الاسلام المتطرف. رواد الحانة الجدد يبحثون أيضا عن اجابات، ولكن مصدرها القرآن وليس كتابات ماركس ولينين.

واصبحت حانة اليساريين مقهى يقدم النرجيلة، على بعد امتار من مكتبة هامبورغ.

يقول بورا انه المكان الأمثل للاسترخاء مع اصدقاء.

ويشرح جمال انه quot;حين يكونون مسترخين فانك تلك هي اللحظة المناسبة لاقتناصهمquot;.

وعندما سألته المجلة كيف كان يعمل اجاب جمال quot;عليك اولاً ان تمسك بهم ثم يصبح الأمر كالبطاريات التي يُعاد شحنها، تُشحن، وتستنفد طاقتها ثم يعاد شحنهاquot;.

جمال يدخن النرجيلة

توقف جمال وبورا عن هذا العمل منذ 20 شهرًا. وكثيرا ما صادف وجودهما في حانة القبو هذه، ولكنهما لم يلتقيا في الواقع ذات يوم. ورغم أن جمال كان الصياد فان بورا لم يكن ذات يوم طريدته، ولكن قصتي الرجلين ترتبطان بذلك الركن من حياتيهما، كل منهما يروي قصته من وجهة نظره والاثنان يقدمان معلومات دقيقة عن عالم لا يصله القانون الالماني. ففي هذا العالم تكون الحياة الدنيا عقابا، امتحانا للحياة الآخرة. ومن يعيش في الحياة الدنيا يتطلع الى الآخرة وليس الى التدريب في شركة هندسية بعد التخرج. وفي هذا العالم ينقسم المجتمع الى امة المسلمين والكفار. سكان هذا العالم لا يستخدمون حتى فرشاة الاسنان لتنظيف اضراسهم بل المسواك.

الذين يدخلون هذا العالم يُشحنون باستمرار إلى أن تكون بطارياتهم معبأة بطاقة كافية للجهاد. والمجاهدون الالمان هم الأعضاء الأشد تطرفا في حركة شبابية اثارت قلق خبراء في الاستخبارات الداخلية الالمانية، بحسب شبيغل اونلاين.

وصل جمال إلى هذا العالم قبل ثلاث سنوات حين كان في التاسعة عشرة من العمر. كان يقرأ كانط ونيتشة وقتذاك، ولكنه شعر بالاحباط لأنهما لم يكتبا شيئا يمكن ان يرشده في مجتمع كثيرا ما يشعر بالارتباك فيه. درس اعمالهما طيلة اشهر مسجلا المقاطع التي تستهويه بأمل ان تعينه على عوادي الزمن. والده هجر امه وهو ليس مجتهدا في المدرسة، ولكن كلمات الفيلسوفين الذكية كانت عديمة الفائدة.
ظل جمال يبحث عن معنى في حفلات المدرسة الثانوية، وفي شارع ريبربان واحيانا في قنينة فودكا.

وحين تزوجت والدته من ألماني اعتنق الاسلام حمَّل جمال جهاز آيبود الذي كان عنده بالآيات القرآنية. إذ لم يكن هينا على جمال ابن المهاجرين اللبنانيين ان يرى المانيا يعرف القرآن أحسن منه. وارتاد حانة اليساريين سابقا لتدخين النرجيلة إلى أن دعاه احدهم للانضمام الى شلة اصدقائه. ولم يمض وقت طويل حتى دخل جمال الحلقة الداخلية.

جمال الذي لم تكن لديه فكرة عما يفعله بعد الدراسة الثانوية اصبح لأول مرة في حياته صاحب رسالة هي تجنيد عناصر لفرع حزب التحرير في هامبورغ. وكان الحزب مُنع في المانيا منذ عام 2003 ولكن اعضاءه ما زالوا ينشطون تحت الأرض، يعملون على نشر الفكر السلفي ويريدون اقامة حكم لاهوتي. وquot;صيادوquot; حزب التحرير شباب متعلمون، وقبل كل شيء فصيحون، من امثال جمال.

كان وقتا يبحث فيه جمال عما سماها quot;اخطاءquot; في الكتاب المقدس والتوراة. حفظ آيات من القرآن وكان همه أن يبدو واسع العلم. كان مصمما على الانتصار على الكفار. ويقول جمال جالسا على وسادة في مقهى النرجيلة، إن هدفه في البداية لم يكن نشر الاسلام، بل إسكات الآخرين.

ويؤكد جمال quot;ان الالمان بلا اساس ديني، ولكنهم مع ذلك يحبون التفلسفquot; ملاحظا ان حجتهم الأولى هي quot;لا أستطيع ان ارى الله، وبالتالي فهو غير موجودquot;. ويعود جمال بحديثه الى كانط وخلاصاته عن حدود الانسان قائلا quot;ما عليك إلا ان تكون مبدعا ثم تستطيع ان تقول لهم اي شيءquot;.

كان مستمعوه، وهم شبان بين الخامسة عشرة والخامسة والعشرين، مفتونين حتى عندما لا يفهمون نصف ما يقوله. ولكن هذا ايضا كان جزءا من العملية. فان كلمات جمال كانت توحي بالمعرفة، والاتجاه والمعنى.

لم يأمر أحد جمال بأن يكون صيادا يجند آخرين للجهاد. إذ ليس هناك رؤساء في هذا العالم الذي لا يعتمد تراتبية ثابتة. ولكن المبشرين كانوا محترمين داخل المجموعة. وكان بمقدور جمال ان يشعر بأهميته في الجماعة، بأنه جزء من قضية أكبر وليس بائع فلافل يساعد عمه في الكشك بضع ساعات كل يوم.

يقول جمال ان الأمر كان هواية في البداية، لعبة أعد لها نفسه بعناية. كان يتصفح الانترنت طيلة اسابيع ويستمع الى خطابات بيير فوغل، الذي يعتبر من أهم الوعاظ بين الاسلاميين الالمان.

وفي مقهى النرجيلة كان جمال يتحدث عن معاملة المرأة في الكتاب المقدس معاملة أقل احتراما مما في القرآن. وقال ان تسونامي آسيا وكارثة مسيرة الحب في عام 2010 والمسلحين المجانين الذين يطلقون النار عشوائيا في انحاء العالم، كل ذلك اشارات من الله بأن الكفار على ضلال. وكان الأمر في منتهى السهولة عادة، ولم يطرح أحد أي اسئلة.

احيانا، إذا كان مستمعو جمال من السود، كان يردف كلامه عن الله بذكر مالكولم أكس، الناشط الاميركي المسلم من اجل الحقوق المدنية. وكانت الاشارات إلى مالكولم أكس دائمة تؤدي مفعولها.

وكقاعدة كان جمال وغيره من الصيادين يلتقون شبابا من امثال بورا. وبالنسبة إلى جمال فان صبيانا مثل بورا ينتمون الى فئة quot;الطريدة السهلةquot;.

تعال اجلس معنا ايها الأخ

كان بورا يحب الذهاب الى الحفلات التركية ويقضي وقتا ممتعا في شارع ريبربان، ولكن مقهى النرجيلة كان مكانه المفضل. لم يكن هناك حراسا على الباب يمنعونه من الدخول بسبب لون بشرته الداكن أو عُرض منكبيه من الملاكمة التايلاندية. كما كان بورا واصدقاؤه يشيرون الى المقهى على انها quot;كهفهمquot; وفيه كانوا يقضون وقتا على العاب الكومبيوتر المربوطة بشاشات مسطحة. وفي المساء كانوا يستأجرون افلاما مثل quot;افاتارquot; وquot;كيك بوكسرquot; من محل اشرطة الفيديو ويحتسون الفودكا.

وفي كل مساء حين كان المكان يعج بالزبائن كان بورا يتغير. ويتذكر بورا بوضوح يوم جاء اصدقاء جمال. كان ذلك في كانون الثاني (يناير) 2010 وكانوا يرتدون جاكيتات اديداس وقبعات بيسبول اميركية وسراويل جي ـ ستار واحذية نايكي ماكس. كانوا يبدون مثله ولكن سرعان ما لاحظ بورا ان فيهم شيئا مختلفا.

كانوا هادئين يحبون السلام، يعاملون بعضهم البعض كأنهم اخوة. وفي حين كان اصدقاؤه يتحدثون عن النساء وسيارات السباق كان هؤلاء الجدد يناقشون معنى الحياة ووجود الله. وكانوا يستخدمون عبارات مثل الانفجار الكبير ونظرية النشوء والارتقاء. ولم يستطع بورا ان يمنع نفسه من الاستماع اليهم.

ثم سأله احد الرواد الجدد quot;لماذا لا تأتي وتنضم الينا ايها الأخ؟quot; كان واحدا من خمسة اشخاص اعمارهم بين 18 و30. وبنظر بورا كان من الطبيعي تماما ان يلتقي بهؤلاء الرجال، ولكنه بالنسبة للآخرين كان هدف عملية يحسنون ممارستها.

يقول جمال quot;كانت استراتيجيتنا واحدة على الدوامquot;، ان تجلس وتبدأ الحديث عن الله وتلقي نظرة من حولك لترى إن كان هناك من يستمع باهتمام ثم تدعو هذا quot;الأخquot; للانضمام الى الجماعة.

وتبدأ عنذاك عملية تدرب عليها جمال واقرانه المبشرون في غرفة موتيل في المنطقة الصناعية من هامبورغ حيث يقوم واحد منهم بدور الضحية أو quot;الكافرquot; ويحاول الآخرون اصطياده. وتُنجز عملية الصيد عندما يؤمن الطريدة بوجود الله ويبدأ الاهتمام بالاسلام.

وتشير شبيغل اونلاين إلى ان بورا كان quot;طريدة سهلةquot; ينتمي الى جيل من ابناء مهاجرين ولدوا في مدن المانية وترعرعوا فيها. رباهم آباؤهم على الطريقة الاسلامية التقليدية، ولكن الأبناء يميلون الى التوصل الى نسختهم الخاصة من الاسلام.
وكان جمال يشرح لمن يجندهم بأن خطاياهم في زمن الجاهلية الذي يعيشون فيه ستُغفر لهم إذا اصبحوا مسلمين.

كان جمال صيادا في هذه المجموعة إلى أن مر في صيف 2010 بتجربة حولته هو نفسه الى طريدة مأسورة في قفص. إذ كان جمال يرتدي قلادة من لبنان، تذكره بوطنه ولكن احد اصدقائه الاسلاميين ابلغه بأن ينزعها قائلا إن القومية خطيئة. كما قيل لجمال انه يقضي وقتا طويلا في ممارسة الرياضة على حساب نشاطه التبشيري والدعوي. ولأول مرة شعر جمال انه فقد حريته. ولم يكف عن التفكير في انه عضو quot;طائفة مغلقةquot;.

بدأ جمال يستمع الى مواعظ بالانكليزية على الانترنت وقرأ النصوص القديمة بأكملها. وعرف أن البشر يسافرون الى اصقاع بعيدة للتعرف إلى ثقافات الشعوب الأخرى وطلب العلم. وقرأ في مقالات علماء كبار انك إذا كنت تعيش في بلاد الكفار فعليك ان تلتزم بقوانينها وقواعدها.

وكف جمال عن تصديق اصدقائه وعمد الى تغيير رقم هاتفه وقطع صلاته بالاسلاميين.

واليوم عندما يصلي جمال فانه يذهب الى مسجد على الجانب الآخر من المدينة حيث الهدوء والسلام بعيدا عن السياسة.

التقى جمال وبورا قبل اشهر في المقهى الذي يقدم النرجيلة في حي شانتسينفيرتل وسط هامبورغ. وهو ليس مقهى معتما كما كانت حانة اليساريين القديمة، والزبائن يرتادونه للتدخين، وليس للحديث عن الجنة. واصبح بورا وجمال صديقين.

وذات يوم مشرق يلتقي الاثنان اصدقاء على حفلة شواء في الهواء الطلق. هناك موقدان للشواء على العشب، موقد لشواء نقانق لحم الخنزير وموقد لشواء اللحم الحلال. وكان ارميني واردني وروسي يحتسون الفودكا.

ويمد جمال بساطه على الأرض لصلاة المساء. ويُخرج بورا تبغا مطعما بنكهة الفواكه. ينتظر الرجال جمال إلى ان ينتهي من الصلاة فيما يستمر شواء اللحوم على المواقد. يقول بورا ان جمال يعد أحسن نرجيلة. احد المدخنين يبعد عنكبوتا عن النرجيلة فيما يقول آخر quot;ان العنكبوت يخاف علينا في الاسلامquot; مستذكرا ان العنكبوت نسج بيتا لانقاذ النبي محمد.

يغمز جمال باتجاه مراسل شبيغل قائلا quot;لديه ضمير يؤنبه، ومعرفة سطحية. سيكون طريدة سهلةquot;. فان جمال ما زال يعرف كيف يعثر على طريدة، ولكنه الآن يبحث عن غرض آخر ذي معنى أكبر، على حد تعبير شبيغل اونلاين.