يفرّ سكان درعا من هول المعارك والقصف الجوي الذي دمّر منازلهم، وينزحون جماعات إلى الأردن، ليجدوا هناك نوعًا من المعاناة أشدّ مرارة من الموت، إذ يجمعون في مخيمات لا يتوفّر فيها من أسباب الحياة الكريمة إلا الأمن.


السوريون النازحون الى الاردن يعانون اوضاعًا معيشية مزرية

تتألف عائلة جاموس من خمسة أخوة، أصيب ثلاثة منهم بجروح، ودمّر منزلهم بسبب الغارات الجوية والقصف الذي شهدته قريتهم الصغيرة في جنوب سوريا، الأمر الذي دفعهم إلى تسليم السلاح ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه والتوجه إلى الحدود الأردنية.

ونقلت صحيفة الـ quot;نيويورك تايمزquot; عن محمد جاموس (27 عاماً) قوله: quot;حاولنا الاستمرار في القتال، لكننا لم نستطع، وها نحن الآن هناquot;، مشيرًا إلى أنه قام بتسليم بندقيته إلى أحد زملائه الثوار، ليتمكن من إيصال عائلته إلى بر الأمان، والعودة إلى جبهة القتال مطمئناً إلى أن عائلته بأمان.

جاموس انضم إلى اللاجئين السوريين، الذين يصل عددهم إلى 20 ألفاً، وتدفقوا عبر الحدود من أنحاء درعا كافة، مهد الانتفاضة السورية.

ويصف اللاجئون القرى التي فرّوا منها بأنها quot;محروقة وخالية من السكانquot;. ويقول البعض إن قراهم حرمت من المياه والطاقة والاتصالات لأسابيع قبل مغادرتهم، وإن الجدران تحمل شعارات وكتابات تدعوهم إلى الرحيل، محذرة إياهم من العودة.

وأشار عمال الإغاثة، الذين تمت مقابلتهم، إلى أن اللاجئين يتحدثون عن محاولات متعمدة لطرد المدنيين الذين قد يتعاطفون مع الثوار.

وقال أندرو هاربر، مسؤول في وكالة الأمم المتحدة للاجئين في الأردن، إن معظم اللاجئين يعبرون الحدود ليلاً تحت حماية الثوار، والعديد منهم يصل إلى الأردن مصابًا بالرصاص، لأن أفراد الجيش النظامي يطلقون النار على الفارين، ويقتلون العديد من السوريين وهم يحاولون الهرب من الحرب المستعرة في بلادهم.

وأشارت الـ quot;نيويورك تايمزquot; إلى أن الهجمات الجوية التي شنها النظام قبل نحو اسبوعين، أدت إلى ارتفاع معدل هروب السوريين إلى نحو 2000 في الليلة الواحدة، ووصل هذا العدد إلى ذروته منذ خمسة أيام، إذ وصل أكثر من 5000 لاجئ إلى مخيم الزعتري في الأردن.

ما يقرب من نصف اللاجئين في هذا المخيم تقلّ أعمارهم عن 12 سنة، ويفوق عدد النساء الرجال. وتوقع هاربر أن هذه الأعداد سترتفع، وتصبح أقل توازناً، لأن معظم الرجال يوصلون أسرهم، ثم يعودون إلى سوريا للقتال.

لكن خلال الأسبوع الماضي، عاد مئات السوريين على متن الحافلات مرة أخرى إلى سوريا، ومعظمهم من الرجال، وفقاً لعمال الإغاثة. وقال بعض العائدين إن quot;الموت في سوريا أفضل من الموت البطيء هناquot;، من ضمنهم محمد سلامة، الذي استقل الحافلة عائداً إلى سوريا، ليتمكن من الانضمام إلى الجيش السوري الحر.

يضم مخيم الزعتري في الأردن نحو 25000 شخص، يقبعون في الخيام البيضاء، التي يتحول لونها إلى الأصفر، بسبب الرمال التي تغطي الملابس والوجوه ورئات الأطفال بطبقة كثيفة من الغبار.

وأشارت الصحيفة إلى أن الرياح والأعاصير تنقل الرمال إلى الخيام التي بالكاد تتوافر فيها المياه والكهرباء والحمامات وغيرها من المرافق اللازمة. وقال هاربر: quot;الناس يأتون إلى مخيم الزعتري لأنهم في وضع يائس. إنهم في ورطة. في النهاية، لماذا يحضر أي شخص عائلته إلى الزعتري، إلا إذا لم يكن لديه أي خيار على الإطلاق؟quot;.

الهجمات الجوية التي تشنها حكومة الأسد على مقاطعة درعا تزامنت مع حملات تصعيد في أنحاء البلاد كافة. ويقول اللاجئون إن النظام شنّ هجمات شرسة جديدة في عطلة نهاية الأسبوع، نهاية شهر رمضان. بدلاً من الهجمات المتفرقة التي وقعت خلال الصيف، يقول السوريون إن القوات الحكومية بدأت باستخدام طائرات الهليكوبتر وطائرات ثابتة الجناح لتعقب وقصف القرى القريبة من درعا.

وقال العديد من اللاجئين إن الهجمات الجوية قضت على أي ملاذ آمن في محافظة درعا، التي يبلغ عدد سكانها نحو 1.5 مليون نسمة. وقال عمال الإغاثة في الزعتري إن بعض اللاجئين تنقلوا ما يصل إلى خمس مرات داخل درعا إلى بلدات كانت تعتبر خالية من أي عنف، قبل مغادرة المحافظة بشكل نهائي.

واستضافت الاردن ما يصل إلى 180 ألف سوري منذ بدء الصراع، وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من 72 ألف لاجئ يتلقون مساعداتها. وأعلنت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في الأردن أنها في حاجة ماسة إلى 700 مليون دولار من التبرعات للمساعدة في إدارة الأزمة.

محمد (34 عاماً) وصل الى مخيم درعا صباح يوم الجمعة الماضي، مصطحباً زوجته، وأخته وسبعة أطفال. يقول مختنقاً بدموعه إنه هرب من قريته، لأنه quot;لا يوجد حجر على حجر. كل شيء تدمرquot;.

من جهتها، تقول خدام عوير، التي هربت بصحبة 10 أطفال من بلدها، إن الحياة في مخيم الزعتري غير صالحة للحياة البشرية، معتبرة أنها قضت 7 أيام أشبه بالسنين الطويلة. وأضافت: quot;نحن نعيش هنا مثل الحمير والكلاب. لا يمكن لأحد يعيش في هذا الإذلالquot;.

لكن في قريتها السورية داعل، لا مجال للعيش أيضاً، فتقول إن quot;الأمر انتهى، لا يوجد سوى الخوف والموت والدمار. غادر الجميع بيوتهم، والأسد يقصفنا خمس مرات في اليومquot;، مؤكدة أنها لا تندم على اندلاع الثورة، وتعتزم العودةلحظة تخلي الأسد عن السلطةquot;.