دمشق: حذر خبراء من مخاطر تدمير الكنوز الأثرية في سوريا، بما فيها من آثار آرامية ويونانية ورومانية وإسلامية، وطالبوا المنظمات الدولية المعنية حماية الآثار، التي أكّدوا أن قوات النظام السوري تستهدفها، بما فيها من قلاع صليبية ومساجد وكنائس قديمة وآثار يونانية ورومانية نادرة، فضلاً عن الإهمال الحكومي لعشرات المتاحف المليئة بالآثار.

وقام خبراء آثار سوريون وأجانب بتوثيق بعض الانتهاكات والتخريب لتكوين وثيقة تؤسس لتقصي الحقائق في مجال الآثار بهدف تقديمها الى الهيئات العالمية، وأكّدوا أنه تم الحفر العميق في بعض التلال الأثرية لصُنع ملاجئ للدبابات العسكرية، كما أشاروا إلى تمركز الدبابات وناقلات الجند وسط المواقع الأثرية، وتم تحويل العديد من القلاع القديمة إلى مناطق عسكرية ومتاريس للقناصة، وتم تشويه العديد من خصائصها المعمارية.

تقول المعارضة السورية إن النظام السوري يدمّر التراث الإنساني خلال عملياته العسكرية الحربية، من خلال قصفه لمساجد وكنائس وقلاع وحتى منازل تاريخية، هي جزء لا يتجزأ من تراث حضاري يمتد عمره لأكثر من ستة آلاف سنة.

وتتهم السلطات السورية وبعض وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية المعارضة السورية بأنها تقوم بنهب وتخريب الآثار، حتى إن بعضها يلقي بالاتهام على المعارضة المسلحة بأنها تقصف المواقع الأثرية وتقوم بتهريبها بشكل منظّم.

منظمة المغتربين السوريين (SEO) سلّطت الضوء على الدمار الذي لحق بالمواقع الأثرية السورية نتيجة الصراع المستمر منذ أكثر من عام ونصف عام، ونبّهت من تحصّن الجيش السوري ضمن مواقع سورية أثرية، وتحويلها إلى قواعد عسكرية، وناشدت (اليونيسكو) لإصدار بيان يدين تدمير المواقع الأثرية السورية، ويحمّل السلطة مسؤولية فشلها في حماية هذه المواقع الأثرية في غالبية المناطق السورية.

وقبل أشهر، أصدر مثقفون وكتّاب وصحافيون وفنانون سوريون بياناً ناشدوا فيه المجتمع الدولي ومختلف مؤسساته والدول المجاورة لسوريا العمل على حماية المواقع الأثرية السورية، ومنع تهريبها عبر أراضيها، والوقوف بحزم في وجه تخريب الإرث الحضاري الإنساني الذي تقوم به الآلة العسكرية السورية أو مافيا تهريب الآثار، التي جزموا أنها quot;مشكَّلة من رجالاتهquot;.

وأشاروا إلى أن تراث سوريا وآثارها المحفوظة في المتاحف تعاني من خطر النهب المنظم بسبب ضعف الرقابة التي أدت إلى سرقة عدد من الآثار من داخل المتاحف الأثرية في وضح النهار، إضافة إلى عمليات الحفر السري في المواقع والتلال الأثرية وتهريب كنوز سوريا التاريخية.

ناشدت المعارضة السورية المجتمع الدولي لـ quot;تحمّل مسؤوليته بتأمين الحماية اللازمة للمواقع والمباني والمتاحف التي تشكل تراثاً إنسانياً عالمياً وسورياً يمسّ الهوية الوطنيةquot;، كما ناشدت المنظمات العالمية ممثلة بـ (اليونسكو) واتحاد الآثاريين العرب، (الدرع الأزرق)، (الإيكروم)، المتاحف العربية والعالمية، والجامعات العربية والعالمية ومعاهدها الأثرية، لـ quot;الوقوف بحزم بوجه الهجمة الشرسة التي يتعرّض لها الإرث الحضاري السوري من خلال إيجاد آليات ردع للسلطات السورية ووقف التعديات السافرة من قصف المواقع والمباني التاريخية وحفر بالآليات الثقيلة وتحويل القلاع إلى ثكنات عسكريةquot;.

في أبريل/نيسان الماضي، تعرّضت قلعة المضيق الواقعة قرب مدينة حماه (وسط سوريا) إلى دمار كبير، وهي واحدة من القلاع الأكثر قدماً في المشرق، وأظهرت لقطات فيديو للقلعة التي يعود تاريخها إلى القرن الرابع قبل الميلاد وهي تتعرض للقصف.

مدينة تدمر الأثرية، قبلة السياحة في سورية، والمصنفة من قبل منظمة اليونيسكو كموقع من مواقع التراث العالمي منذ عام 1980، تعرّضت بدورها للقصف بالمدفعية، كما أكّد ناشطون سوريون أن منطقة أفاميا الأثرية المسجلة على لائحة التراث العالمي في اليونسكو منذ عام 1999 تعرّضت لعمليات حفر سري عشوائي ونهب منظم في وضح النهار، وتم نهب الفسيفساء الرومانية الرائعة فيها، واستخدم اللصوص آليات ثقيلة لإنجاز عملهم، كما أكّد آثاريون أن جدران المعبد الآشوري في تلّ شيخ حمد في دير الزور قد تم تدميره تدميراً واسع النطاق، وهو يعود إلى العصر البرونزي.

وكانت اليونسكو قد أدرجت ستة مواقع على لائحة التراث العالمي، وهي أحياء دمشق القديمة وحلب القديمة وقلعة المضيق وقلعة الحصن ومدينة بصرى ومدينة تدمر والقرى الأثرية شمال سوريا بما فيها أفاميا.

متحف حمص لم ينجُ من النهب وفقاً لتجار الآثار، الذين أشاروا إلى أنه تمّ إغراق الأسواق في الأردن وتركيا بالقطع الأثرية الآتية منه، وتعرضت مدينة إيبلا الأثرية الواقعة في محافظة إدلب للنهب، وهي المدينة الآرامية التي عثر فيها على خمسة آلاف مخطوط حجري مكتوب بالخط المسماري.ز

في الأسابيع الأخيرة طال القصف والتخريب قلعة حلب الأيوبية الشهيرة، التي تعتبر تحفة فنية بين قلاع العالم، وكذلك آثار بصرى الرومانية والإسلامية، وتم تدمير بوابة دير الراهب بحيرا، الذي له مكانة مميزة إسلامياً ومسيحياً على حد سواء.

وتعرّضت دور العبادة القديمة، من جوامع وكنائس، في حمص ودرعا وحلب وريف دمشق لتدمير كبير نتيجة استهدافها بالمدفعية والطيران الحربي، فيما تعرّض قسم كبير من الأحياء والأسواق الأثرية القديمة في حمص وحماة وحلب للقصف المباشر.

سعى بعض الثوار المسلحين من المعارضة إلى الاحتماء وراء جدران القلاع القديمة هرباً من نيران الجيش الذي لم يتردد في قصفها للإجهاز عليهم، كما استخدم بعض الناشطين المساجد القديمة لإنشاء مشافي ميدانية واستُهدفت هذه المشافي الميدانية بأسلحة ثقيلة.

في قلعة الحصن، التي وصفها لورانس العرب بأنها أفضل قلعة في العالم، والتي لم يستطع صلاح الدين الأيوبي أن يستردها من الصليبيين، تحصّن بعض الثوار هرباً من ملاحقة القوات الأمنية والعسكرية، فقصفها الجيش بالمدفعية، ولحقت أضرار كبيرة بالكنيسة الصليبية داخلها.

تم تدمير الجامع العمري في درعا مركز انطلاق الثورة السورية بعدما حوّله الناشطون إلى مشفى ميداني، وهو الجامع الذي يعود إلى الفترات الإسلامية الأولى زمن الخليفة عمر بن الخطاب، ويُعتبر من روائع الآثار الإسلامية القديمة والمحتفظة بتفاصيلها المعمارية وهيكلها الأصلي.

بسبب الوضع الأمني المتردي حالياً في سوريا، هناك قلق في ما يتعلق بمستوى أمان وسلامة المتاحف السورية، والتي تحوي العديد من التحف والقطع الأثرية القيّمة، وهناك مخاوف من أن يتم استهدافها بالمدفعية السورية ـ خطأ أو عمداً ـ أو سرقتها من قبل لصوص، يمكن أن يستغلوا هذا الوضع، ومن المعروف أن عمليات الجرد والتوثيق للآثار السورية وللمتاحف غير دقيقة، ما يعني استحالة تتبع أثر هذه المقتنيات في حال تعرضت للسرقة، وستخسر سوريا ستة آلاف عام من الحضارة والتاريخ.