الدبلوماسي البريطاني السير شيرارد كوبر كولس

يستعد دبلوماسي متمرس لإصدار مذكراته في كتاب جديد يظهر في الأسواق في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. في الكتاب أسرار من ثلاث عواصم للقرار.


لندن: يعكف الدبلوماسي البريطاني السير شيرارد كوبر كولس على وضع اللمسات الأخيرة على كتاب مذكراته التي يُنتظر أن يحفل بمفاجآت مثيرة، نظراً إلى طبيعة المناصب التي تقلدها خلال حياته الدبلوماسيَّة الحافلة، على أن يصدر الكتاب في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. فقد عمل السير شيرارد سفيراً لبلاده في إسرائيل والسعودية وأفغانستان، وهذا ما يميّز كتابه عن غيره، إذ جمع هذا السفير التناقضات الثلاثة في عمله السياسي.

يحتل السير شيرارد منصبًا رفيعًا في الشركة البريطانية للطيران (BAE Systems)، التي وقعت أخيراً اتفاقًا جديدًا مع السعودية لتنفيذ مشروع عملاق يقضي بتطوير السلاح الجوي السعودي. بموجب الاتفاق، ستشتري الرياض 72 طائرة من الطراز تيفون التي يقول عنها البريطانيون إنها درة التاج الجوي البريطاني، لما تتميز به من قدرات قتالية عالية لا تتوفر في المقاتلات الجوية العالمية الأخرى. وهذه الطائرة ذات مقعد واحد، ومزودة بمحركين نفاثين، وتحمل حوالي خمسة إلى ستة صواريخ متنوعة في الجناح الواحد، وتستطيع تنفيذ عمليات جو جو وعمليات جو أرض في آن واحد على عكس التورنايدو.

ستضع هذه الطائرات السلاح الجوي السعودي في مستوى جاهزيَّة متقدماً، وتجعله على مستوى التحديات المستجدة إقليمياً، خصوصاً على صعيد تعزيز أمن المملكة، إذ تمتاز طائرات تيفون، إلى جانب قدراتها الهجوميَّة، بقدرات دفاعية ملحوظة، حيث يمكن استخدامها للاستطلاع لعجز الرادارات عن رصدها لأنها تحتوي على نظام التخفي ضد الرادارات.

إسدال الستار على اليمامة

يرجع للسير شيرارد الفضل في إقفال مشروع اليمامة، الذي أثار ضجة واسعة في السنوات السابقة لما تردد فيه من صفقات مشبوهة، ليبدأ البلدان بعدها مشروعًا جديدًا أصر فيه الملك عبد الله بن عبد العزيز أن يُزال منه اسم اليمامة ويطلق على المشروع اسم السلام. كما أجريت المباحثات بين الطرفين على أسس جديدة شاركت وزارة المالية السعودية في جزء مهم منها، ويقول خبراء إن المشروع الجديد يتسم بشفافية فعالة.

ومن المستبعد أن يضمّن السفير المجرب مذكراته معلومات مثيرة عن هذا الموضوع، نظراً لحساسية منصبه الحالي كمدير عام في الشركة البريطانية للطيران.

يقول السير شيرارد معتزًا quot;إن التعاون بين السعودية وبريطانيا مثمر جداً، ولعل أحد أبرز الدلائل أن السعوديين يمثلون 60 في المئة من العاملين في الشركة، وهم في معظمهم من ذوي الكفاءات الفنية الرفيعةquot;.
كيان عالمي عملاق

وتحتل الشركة البريطانية للطيران مكانة رفيعة في قطاع الصناعات الدفاعية. وتتجه الشركة إلى الاندماج مع شركة الفضاء والدفاع الجوي الأوروبيَّة، وهي الشركة الأم الصانعة لطائرات إيرباص. إذا تحقق هذا الاندماج، سينجم عنه كيان عالمي عملاق يهدد وضعية شركة بوينغ المترنحة ويعزز مكانة إيرباص، خصوصاً أن الأخيرة نجحت في تسع من أصل السنوات العشر المنصرمة في استقطاب عدد من الطلبيات تفوق غريمتها بوينغ.

وتصنع الشركة الأوروبيَّة طائرة إيرباص 380 إيه الفريدة، التي يرغب الكثير من شركات الطيران العربية والآسيوية باقتنائها، مثل طيران الإمارات والقطرية والسنغافورية، بالنظر إلى طاقتها الاستيعابية الكبيرة واقتصادها في استهلاك الوقود. في المقابل، تأخرت بوينغ أكثر من مرة في إطلاق طائرتها الموعودة دريم لاينر، التي لم تقابل بحماسة الناقلات العالميَّة، من أنها تستهلك وقوداً أقل بنسبة 25 في المئة من أي طائرة أخرى في فئتها.

تقول شركة الطيران البريطانية إنَّ احتمالات الاندماج مع الشركة الأوروبيَّة قوية، وإن محادثات بين الطرفين بدأت فعلاً. وتم الاتفاق حتى الآن على أن تمتلك الشركة البريطانية 40 في المئة من أسهم الشركة الجديدة، وتمتلك شركة الفضاء والدفاع الجوي الأوروبية النسبة الباقية.

ومن المنتظر أن تتجاوز عائدات الشركة الجديدة مئة مليار دولار، بالمقارنة مع 69 ملياراً لشركة بوينغ في 2011. وستجعل صفقة الاندماج من الكيان الأوروبي الجديد لاعباً أساسياً في حقل تزويد الأميركيين بالدفاعات الجوية، مزاحمة بوينغ في سوقها الأساسية، خصوصاً أنَّ مشتريات الجيش الأميركي تمثل 30 في المئة من إجمالي مبيعات بوينغ سنوياً.

ولا شك في أنَّ هذا الانقلاب في السوق المستقبليّة لشركات الطيران هو الذي حدا بالسعوديين إلى اختيار الطرف البريطاني لتجديد سلاحهم الجوي، الأمر الذي سيجعل الطيران السعودي صاحب اليد التكنولوجية الطولى في العقود المقبلة.

بالعودة إلى السير شيرارد، فهو تقلب في مناصب دبلوماسية متعددة، سواء داخل الخارجية البريطانية ذات الأنظمة الصارمة أو في سفارتها في واشنطن، قبل أن تختاره لندن سفيرًا لبلاده في إسرائيل ثم السعودية، وأخيرًا في أفغانستان، حيث اقترح على حكومة العمال المنصرمة التفاوض مع طالبان بدلاً من تسعير الحرب، وعاد فاستقال احتجاجاً على تجاهل اقتراحاته.

يجيد السير شيرارد العبرية والعربية والفرنسية، وهو درس الباشتونية، لغة أفغانستان الرسميَّة، وفي هذا البلد تزوّج زواجه الثاني من السيدة التونسية ياسمين زرينيني.