كان سكان قرية بيت صوالح يعيشون بسلام وتناغم، وسط الغابات والأنهار في محافظة اللاذقية في سوريا. وعلى الرغم من اختلاف طوائفهم ومشاربهم الدينية كان العلويون والسنَّة في البلدة يتمتعون بحياة هادئة، ويتشاركون حياتهم اليومية بعيداً عن التباغض والتمييز.


لميس فرحات: دمّرت بلدة بيت صوالح السورية بالكامل، بعد 21 شهراً من بداية الصراع، وسط مخاوف من أن تحترق أيضاً بنار الطائفية، حيث وقع السوريون ضحية الحقد الطائفي، الذي أشعل الحرب بين الغالبية السنية والأقلية العلوية، التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد.

الجماعات الدينية، التي كانت تعيش في سلام مع بعضها بعضاً منذ عقود في عمق محافظة اللاذقية، بدأت الانزلاق إلى صراعات وحشية، وفقاً لصحيفة الـ quot;تليغرافquot;.

قال أبو محمد شكري (40 عاماً) إن الحال كانت مختلفة قبل الحرب، quot;فقد كنت أقيم علاقات رائعة مع جيراني العلويين، وكنا نتعامل بحب وود، وقضيت الكثير من الوقت في منازل بعضهمquot;.

21 شهراً من الحرب الأهلية تكفي للقضاء على أية مشاعر بالوطنية والتعايش المشترك، فانزلقت البلاد نحو أتون الحقد الطائفي، وأصبح الشارع، الذي يقف فيه شكري اليوم عبارة عن مجموعة من المنازل المتفحمة، والمحال التجارية المدمّرة والمصانع والمخابز الخاوية التي هجرها العمال.

الأغرب من ذلك، تحوّل شكري نفسه من عامل بناء في البلدة إلى قائد لمجموعة من الثوار يقاتلون الناس الذين نشأ معهم. quot;إننا نشارك في معارك كثيرة هنا، أنا أعلم أنني قتلت بعض الرجال من المعسكر الآخر، وأعتقد أن بعضهم كان من أصدقائيquot;، يقول شكري في دلالة واضحة على التوتر، الذي نشأ في العلاقات بين العلويين والسنَّة بعد اندلاع الثورة ضد نظام الرئيس بشار الأسد.

هذه الأضرار لا تنحصر في قرية بيت صوالح، فهذا الصراع أرخى بظلاله على سوريا ككل، كما إن التهديد الطائفي الذي يسيطر على المنطقة دفع بمعظم سكان القرية العلويين إلى المغادرة نحو محافظة اللاذقية، التي تبعد 20 ميلاً، والتي تحتضن الميناء المطل على البحر المتوسط، والذي يمكن أن يكون في نهاية المطاف السبيل الوحيد لهروب الأسد إذا ما تم خلعه وإسقاط نظامه.

وأشارت الـ quot;تليغرافquot; إلى أن الميليشيات السنية تحرق منازل الجيران، وتستهدفهم بالقناصة من بعيد. واجتاحت القرى المجاورة معارك مماثلة، وسقطت بالفعل في أيدي السنة، لتعلن عن نهاية الحكم العلوي في هذا الجزء من محافظة اللاذقية.

الـ quot;تليغرافquot; واحدة من أوائل الصحف الغربية، التي تزور المنطقة، التي كان من الصعب الوصول إليها حتى وقت قريب، عندما كانت لا تزال في يد الحكومة. أثناء الجولة في ما تبقى من قرية بيت صوالح، قال شكري إن quot;التوترات التي نشبت خلال احتجاجات العام الماضي المناهضة للحكومة، والتي قادها السكان من الطائفة السنية، كانت فرصة للشكوى من التمييز الطائفيquot;.

وأضاف: quot;كنا نُعامَل كمواطنين من الدرجة الثانية، بينما منحت الحكومة امتيازات خاصة كثيرة لبعض الأسر العلوية، لذلك بدأنا بكتابة رسائل ضد الحكومة على جدران القرية، وتشويه وحرق صور الرئيسquot;.

هذه الشكوى شائعة بين المجتمعات السنية في سوريا، لا سيما بشأن السماح للعلويين بتملك الأراضي بسهولة أكثر من السنة، وأنه كان من الصعب النجاح في الأعمال التجارية من دون وجود شريك بارز من العلويين.

مع ذلك، ضربت الاحتجاجات على وتر حساس بالنسبة إلى السكان العلويين، الذين يمثلون الأقلية في سوريا، لذلك فهم يتمسكون بالرئيس العلوي للحفاظ على الحقوق والامتيازات التي يتمتعون بها. quot;عندما بدأت الاضطرابات شعر الكثير من القرويين العلويين بالتهديدquot;، يقول شكري، مشيراً إلى أن التلفزيون الحكومي السوري لم يفعل شيئاً يذكر لطمأنتهم.

وأضاف quot;لقد استمع جميع العلويين إلى التلفزيون الحكومي، الذي قال لهم إن أهل السنّة هم قتلة متعطشون للدماء، وسوف يقتلون كل واحد منهم، وبدأ بعضهم يعتقد أنه إذا رحل الأسد، فسوف يتم القضاء عليهم جميعاًquot;.

من غير الممكن التأكد من صحة هذه الأقوال، لكن الصحيفة نقلت عن زوجين ينتميان إلى الطائفة العلوية في قرية أخرى، قولهما إن بعض الثوار المحليين تصرّفوا بشكل لائق، والبعض الآخر قام بنهب بيوتهم وخطف أولادهم. وقال أحد الثوار، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إن بعض عمليات الإعدام تتم بدوافع طائفية ضد السكان العلويين.

quot;أصبنا بالإحباط، لأن أصدقاءنا العلويين فعلوا كل ما في وسعهم للسيطرة الكاملة على هذه القرية عندما اندلعت الثورة، حيث قاموا بدعوة قوات الأمن التابعة للحكومة، وأحضروا عشر سيارات كاملة من رجال الأمن لحماية منازلهمquot;، يقول شكري، مشيراً إلى أنهم قاموا بإنشاء وحدة تفتيش عند مفترق الطرق في وسط القرية، الذي يؤدي إلى الطريق السريع نحو اللاذقية.

وأضاف: quot;إنه شعور سيئ عندما يفقد أصدقاؤك الثقة فيك، فقد أرسلوا الشرطة السرية إلى بيوتنا للبحث عن الأسلحة. ثم بعد فترة قصيرة أصبح القرويون المدنيون جواسيس للحكومة. واقتحموا منازلنا، وأخذوا كل من كان يتحدث ضد الحكومةquot;.

الشعور بانعدام الأمان دفع شكري وزوجته وأولاده الأربعة إلى الرحيل. فيقول: quot;لم يكن باستطاعتنا المرور من خلال نقاط التفتيش الحكومية، لأننا كنا نخشى الاعتقال، لذلك رحلنا عبر التلال، واختبأنا في الغابات. في النهاية، تمكنّا من الهرب عبر الحدود إلى تركيا. وفي غضون عشرة أيام لم تكن هناك عائلات سنية في القريةquot;.

يشير شكري إلى أنه تعاون مع شبان آخرين على إقامة معسكر في الجبال، حيث بدأت الاستعدادات للهجوم على القرية، وعملوا على تأمين السلاح، مثل بنادق الصيد القديمة وبعض بنادق الكلاشينكوف من السوق السوداء.

شنّ الثوار هجوماً استمر أياماً عدة على القرية، فيقول شكري: quot;صعدنا على أسطح المنازل، وأطلقنا النار على بيت يملكه شخص علوي، كان قد فتحه للجنود لاستخدامه كقاعدة لمحاربتناquot;، مشيرًا إلى أن المبنى كان على بعد أقل من 100 متر.

في الوقت عينه، وضع الكثير من العلويين في سوريا علامات quot;للبيعquot; خارج منازلهم في دمشق وغيرها من المراكز الحضرية الكبرى، وقاموا ببناء ملاجئ فوق الجبال إلى جانب محافظة اللاذقية، خشية من أن يأتي يوم تكون فيه هذه الملاجئ السبيل الوحيد لحمايتهم من غضب التمرد السني.

يذكر أن الصراع في سوريا يقترب من عامه الثاني، ووصل عدد القتلى إلى 45 ألف شخص، في ظل مخاوف من أن تصبح قصة هذه القرية الصغيرة قصة سوريا كلها.