طالب رافي باراك، مدير عام الخارجية الإسرائيلية، بإعادة فتح سفارة تل أبيب في القاهرة، وقال إن إيران على رأس أولويات الأجندة الإسرائيلية، متهمًا الفلسطينيين بإهدار فرص السلام، ومعلنًا استعداد بلاده للتواصل مع نظام سوري يستطيع الفصل بين إيران وحزب الله.


خاص إيلاف من تل أبيب: أكد رافي باراك، مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية، وجود العديد من القضايا التي تشغل بال إسرائيل في الوقت الراهن والمستقبل المنظور، quot;ومن الضروري التعاطي معها من أجل التوصل إلى الهدوء، ليس على الصعيد الإسرائيلي فقط، وإنما على الصعيد الإقليمي بشكل عامquot;.

وفي تصريح خاص لـ quot;إيلافquot;، رأى باراك أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة حاولت كثيرًا التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين، إلا أن الجانب الفلسطيني غير جدي، ويضع عراقيل تعود بالأفكار المطروحة إلى المربع الأول، وحكومة تل أبيب ستظل حريصة على التوصل إلى تسوية سياسية مع السلطة الفلسطينية.

في حديثه لـquot;ايلافquot; من مقر الخارجية الإسرائيلية في القدس، بدا رافي باراك حريصًا على تمرير رسائل محددة حول عدد من القضايا العالقة مع بلاده، خصوصًا في ما يتعلق بالتحولات السياسية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، في إطار ما يُعرف بالربيع العربي. حيث قال: quot;نتابع عن كثب ما يكتبه المثقفون العرب عن الربيع العربي، ورسالتنا المحددة التي يجب أن يعيها الجميع هي نجاح الربيع العربيquot;.

وأضاف أن إسرائيل قلقة من انتقال الأسلحة الكيميائية التي يمتلكها بشار الأسد إلى دوائر راديكالية متطرفة، لتتحوّل سوريا إلى ليبيا أخرى، quot;أما إذا تولى نظام جديد الحكم في دمشق يمكنه الفصل بين إيران ودعمها العسكري واللوجستي لحزب الله، فمن الأهمية بمكان توطيد علاقتنا بهquot;.

وفي ما يأتي نص الحوار:

ما القضية التي تتصدر أولويات الخارجية الإسرائيلية اليوم؟
هناك العديد من القضايا على رأس الأجندة الاسرائيلية، على الصعيدين الإقليمي والدولي، أهمها إيران فإيران فإيران. فتلك القضية تُعد التهديد الأكبر لمستقبل الدولة العبرية. ولم يعُد غائبًا عن أنظار المجتمع الدولي ما تسعى طهران إلى فرضه على المنطقة وإسرائيل بشكل خاص، فنعلم ويعلم الجميع اقتراب الدولة الفارسية من بناء قنبلة نووية، وما يقلق إسرائيل هي الصواريخ بعيدة المدى، التي تملكها إيران، فضلًا عن دعم طهران لحزب الله، إذ وصلت ترسانة الحزب الصاروخية في الجنوب اللبناني إلى ما يربو على 160 ألف صاروخ. وليس ذلك فقط، فالدولة الفارسية تدعم حركات راديكالية كحماس والجهاد الإسلامي لوجستيًا، وحتى عسكريًا، فضلًا عن نشاطها المحلوظ في دعم عمليات الاغتيال السياسي في عدد ليس بقليل من عواصم دول العالم، إضافة إلى إنكارها المحرقة النازية quot;الهلوكوستquot;، وحديثها عن إنكار وجود الدولة العبرية، بل والدعوة إلى تدميرها.

كل الخيارات مطروحة

أمام الممارسات الإيرانية التي ذكرتموها، ما الدور الذي تقوم به الخارجية الإسرائيلية لكبح جماح طهران؟
ليس بأيدينا كدبلوماسيين سوى اتباع السبل الكفيلة بإقناع المجتمع الدولي بخطورة التطلعات الإيرانية على منطقة الشرق الأوسط، ونهدف من خلال ذلك إلى وقف عمليات تخصيب اليورانيوم الإيرانية عبر العقوبات الدولية، وأملنا أن يتفهم المجتمع الدولي خطورة تجاوز طهران العتبة النووية على العالم، وليس على إسرائيل فقط.

هل نجحت مساعيكم؟
إلى حد كبير، والدليل على ذلك أن دولاً عدة ساهمت في إقرار قرارات تقضي بفرض عقوبات على إيران، وعلى الرغم من أن فرصة تركيع إيران ما زالت قائمة، إلا أنها تتضاءل رويدًا رويدًا، ولا بد من التعاطي معها بشتى الطرق قبل فوات الأوان. وأعتقد أنه مع جهود المجتمع الدولي، ستنجح إسرائيل في تقليص الخطر الإيراني، ولا ينبغي تجاهل حقيقة دامغة، وهي أن كل الخيارات مطروحة في التعامل مع حكومة طهران، إذا أصرّت على مواقفها المتطرفة.

يعنينا نجاح الربيع العربي

بعد إيران، ما الملف الذي يشغل جدول الأعمال الإقليمي للخارجية الإسرائيلية حاليًا؟
تشغلنا التحولات السياسية في منطقة الشرق الأوسط. فالوزارة تولي ما يجري على الساحات السياسية في دول الربيع العربي أهمية بالغة. وما نتفهمه في إسرائيل هو أن هذه التطورات تعدّ شأنًا داخليًا لتلك الدول، وأقصد بطبيعة الحال مصر وليبيا وتونس وسوريا واليمن أيضًا. نتابع عن كثب ما يكتبه المثقفون العرب عن الربيع العربي، ورسالتنا المحددة التي يجب أن يعيها الجميع هي نجاح الربيع العربي.

ألم يخلق مناخ الربيع العربي واقعًا سلبيًا على إسرائيل، سياسيًا وعسكريًا؟
أعربت إسرائيل عن دعمها لنجاح الربيع العربي، وأؤكد ضرورة التزام القوى التي فرضت نفسها على الساحة السياسية في المنطقة بالحفاظ على الهدوء الاستراتيجي، خصوصًا أن كل التطورات السياسية الأخيرة حدثت في دول عربية، وليس لإسرائيل أية صلة بها. فنحن نرى أن قوة الشارع هي التي غيّرت الأنظمة في الدول العربية، وانطلاقًا من ذلك نتمنى لتلك القوى النجاح.

لكنّ هناك أصواتاً عديدة رددت دعمكم للمعارضة السورية ضد الأسد؟
ينبغي عدم الاستماع إلى تلك الأصوات، فنحن مصرّون على موقفنا بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة، سواء سوريا أو غيرها. لكننا في الوقت نفسه قلقون من الأسلحة الكيميائية والاستراتيجية التي يمتلكها بشار الأسد، فمن الممكن أن تنتقل هذه الأسلحة إلى دوائر راديكالية متطرفة حال سقوط الأسد، لتتحول سوريا إلى ليبيا أخرى. أما إذا تولى نظام جديد الحكم في دمشق يمكنه الفصل بين إيران ودعمها العسكري واللوجستي لحزب الله، فمن الأهمية بمكان توطيد علاقتنا به.

العلاقة مع مصر مهمّة

ما موقفكم من معاهدتي السلام المبرمتين بين إسرائيل ومصر والأردن بعد الربيع العربي؟
نحن نحافظ على السلام، ونتطلع إليه دائمًا، ونرى أن اتفاقيتي السلام مع القاهرة وعمّان ركيزتان أساسيتان للعلاقة مع الدولتين. نحن نبذل الجهود الحثيثة للحفاظ على المعاهدتين، ففي حين بات في مصر نظام جديد، نبذل أقصى المساعي لإجراء المحادثات مع هذا النظام، خصوصًا أن التحديات مع مصر تفرض نفسها على حدودنا معها، وليس الحفاظ على الرموز الوطنية في البلدين، كبقاء الطاقمين الدبلوماسيين في القاهرة وعمّان، كما يهمّنا بقاء وتقوية العلاقات بين الأفراد من الجانبين.

ما تطلعاتكم الاقتصادية في مصر؟
نود عودة الغاز الطبيعي المصري إلى بلادنا، بعدما انقطع عن التدفق منذ ثورة 25 يناير. كما نرغب في التعاون مع مصر وعمّان في آن واحد في مجالات مختلفة، خصوصًا في المجال الزراعي، إلا أن ذلك مرهون بإتاحة الفرصة أمام السبل الكفيلة بالتواصل مع الرئيس المصري الجديد.

ما موقفكم من مصر بعد التحولات السياسية التي طرأت عليها؟
أرى أن العلاقات مع مصر مهمة، ونعلم أن مصر تمر بهزّات غير بسيطة، لكن ليست لدينا نيّة بالتدخل في شؤون مصر الداخلية. وفي الوقت عينه، نرغب في إعادة سفارتنا إلى القاهرة بأقصى سرعة ممكنة، ولذلك نجري اتصالات منذ فترة مع السلطات المصرية حول تلك الإشكالية، وإلى جانب ذلك نتطلع إلى التقارب والعلاقات والمحبة مع المصريين أكثر من المستوى الحالي. في الحقيقة، نتطلع إلى إرساء علاقات سلام شاملة في المنطقة. كما نود أن تكون هناك علاقات شعبية بين إسرائيل ومختلف الشعوب العربية، وأن نعيش في سلام مع دول المنطقة كافة.

أهدرنا وقتنا مع الفلسطينيين

أليس الملف الفلسطيني مدرجًا في أجندتكم السياسية والدبلوماسية؟
أؤكد أنه كانت هناك محاولات من جانب إسرائيل، تمثلت في نموذج أول، وهو الوصول إلى نقاط حمراء، وتنازلات من جانب إسرائيل في عهد إيهود أولمرت في العام 2008. ففرصة التوصل إلى سلام ضاعت أكثر من مرة، ولم يقدم محمود عباس ما يمكن تقديمه لإحراز السلام. وأنا كمواطن إسرائيلي قبل أن أكون مسؤولًا، آمل في التوصل إلى سلام، ليس مع الفلسطينيين فقط، وإنما مع سائر دول المنطقة.

وفي عهد حكومة آرئيل شارون، اتخذنا قرارًا أحادي الجانب بفكّ الارتباط عن قطاع غزة، في محاولة لإقامة دولة فلسطينية في القطاع، إلا أن حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما من الفصائل الفلسطينية أمطرونا بوابل من الصواريخ، كما حاولنا من جانبنا قدر المستطاع التعاون وتحسين الوضع الاقتصادي لدى الفلسطينيين، وكذلك الدخول في مفاوضات، وقدمنا أيضًا العديد من الحوافز والالتزامات للفلسطينيين. وبعد تجميد المفاوضات لأشهر عدة، تعهد نتانياهو، الذي جاء من اليمين الإسرائيلي، بأنه لا بد من إقامة دولة فلسطينية، وذهبنا إلى الأردن تحت مظلة الملك عبد الله الثاني، لبلورة آليات استئناف المفاوضات. فكلما كنا نحاول كان الفلسطينيون يهربون، وبدلًا من ذلك توجّهوا إلى الأمم المتحدة، فبات الأمر صعبًا. فهم منقسمون بين حركتي فتح وحماس، ويواجهون صعوبات خلال السنوات الأربع الأخيرة في الحصول على مساعدات من الدول العربية، وما أستطيع قوله هو أننا أهدرنا وقتًا طويلًا، واستنزفنا جهودًا كبيرة من دون التوصل إلى حلول.

إذا كانت تلك هي الحال بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية، فما موقفكم من حماس؟
هناك من يحلمون في حماس بإبادة دولة إسرائيل، وبشكل عام قمنا بتجربة كل الوسائل مع الفلسطينيين من دون جدوى. فمنذ أوسلو، والفلسطينيون يرفضون تقديم أية تنازلات، ولم نجد منهم سوى الخطوات أحادية الجانب، الأمر الذي جعلنا أكثر إحباطًا، كما إن الفلسطينيين لم ينجحوا في إقامة الدليل على ما يروّجون له، وهو أن إسرائيل لا ترغب في تحقيق السلام.