الاوركسترا موجودة، بكامل عدتها وعديدها، تنتظر دخول عازف البيانو، فإذا بها شقراء فارعة الطول، جميلة الوجه، حسنة القوام، تتقدم مقدامة نحو آلتها الوترية الكبيرة، فتجالسها... وتبدأ بمصارعة quot;أوكتافاتهاquot; بأنامل تبدو ممتدة من سواعد مصارعة رومانية.


إيلاف من لندن: إنها العازفة الأوكرانية الجميلة فالنتينا ليسيتسا، التي استقرت في ولاية نورث كارولينا الأميركية. وتعد الأكثر مشاهدة واستماعًا واستمتاعًا على موقع يوتيوب، بفضل ما تضيفه على عزفها من حيوية واندماج مؤثرين.

أما المعزوفة فتدعى La Campanella أو الجرس الصغير بالإيطالية، وهي ثالثة من ستّ مقطوعات تؤلف منهاج باغانيني الكبير، ويرمز إليها بـ quot;اس 141quot;، ألفها الموسيقار الهنغاري الكبير فرانز ليست في العام 1851، نقلاً عن مقطوعة كونشيرتو الكمان 2 - quot;بquot; مينور للموسيقار الشهير باغانيني، الذي وضعها في العام 1838. وتعد من أصعب المعزوفات على آلة البيانو.

خيالات مشحونة

العزف متعة، والمقطوعة سريعة جدًا، والجمل الموسيقية تتقاطع بتصعاد في الوتيرة، قد لا يمكن متابعتها إلا بعنف، لكن العازفة في هذا الفيديو، الذي انتشر على موقع فايسبوك، أفرطت قليلًا في الضرب على أوتار البيانو الحساسة، جتى استنبطت إيقاعًا أين منه إيقاعات الكبار، في quot;مارشاتquot; عسكرية ابتدعوها.

لا يمكن، في المطلق، أن يقول المرء إن الموسيقى الكلاسيكية تولد العنف، لأنها ليست عنيفة في جملتها، إنما تأخذ العازف، كما المصغي، في عالم من الخيالات المشحونة بالعواطف، أي ما يسمى Trances، فينسى هذا العازف مكانه وزمانه، وينقاد وراء عاطفة جياشة، فتقوده تاليًا إلى إظهار ما في نفسه من العنف المكبوت.

ليست الكلاسيكية بأي شكل من الأشكال سيّ لموسيقى quot;روكquot; أو quot;هيفي ميتالquot;، التي تستعير العنف عنوانًا لها، لأنها موسيقى تريد في الأصل توليد العنف، تمردًا على واقع، أو نصرة لقضية، مهما كانت هذه القضية، فتكون الموسيقى العنيفة سلاحًا اجتماعيًا للتغيير.

تنفيس!

إن الموسيقى وسيلة تعبيريّة ولدت قبل اللغة، ويجمع المختصون في الدراسات النفسية حول الموسيقى على ضرورة أن يبني الانسان علاقة وطيدة مع الموسيقى، من خلال الإستماع إليها أو عزفها والتّعامل معها. هذه العلاقة محفز لمواجه العنف الكامن في داخل كل إنسان، مع تعدد أسباب هذا العنف واختلافها. وهي الماء التي يمكن أن تطفئ النار المستعرة في ثنايا النفس البشرية، من خلال التنفيس عن كل ما يعتمل في هذه النفس.

قد لا يظهر هذا للعيان، خصوصًا أن معظم المعلقين على هذا الفيديو أتوا ساخرين، كأن يقول أحدهم: quot;تبدو لاعبة كمال أجسام وليست عازفة بيانوquot;، أو آخر: quot;حرام البيانوquot;!