تراهن الولايات المتحدة الأميركية على استمرار تدفق مساعداتها المالية لحكومة المالكي لتعزيز نفوذها وإقناع الأخير بألا يعيد العراق إلى الفوضى.


بعد قرابة عامين على انسحاب القوات الاميركية من العراق ما زالت الولايات المتحدة تقدم ملايين الدولارات من المساعدات الى حكومة نوري المالكي، رغم العائدات النفطية القياسية التي تدخل خزينتها وعلاقتها الحميمة مع إيران، وتفشي الفساد في مفاصل الدولة التي تديرها هذه الحكومة.
ومن خلال الصندوق الخاص الذي استُحدث عام 2004 بادارة البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الانمائي قدمت الولايات المتحدة ومانحون آخرون زهاء ملياري دولار لتمويل مشاريع إعادة الاعمار في العراق. وكان من المقرر أن يُغلق الصندوق في 31 كانون الأول/ديسمبر هذا العام ثم مُدد عمله سنة أخرى بطلب من بغداد.
ولكن بات من الصعب تبرير مساهمات الدول المانحة في الصندوق نظرًا للإيرادات المالية الضخمة التي يحققها العراق من صادراته النفطية. وقالت الأمم المتحدة في أحدث تقرير بهذا الشأن إن زيادة انتاج النفط العراقي مقترنة بارتفاع اسعاره في السوق العالمية من جراء المخاوف الجيوسياسية حققت لخزينة الدولة العراقية عائدات بلغت نحو 100 مليار دولار في السنة.
وقررت دولتان مانحتان الانسحاب من الصندوق واستعادة مساهماتهما التي لم تُصرف العام المقبل، كما أكد مسؤول في البنك الدولي، وأضاف أن الولايات المتحدة ليست واحدة من هاتين الدولتين.
ومن أكبر الجهات المساهمة في الصندوق المفوضية الاوروبية واليابان واسبانيا الى جانب الولايات المتحدة التي انفقت نحو 60 مليار دولار على إعادة اعمار العراق خلال الحرب دون نتائج يُعتد بها بسبب اعمال العنف والفساد والاختلاسات والاحتيالات التي كانت شركات اميركية كبرى ضالعة فيها، كما يتضح من تقارير المفتش العام الاميركي لإعادة اعمار العراق.
وأُنفقت غالبية المساهمات على اكثر من 200 مشروع تنموي نُصفها لم تنجز بحلول نهاية 2012.
وتواصل الولايات المتحدة دعم حكومة المالكي بأشكال أخرى. ففي هذا العام قدمت واشنطن مساعدات إلى بغداد قيمتها 470 مليون دولار وطلبت من الكونغرس الموافقة على 500 مليون دولار تقدمها للعراق في عام 2014. يضاف إلى ذلك أن الولايات المتحدة تعتزم إقراض بغداد 573 مليون دولار لشراء معدات عسكرية اميركية.
ودافع مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية عن هذه المساعدات رغم تدفق عائدات النفط على حكومة بغداد بمقادير غير مسبوقة قائلاً إنها تهدف الى الحفاظ على شراكة استراتيجية. ونقلت صحيفة واشنطن تايمز عن المسؤول قوله quot;إن العراق وافق على زيادة انتاجه النفطي لأسباب منها سد ثغرات ناجمة عن العقوبات الساحقة ضد ايران وصناعتها النفطيةquot;. واضاف المسؤول quot;من الواضح أن لإيران نفوذا في العراق، ولكن نحن ايضا لنا نفوذناquot;.
ويشهد العراق ازمة سياسية بين قادة مكوناته المختلفة وموجة من اعمال العنف بلغت مستويات لم يُعهد لها نظير منذ عام 2008. وفي تشرين الأول/اكتوبر وحده مثلا قُتل 743 عراقيا وُجرح 1625 آخرون بالمقارنة مع 136 قتيلا فقط في الفترة نفسها عام 2012.
وقال محللون إن المالكي، الذي يحكم مع رهط من اعوانه ويقود حكومة تسيطر عليها احزاب شيعية، بدلا من العمل على تخفيف الاحتقانات بين مكونات الشعب العراقي واصل تهميش السنة دافعا بعض المجموعات إلى المقاومة المسلحة.
وقال الباحث في مركز الأمن الاميركي الجديد جاكوب ستوكس لصحيفة واشنطن تايمز quot;ان هناك اجراءات كان بمقدور المالكي ان يتخذها لخفض الاحتقان الطائفي عدة درجات، ولكن هذا لم يكن اسلوبه حتى الآنquot;.
في هذه الأثناء ازدادت علاقات المالكي حميمية مع إيران، وسمحت حكومته للطائرات الايرانية بنقل السلاح إلى نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا عبر الاجواء العراقية رغم احتجاجات واشنطن.
ولاحظ محللون المفارقة التي تبدت في زيارة المالكي الأخيرة الى الولايات المتحدة حيث طلب المزيد من المعدات العسكرية الاميركية. وقال الباحث ستوكس إن الماالكي لا يمكن ان يأتي إلى الولايات المتحدة طالبا المزيد من السلاح فيما هو quot;يساعد ايران على شحن السلاح الى سورياquot;.
سياسيا قال مسؤول في وزارة الخارجية الاميركية quot;إن هناك شللا في الوضع السياسي. ومن الصعب على العراقيين أن يعالجوا القضايا الصغيرة حين لا يستطيعون الاتفاق على القضايا الأكبرquot;.
ونوه المسؤول الاميركي بما سماها quot;جسورا يمدها المالكي مع شيوخ العشائر في محافظة الانبارquot; ورئيس مجلس النواب اسامة النجيفي وميثاق الشرف الذي وقعه القادة العراقيون الشهر الماضي. واعتبر المسؤول الاميركي أن هذا تقدم ما كان ليتحقق لو لم يكن لدى الولايات المتحدة نفوذ ما زالت تمارسه في العراق.
وتخطط الولايات المتحدة لارسال معدات عسكرية وتقديم دعما استخباراتيا إلى الحكومة العراقية في مواجهة تنظيم القاعدة وغيره من الجماعات الجهادية. وقال الباحث ستوكس إن هذه المعونة قد تقنع المالكي quot;بأنه لا يريد ان يرى بلده يعود الى الفوضى وأن يكون هو السبب في ذلكquot;.