انقلبت الأوضاع الاجتماعية والإنسانية في مدينة تمبكتو رأساً على عقب بعد تحريرها بمساعدة فرنسية، حيث كان كل شيء محرّمًا باسم الشريعة، بدءًا من السجائر والتلفزيون وأجهزة التصوير ومساحيق الزينة وصولًا إلى تحدث شاب مع فتاة علنًا حتى لو كانت أخته.


تمبكتو: في تحد للحظر خرجت الشابة الصغيرة ميمونة جيتي (15 سنة)، وهي من سكان تمبكتو بعدما تزينت، تلبّي دعوة أصدقائها على عشاء ثم مشاهدة فيلم quot;علي بابا والأربعين حراميquot;، في متعة كانت مستحيلة قبل أسبوع عندما كانت تخفض البصر والرأس أمام الإسلاميين.

بعد أيام قليلة على تحرير تمبكتو (300 كلم شمال باماكو) من قبل القوات الفرنسية والمالية تروي ميمونة، وقد صففت شعرها، ووقفت أمام الكاميرات كيف أنها خلال هيمنة الإسلاميين المتطرفين، التي دامت تسعة أشهر، لم تكن تجرؤ على الخروج إلى الشارع في حيّها جيندي إلا وهي quot;محجبة تمامًاquot;.

على مسافة 200 متر من منزلها في شارع يكسوه الغبار، يوجد quot;سجن النساءquot; الذي أقيم في فرع مصرف سابق، حيث كان quot;المفتشquot; أحمد محمد موسى، وهو من quot;طوارق المنطقة يكدس النساءquot;.

كان موسى يحتجز منهن حتى quot;12quot; في غرفة جهاز توزيع المال الآلي سابقًا، التي لا تتجاوز مساحتها مترين في مترين. وقالت الفتاة quot;كنت أسمعهن يبكين، كان يتركهن هناك بدون ماء حتى إنهن كن يتبولن في المكانquot;.

وأضافت إن quot;الإسلاميين كانوا يأخذون البنات ويأمروهن بالتحجب ويجلدوهن أحيانًا، وحتى إذا خرجت مع شقيقك كانوا يدعون أنه صديقكquot;. وفي حي كويرا تاو، وفي منزل من الطين المجفف، تكنس الفتاة الزهراء عبدو (20 سنة) أرض المطبخ الرملية، وتروي كيف أنه quot;قبل شهر ونصف شهر كنت أغسل ملابسي هنا ثم خرجت لأنشرهاquot;.

وتابعت quot;أتى أحمد موسى ورجاله وقالوا إنني لا أرتدي اللباس المناسب وحبسوني يومين في سجن النساء، وفي اليوم الثاني اغتصبني خمسة من صغار أتباع أحمد موسىquot;.

وأوضحت بلغة السونغاي ان شقيقها الاكبر quot;قتله الاسلاميون عندما علموا ان الفرنسيين سيأتونquot; لاستعادة شمال مالي، وقالت quot;كان يتناول الشاي مع اربعة من اصدقائه عندما اتهمهم الإسلاميون بسرقة الوقود، ووقف شقيقي ليهرب فقتلوه بأربع رصاصاتquot;.

يقود عبدو محمد تراوري -المرشد السياحي في quot;مدينة الاولياء الصحالين الـ333quot; الذي لم ير قط سائحًا منذ وصول الاسلاميين في نيسان/ابريل 2012- الصحافيين الأجانب لزيارة الاماكن التي ترمز الى quot;الاحتلالquot;.

واكد المرشد (28 سنة) ان كبار قياديي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي كانوا في تمبكتو، مثل الجزائري ابو زيد ومواطنه مختار بن مختار، زعيم فصيل منشق نفذ أخيرًا عملية خطف رهائن في موقع انتاج الغاز في ان اميناس في الصحراء الجزائرية.

وقال quot;اترى هذا المتجر الذي نهبته الحشود صباح الثلاثاء، كان مختار بلمختار يأتي اليه أحيانًا لتناول الشايquot; واضاف ان quot;الأعور (في اشارة الى بلمختار) كان يضع عمامة سوداء وعناصره عمامة رمادية، وكانوا جميعا يحملون بنادق كلاشنيكوفquot;. واضاف ان بعض الاسلاميين كانوا يقيمون حفلات شواء على ضفاف نهر النيجر، حتى فرارهم quot;على ظهور الحميرquot;.

من جهة اخرى اشار المرشد الشاب الى منزل جميل قال ان quot;الاسلاميين اقاموا فيه، واصدروا احكامهم هناكquot;، مضيفا quot;حكموا على متمرد سابق من الطوارق بالإعدام لأنه قتل صيادًا بعدما قال له يا كلب ألا تعلم أن هذه المدينة ملكا لنا، واعدموه برصاصة في الراسquot;.

في ساحة الشهداء اشار الى quot;دكان رجل متزوج فاجأوه وهو في خلوة مع امراة غير متزوجة، ففضل الفرار، لأنه ظن انهم سيقتلوهquot;. وفي السوق الكبيرة أحصى مهل مودو مايغا (42 سنة) اللائحة الطويلة لكل ما كانوا يحرمون بيعه مثل quot;السجائر واجهزة التصوير ومساحيق الزينة ومراهم تفتيح لون البشرة واجهزة التلفزيون والراديو...quot;.

واستذكر ساخرًا quot;كان ذلك حرامًا بالنسبة إليهم وليس بالنسبة إلينا، لكن ذلك هين مقارنة بقطع يد رجل اتهموه بالسرقة امام الملأquot;.
والآن اصبح شقيق ميمونة الاكبر، الذي يطلق على نفسه اسم علي بابا، quot;كما في الفيلمquot;، يتجول في الشوارع، وهو يرتدي قمصيًا ابيض بلا اكمام، ويضع بفخر سوارًا في معصمه، ويقول quot;اتذكر كيف كنا لا نستطيع حتى التحدث الى شقيقاتنا في هذه المدينة!quot;.