تعيش مصر في الوقت الراهن على وقع أزمة أخرى، بعد كل ما حصل على مدار الأسبوع الماضي من أحداث وتطورات كان آخرها الاقتحام المثير لفندق سميراميس الذي يقع على بعد أمتار قليلة من ميدان التحرير من قبل بلطجية مجهولين، ومن قَبل حالة الفوضى وسفك الدماء التي قادت إلى فرض قانون الطوارئ في مدن القناة، وتولد شعور بانهيار النظام العام جرّاء تواصل الصدامات في التحرير.


زادت من حدة التوترات أعمال العنف التي حصلت في أعقاب الحكم الذي أصدرته محكمة جنايات بورسعيد في مطلع الأسبوع في تلك القضية التي تعرف إعلامياً بـ quot;مجزرة بورسعيدquot;، التي راح ضحيتها في مثل هذا اليوم من العام الماضي ما يزيد على 70 قتيلاً من جمهور النادي الأهلي عقب مباراة فريقهم مع النادي المصري البورسعيدي، جنباً إلى جنب مع الأحداث التي زامنت الاحتجاجات التي خرجت في 25 من الشهر الماضي.

أرجعت مجلة فورين بوليسي الأميركية الأزمة السياسية والمؤسسية التي تعيشها مصر في الوقت الحالي إلى أسباب عدة، من بينها القيادة الخرقاء بشكل استثنائي من قِبل الإخوان المسلمين ومحاولات الرئيس محمد مرسي المتكررة لاغتصاب السلطة ورفض المعارضة الانتقال السياسي وعجزها كذلك عن عرض أي بديل مقنع.

إلى جانب إحباط الثوار وظهور اتجاهات عنيفة وفوضوية في الشارع، وحدوث استقطاب سياسي واجتماعي حاد يبدو أن كلا الطرفين غير قادرين على كبح جماحه. إضافة إلى الأزمة الاقتصادية والفراغ الأمني الذي يضع الجميع على الحافة.

لكن رد فعل الولايات المتحدة تجاه كل هذه الأحداث الجارية في مصر لم يكن على المستوى المتوقع، على الرغم من إدانة البيت الأبيض ووزارة الخارجية للعنف من جميع الأطراف، ودعوتهما إلى إجراء حوار شامل لإحداث توافق يحمي حقوق كل المواطنين.

غير أن ذلك لم يبدُ كافياً بالنسبة إلى كثير من المواطنين المصريين وجزء كبير من المسؤولين المصريين في الولايات المتحدة. حيث اتفق كثيرون منهم على ضرورة أن تقوم الولايات المتحدة بالمزيد، وأن تقوم بذلك بشكل مختلف، وعلى نحو أكثر جرأة.

أشار معظم المنتقدين إلى أنه يتعيّن على واشنطن أن تقوم بالمزيد من أجل دعم الديمقراطية المصرية. لكن هذا الأمر صعب بعض الشيء، نظراً إلى نجاح جماعة الإخوان المسلمين بصورة فعلية في الفوز بانتخابات حرة ديمقراطية ونزيهة بشكل معقول.

وعلى عكس إدارة بوش، التي تخلت عن دعم الديمقراطية في فلسطين، عقب فوز حماس بالانتخابات، فإن أوباما لم يتراجع حين فاز الإسلاميون بالانتخابات، ووصلوا إلى السلطة.

وقد أظهرت إدارة أوباما فعلاً وقولاً تعهدها بدعم الديمقراطية في مصر إلى حد أبعد مما سبق وإن أظهرته أي حكومة أميركية في الماضي. لكن هذا لا يعني أن أوباما كان يريد فوز الإخوان المسلمين بالانتخابات. وقد أبلى الإخوان بشكل ذريع في السلطة، وكان لهم الكثير من السمات غير الجذابة، لكنهم تمكنوا من الفوز بالانتخابات.

أعقبت المجلة بلفتها إلى أن الكثير من المشكلات التي تعانيها مصر مستوطنة في المراحل التي يتم الانتقال خلالها من الأنظمة الاستبدادية، وذلك في الوقت الذي ساهمت فيه كل الأطراف الأخرى تقريباً بالمشهد السياسي المصري في الإخفاق الحاصل.

ومع أن أوباما سبق له أن تعاون مع مرسي، باعتباره رئيس مصر المنتخب ديمقراطياً، إلا أن هذا لا يعني أنه يدعم أو يؤيد مرسي بصورة تزيد على فكرة أن العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا تعني أن أوباما يؤيد رئيس الوزراء ديفيد كاميرون.

ثم تساءلت المجلة: هل يمكن لأحد أن يشك في قيمة إحداث توازن حقيقي للسلطة بين التيارات السياسية المعارضة في الرئاسة والبرلمان للمرة الأولى في تاريخ مصر الحديث؟ وأعقبت بقولها إنه لكي يتعرّض الإخوان للهزيمة، فلابد وأن يكون هناك أحد للتفوق عليهم. بينما سيكون من الصعب التعبير عن مدى حالة الحيرة التي تهيمن على واشنطن نتيجة عدم نجاح المعارضة المصرية، التي تبدو عازمة على نسف فرصها.

فجبهة الإنقاذ الوطني، المكونة من شخصيات بارزة في صفوف المعارضة، ما زالت في مهبّ الريح جرّاء الصراعات الشخصية والطموحات الفردية والاستراتيجية غير المتماسكة والاختلافات البرامجية الحقيقية (خاصة بشأن الاقتصاد) وعدم الرغبة الواضحة في الوصول إلى العمل القذر الخاص ببناء آلة سياسية والفوز بأصوات.

هذا ويرى كثير من منتقدي أوباما أن الديمقراطية تعني ما هو أكثر من الانتخابات، وأن مصر تفتقر بشكل كبير إلى نتيجة ديمقراطية على الرغم من الانتخابات التي أجرتها. وهو ما اعتبرته المجلة أمراً صحيحاً بشكل كبير. فغالبية انتخابية ضئيلة لا تمنح الحكومة المصرية تفويضاً مطلقاً لفرض أجندة إسلامية ضيقة على سكان مقسمين.

وأكدت المجلة أن الخلاف القائم حالياً متعلق بالطريقة المثلى التي يمكن إتباعها لدعم مجموعة قيم، مثل التعددية والشفافية والمحاسبة واحترام حقوق الأقليات.

وأضافت أن هناك رأيين بخصوص المشكلة التي تواجه مصر، فالأول يراها متمثلة في الإخوان المسلمين، الذين يرسخون هيمنتهم لمؤسسات الدولة والمجتمع، ويكشفون عن وجههم القمعي الحقيقي. والرأي الثاني فيرى أن المشكلة الأساسية هي الأزمة الاقتصادية وفشل الحكم الذي يشعل الاستقطاب السياسي والاجتماعي.