رعى الجزائرون أمير حركة أنصار الدين ليأمنوا شر الجماعات الإسلامية المتشددة، فكان عرفانه بالجميل أزمة رهائن إن أميناس، وكأنهم جذبوا الدب إلى كرمهم.


يبدو أن الجزائر غرست بذور أزمة الرهائن بيديها، وذلك برعايتها لأمير حرب، وصفته بالأفعى السامة، هو إياد آغ غالي، الزعيم التقليدي لجماعة أنصار الدين.

ومن المعروف أن أمير الحرب الصحراوي رجل يفي بوعوده، لذلك رأى فيه الجزائريون قائدًا يستطيع إدارة الأزمة التي يعانيها جيرانهم في مالي، حتى وصلت بهم الحال إلى إيواء ممثله في أرقى فنادق عاصمتهم.

اعتبرت صحيفة نيويورك تايمز أن الجزائريين بسلوكهم هذا كانوا كمن يتعهد برعاية أفعى سامة فعلًا، لا سيما وأن أمير الحرب هذا كان زعيمًا لإحدى الجماعات الإسلامية المسلحة التي أخذت شمال مالي أسيرًا.

نتيجة عكسية
يتذرع الجزائريون بأن رعايتهم لزعيم متشدد قوي، وإقامة علاقات وثيقة معه على الجانب الآخر من الحدود، مثلما فعلت باكستان في أفغانستان، خطوة من شأنها أن تحمي مصالحهم. لكن النتيجة أتت عكسية، ووقعوا في شر أعمالهم.

فبدلًا من ضمان بقاء الصراع خارج بلادهم، أدى اندفاع إياد آغ غالي إلى استدراج العنف إلى عقر دارهم، إذ أغضب توجّه قواته المفاجئ صوب العاصمة المالية باماكو، في كانون الثاني (يناير) الماضي، الجزائريين، ودفع بالجيش الفرنسي إلى التدخل. وهذا ما أتاح للمتطرفين حشد قواتهم، واقتحام حقلٍ لإنتاج الغاز في الجزائر، ما أودى بحياة ما لا يقلّ عن 38 رهينة.

لأشهر خلت، وقفت الولايات المتحدة وفرنسا إلى جانب الجزائر، لأنها الدولة المحور في تبديد الخطر، الذي يمثله التطرف الإسلامي في مالي، لما تتمتع به من خبرة في مجال مكافحة الإرهاب، ولأنها الدولة صاحبة أكبر ميزانية عسكرية في أفريقيا.

بدورها، عملت الجزائر على تكريس هيمنتها على الصحراء بأن انحازت إلى طرف مقابل الآخر من بين الجماعات العديدة المسلحة التي تنتشر في مالي، وهي سياسة ارتدّت عليها بشكل مأساوي في الشهر المنصرم، مظهرة إخفاقها في تحصين نفسها من المشكلة.

صعوبات حادة
تدل شبكة التحالفات والمصالح المعقدة في تلك المنطقة المضطربة على حدة الصعوبات التي قد تعترض طريق القوات الفرنسية والأفريقية، في جهودها من أجل استعادة السيطرة على شمال مالي من المجاهدين، الذين ظلوا يمسكون بزمام الأمور فيه حتى قرابة عام.

إن مطاردة بضع مئات من المقاتلين الأجانب المدفوعين بالحماسة الدينية في منطقة شاسعة مهمة يصعب فيها تعقب أثر المقاتلين، وهو أمر يمثل تحديًا في حد ذاته. لكن القوات، التي تشكل مشهد الصراع، يمكن وصفها بالمعقدة، لأن الدوافع التي تحركها تتجاوز الطموحات الشخصية والعداوات القديمة والمصالح القبلية والعلاقة بين المسلحين والدولة، والقتال من أجل السيطرة على تجارة المخدرات، التي تعود على أمرائها بأرباح هائلة.

لعب صراع تلك القوى في ما بينها دورًا أساسيًا في تشكيل العناصر التي تحكم المنطقة وتمسك بقدرها. ويبدو أن الصراع سيستمر لفترة أطول بعد انتهاء معركة استعادة شمال مالي.

عدوى انفصالية
على الرغم من أن الجزائر بقيت على تعصبها ضد المسلحين الإسلاميين، إلا أنها وجدت أرضية مشتركة مع آغ غالي. فقد تكون جماعة أنصار الدين حركة دينية في ظاهرها، لكن طموحها الباطني لم يكن يمثل تحديًا مباشرًا للجزائر على ما يبدو، حتى الفترة الأخيرة.

ويطالب الطوارق، الذين ينتمي إليهم آغ غالي، والذين تعاظمت قوتهم، بعد عودة أبنائهم ذوي النزعة القومية من ليبيا، يطالبون اليوم بالاستقلال، ما أثار مخاوف الجزائريين من أن الأقليات قد تتأثر بالنزعة الانفصالية.

وقال جورج كلوت، الأستاذ في جامعة بيريوث في ألمانيا، إن الجزائريين غامروا باعتقادهم بأن جماعة أنصار الدين يمكن أن يشكلوا ثقلًا موازِنًا لمحاولات الطوارق لإقامة دولتهم المستقلة، ولذلك أغمضوا أعينهم عندما عبر أنصار الدين الحدود للحصول على الغاز والسيارات وقطع الغيار.