تحمل بلدة سيليفري من الغرائب ما يكفي لتكون بلدة التناقضات التركية، فهي من جانب تعتبر مركزًا سياحيًا هامًا، وفيها أيضًا يقع سجن سيليفري الذي يقبع فيه صحافيون ومحامون.

سيليفري بلدة ساحلية تغلق محالها في فصل الشتاء وتكتظ صيفاً مع حشود السيّاح الذين يقصدون شاطئها للسباحة. لكن ما يجعلها أكثر شهرة هو السجن الذي يقع على بعد أميال قليلة من المدينة، والذي يضم مركزاً لمحكمة قضائية جعلت سيليفري واحدة من أكثر الكلمات المشحونة سياسياً في تركيا.
مئات من كبار ضباط الجيش التركي، بما في ذلك رئيس الأركان السابق ايلكر باشبوغ، يقبعون وراء القضبان هناك - جنباً إلى جنب مع الصحافيين والمحامين وعدد من أعضاء البرلمان. وهم متهمون بالتآمر للاطاحة بحكومة رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان بسبب معارضتهم للتوجهات الاسلامية.
على الجانب الآخر من البوابات الصلبة، تعسكر مجموعة من المحتجين العلمانيين في حقل مجاور ترتفع فيه أعلام باللونين الأحمر والأبيض. وبدأ المحتجون بالتدفق إلى هذا الموقع منذ أكثر من عام لحضور جلسات المحكمة.
quot;هذا المكان هو بمثابة الضمير التركيquot;، يقول بوغرا ناديه، طالب دراسات عليا في الاقتصاد من أنقرة، الذي انتقل إلى سيليفري لدعم زملائه خلال العطلة الدراسية، مضيفاً: quot;هناك الكثير من الغضب والحزن المتراكم. ما يحدث هنا أمر غير طبيعيquot;.
ينتمي ناديه إلى اتحاد الشباب التركي، وهي مجموعة علمانية تشكلت في العام 2006 للاحتجاج على حكومة اردوغان وتضم الآن نحو 4000 عضو.
زنزانات سجن سيليفري تحبس وراء قضبانها متهمين بتنفيذ انقلاب على الحكومة، ينتمون إلى مجموعة تسمى quot;ايرغينيكونquot;. وبدأت عملية تطهير تركيا من ايرغينيكون في العام 2007 بتحقيق أجرته الشرطة مع عدد من العسكريين والمحامين والصحافيين وعملاء المخابرات الذين رأوا أنفسهم بعيداً عن متناول القانون. وأيّد الكثير من الاتراك هذه الحركة في البداية على أنها نقطة تحول للديمقراطية ووضع حد لعقود من الهيمنة العسكرية.
تعود كلمة ايرغينيكون إلى الأسطورة التي تقول إن الصينيين هاجموا القبائل التركية أثناء وجودها في وسط آسيا فسحقوها وقضوا عليها، بحيث لم يبقَ من الأتراك إلا عدد قليل من الناس، احتموا بوادٍ عميق اسمه أرغينيكون، فتحولت الكلمة إلى رمز للحفاظ على الهوية وبقاء الجنس، إذ لولاه لاندثر الأتراك ولم يعد لهم وجود.
لكن موجة بعد موجة من الاعتقالات والمحاكمات تحول أعضاء هذه المجموعة إلى سجناء اكتظت بهم الزنزانات، مما أدى إلى تحويل القاعة الرياضية للسجن إلى قاعة محكمة مع قفص متهمين يتسع لما يصل إلى 180 شخصاً في وقت واحد.
تحولت ارغينيكون لذريعة تستخدمها الحكومة لاعتقال معارضيها. وقال يابراك جورسوي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيلجي في اسطنبول إن quot;ارغينيكون ظهرت وكأنّ لها تأثيراً على جهود الدمقرطة، فقد عززت يد السلطات المدنية، مما سمح لها بالمضي قدماً في الإصلاحات السياسية وخفض احتمالات أن تشهد تركيا انقلاباً آخرquot;.
لكنه أضاف: quot;على مستوى أعمق، لا أعتقد أن هذا التأثير كان إيجابياً على الإطلاق، فقد عمق الانقسام الفجوة القائمة بالفعل بين الإسلاميين والعلمانيين. وهذه نتائج سيئة لأن الديمقراطية لا يمكن أن تنضج إلا عندما يتفق الجميع على قواعد اللعبة. وهذا ما يسمى الدمجquot;.
المجتمع المستقطب يعني التطرف، ومما لا يثير الدهشة، فقد ولدت ارغينيكون فريقها الخاص على هامش يمينية قومي مع كتب تروي تجارب المتهمين ومحاكمة السجناء التي تحولت إلى أكثر الكتب مبيعاً إلى جانب الصحف الناطقة باسم القوميين الجدد.
تحول سجن سيليفري إلى مصدر مشاكل بالنسبة لأردوغان. من الناحية العملية، فإن الجيش يعاني من غياب القادة المؤهلين في وقت الحرب لا سيما في ظل الأزمة السورية المجاورة التي تهدد بزعزعة استقرار البلاد وتزايد المعاداة الايرانية لأنقرة.
يمكن القول إن كل الجنرالات الأتراك في تركيا أصبحوا في السجن، وليس هناك خليفة لقائد البحرية التركي بعد استقالته من منصبه الاسبوع الماضي احتجاجاً على اعتقال زملائه.
وعلى الرغم من أنه يؤيد التحقيق في قضية ارغينيكون، إلا أن أردوغان بدأ الأسبوع الماضي بانتقاد المحاكمة. وقال: quot;هناك الآن ما يقرب من 400 من الضباط المتقاعدين والجنود في السجن. وتم اعتقال هؤلاء على خلفية اتهامهم بتشكيل المنظمات الإرهابية أو الانتماء إلى إحداها. إذا كانت هذه الاتهامات مؤكدة فلا بد من الانتهاء من المسألة وحسم هذه القضية لأنها تؤثر على الروح المعنوية للقوات المسلحة التركية. كيف يمكن لهؤلاء الناس محاربة الإرهابquot;؟