عراك بالايدي على المنار بين اعلاميين، ان دلّ على أمر فعلى تحوّل الاعلامي الى بوق للسياسيين، والابتعاد قدر الامكان عن الرسالة الحقيقية للصحافة التي يجب ان تكون حيادية وموضوعية.



بيروت: صحيح أن الاعلام مزدهر في لبنان، لكن ما حصل من عراك بالايدي بين الصحافيين سالم زهران واسعد بشارة، ضيفي الإعلامي عماد مرمل ضمن برنامج حديث الساعة عبر قناة المنار، ما دفع القناة الى توقيف البث لمعالجة الأمر، هو خارج عن أي إطار صحيح. ويجمع الاعلاميون على ضرورة أن تحرص وسائل الاعلام العامة على آراء شرائح المجتمع من دون أي انحياز ومن دون اي تعرض لأي كرامات. الا أن التلفزيونات برأيهم اليوم، نالت الرخص اساسًا وفق اعتبارات مذهبية وسياسية كانت السبب في وجودها. وخلال فترات الاستقرارالسياسي أبدت هذه الوسائل نوعًا من الاعتدال لتعود الى الاصطفاف مع السخونة والتوتر، وتحول محطات المرئي والمسموع الى متاريس إعلامية والبعد عن الموضوعية، وأحد أسباب هذه المشكلة في القانون الموزع طائفيًا رغم ان مواده تنص على التعددية، لكن التطبيق ما زال طائفيًا.
فدور الإعلام ليس تصحيح الواقع وإنما نقله وفق الضوابط المهنية المفقودة في الوسائل اللبنانية، وأن الاصطفاف الحاصل هو نتيجة التراكمات الثقافية. والمشكلة الموجودة لا تدفع الى التطرف في إدانة الإعلام بشكل عام وشامل.
أين الإعتدال في الاعلام؟
إن الاعتدال الذي تدعو وسائل الإعلام اللبنانية إليه، ليس بأي صورة من الصور تنازلاً طوعيًا عن بعض الحرية في القول أو الممارسة المهنية وليس إحجامًا عن اتخاذ المواقف ولا مسايرة للجميع أو تجاهلا للاختلاف بينهم أو حيادًا في مسائل هذا الاختلاف، بل هو في المقام الأول العقلنة واحترام الآخر والحوار في بلد متنوع يهدد فيه الغلو والتطرف الوحدة والسلم الأهلي والاستقرار.
والاعتدال موقف معرفي وأخلاقي يحاكي قواعد السلوك المهني في الإعلام التي تقوم على مبادئ تبدو بديهية غير أن بديهيتها لا تقلل من أهميتها. فالاعتدال يقوم على الحق في المعرفة والتعبير عن الآراء المتنوعة ويعطي الأولوية لفهم الوقائع وهي أولوية الخبر على الرأي. ويقتضي الاعتدال الإحجام عن نشر كل ما يحضّ على العنف والكراهية بين اللبنانيين، ويدعو الى الانتقام، ويستخدم لغة الشجار والتحقير والإقذاع والإغلاظ والبذاءة والتهكم المسيء الى كرامات الجماعات والأشخاص. وفي هذه الأيام، لا نسمع إلاّ ألسنة تنطق على هواها وهي تحمل ما لم يألفه اللبنانيون من ذي قبل من كلام مقذع وألفاظ تحقيرية ومفردات تنحدر بالناس الى مصاف متدن. وهذا دليل على انحدار في الأخلاق ونفوس ملأها الحقد وفتكت بها الضغينة. فهل تحوّل اليوم الاعلامي صورة منقّحة عن السياسي الذي يمثله؟
بين السياسي والاعلامي ...بوق
يرى النائب امين وهبي لquot;إيلافquot; ان الاعلاميين اليوم يعبرون عن وجهة نظر السياسيين، والاعلام اليوم للاسف حزبي، ولا يستطيع ان يكون حياديًا او موضوعيًا من خلال نقل الخبر، والاعلام الحزبي يقدم نشرة ومقدمة تحضران السامع الى ما يريد ايصاله، والمؤسف ان الخبر يصل اليوم من خلال فبركات، ومنتجات، ويتم التصرف بالخبر والصورة وبكل مكونات العمل الاعلامي.
ألا يجب أن يكون الإعلامي حياديًا ولا يدخل بالصراعات فعليًا على الارض؟ يجيب وهبي:quot; الإعلام حتمًا عليه أن يكون حياديًا ويترك للمواطن أن يحدد رأيه، الإعلام وظيفته توفير المعلومة الحقيقة المحايدة ويترك للمواطن دوره، وما يصلنا اليوم إعلام يوصل المعلومة التي للاعلامي مصلحة سياسية فيها من غير التدقيق بصحتها، وهناك نماذج كثيرة لذلك.
ويؤكد وهبي أنّ الاعلامي عليه أن يقدم الخبر بشكل محايد، ويضيء على الامور التي تعزز الديمقراطية للشعب اللبناني.
للاسف اليوم، يضيف quot; هناك إعلام بعيد عن هذا المنطق، وهو رأس الحربة في سلاح المذاهب والطوائفquot;.
ويرى وهبي أن الاعلامي الحزبي يشكل بوقًا، نوعًا ما لرجال السياسة، ولا يعبِّر عن الواقع الموضوعي كما هو، وهناك بعض الاعلاميين وهم اداة في يد الاحزاب، وليسوا ناقلين للحقيقة كما يجب.
بدوره يرى الاعلامي طوني خوري لquot;إيلافquot; ان العراك اليوم انتقل من السياسيين الى الاعلاميين، ووجهات النظر القاسية بين السياسيين ستنعكس على الناس، وعلى الاعلام، وتُترجم بمشاكل في الشارع.
ويؤكد خوري:quot; على الاعلام ان يكون نموذجًا حتى لو تم الاختلاف بالرأي، ولكل شخص رأيه الذي يجب ان يحترمه الفريق الآخر.quot;
ودور الاعلامي اليوم ان يعبّر عن رأيه من دون إعطاء انطباع سيئ، والاعلامي بصورة عامة، بغض النظر عن بعض الاعلاميين، أصبح بوقًا لرجال السياسة، وهناك العديد من الاعلاميين الذين ينهجون هذا المنهج، مع وجود فئة لا تزال تحترم نفسها وتحافظ على رأيها بكل لباقة وتهذيب.