تخصص حكومة أفغانستان نحو ملياري دولار للخدمات العامة. لكن هذا الرقم يتضاءل حقا مع ما حصل عليه المسؤولون من رشاوى العام الماضي. وفي باكستان المجاورة والفقيرة أيضا يعيش بعض الساسة في عالم لا يمت للبلاد بصلة.

أظهر تقرير للأمم المتحدة أن مسؤولين على سائر مستويات الحكومة الأفغانية تلقوا في ما بينهم رشاوى بلغت 4 مليارات دولارات، دخلت جيوبهم من نصف عدد سكان البلاد، خلال العام الماضي وحده. وقال التقرير نفسه إن هذا الرقم يعادل ضعف ما خصصته الحكومة للخدمات العامة في البلاد بأكملها.
وتأتى هذا الوضع بالرغم من أن الرئيس حميد كرزاي كان قد وعد في يوليو / تموز الماضي، تحت ضغوط هائلة من الدول الغربية المانحة، بـlaquo;تنظيفraquo; البلاد. وأصدر في هذا الشأن توجيهات محددة الى وزرائه وسائر المسؤولين الحكوميين بالامتناع عن أي ممارسات مشبوهة تتصل بالرشوة والمحسوبية وغيرهما من أشكال الفساد ومحاربته بكل الوسائل الممكنة.
لكن كل هذا تبخّر في الهواء كما يتضح من نتائج المسح الذي أجرت هالأمم المتحدة. ونقلت صحف بريطانية عن مبعوث الهيئة الدولية الى المنطقة، جان - لوك
لومايو، قوله: laquo;الفساد يعني أن سكان البلاد لا يحصلون على الخدمات العامة وأنهم يدبرون أمورهم فقط بالرشوة والمحسوبية والواسطةraquo;.
ولم يعترض laquo;المكتب السامي لمكافحة الفسادraquo; الأفغاني على تقرير الأمم المتحدة، بل قال إنه laquo;يشكل مرتكزا مهما للانطلاق نحو تحديد مصادر المرض. هذا يعني أن المعركة ضد الفساد يجب أن تستمر على المستويات كافةraquo;.
ويتعلق أحد المظاهر التي تقلق الأمم المتحدة خصوصا بقطاع التعليم لأنه أثبت أنه بين الأكثر هشاشة أمام الفساد العام. فقد اتضح أن نسبة الأفغان الذين قدموا رشاوى الى المعلمين ارتفعت من 16 في المئة العام 2009 إلي 51 في المئة العام الماضي. وتتعدد دواعي رشوة المعلمين من بيع أسئلة الامتحانات الى تزوير نتاجها وأشياء من هذا القبيل. وقالت الهيئة الدولية إن هذا يشكل مصدر خوف عظيم على مستقبل أجيال البلاد الناشئة بشهادات أكاديمية اشتراها المال ولكن بدون تعليم حقيقي.
يذكر أن أفغانستان احتلت - مع دولة إسلامية أخري هي الصومال وأيضا مع كوريا الشمالية - المرتبة الأولى في قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم، التي أصدرتها منظمة الشفافية العالمية في مؤشرها للعام 2012.
... وقصر لابن الزعيمة في باكستان
في باكستان المجاورة أوردت الأنباء أن البناء يجري على قدم وساق لإكمال دار منيفة لبيلاوال بوتو زرداري، ابن رئيس الوزراء السابقة بنازير بوتو، تقدر تكلفتها بخمسة مليارات روبية (أكثر من 51 مليون دولار).
وتسبب هذا المبلغ الخرافي في إثارة موجة غضب عالية في الشارع الباكستاني الذي يجأر بالشكوى أصلا من أن خيرات البلاد تذهب الى حسابات الساسة المصرفية بينما السواد الأعظم من الناس يرزح تحت وهدة الفقر. ويسود اعتقاد الآن أن بيلاوال (24 عاما)، الذي يعدّه والده - الرئيس آصف علي زرداري - لوراثة عرش اسرة بوتو السياسي، أبعد ما يكون عن النبض العام واستيعاب معاني الهموم السائدة وسط السكان.
ونُقل عن عمران خان، نجم الكريكيت السابق الذي صار زعيما حزبيا يضع اجتثاث الفساد على صدارة اولوياته ، قوله إن هذا القصر laquo;رمز لتيار السياسة القديمة التي نحاول انتشال البلاد من قبضتها. هذا القصر نفسه تعبير لا لبس فيه عن احتقار الشعب الباكستاني. الأحزاب الرئيسية تتشابه كالبقر، وفي نهاية المطاف عندما يأتي أوان الانتخابات فهي تشتري الدعاية والأصوات مثل اي بضاعة أخرى تلزم لهاraquo;.
ومن المفترض أن يكتمل بناء القصر، الذي تشارك في تشييده شركات عالمية، الشهر المقبل. وعندها سيصبح محصنا بالأسمنت المسلح الواقي من القنابل... وهذا طبعا بالإضافة الى وسائل الراحة والرفاهية مثل حمامات السباحة وصالات المآدب والترفيه وغيرها.
يذكر أن بيلاوال عُيّن رئيسا مشاركا لحزب الشعب الباكستاني (مع أبيه) العام 2007 في اعقاب اغنيال والدته بهجوم انتحاري. وكان هذا إجراء قصد منه ان يتولى الاب إعداده للقيادة بالنظر الى صغر سنه وقتها (19 عاما). لكنه بدأ يجتذب مزيدا من الأضواء منذ العام الماضي، ويبدو أنه قطع مشوارا لا بأس في استعداده لتولي القيادة بنفسه.
وتتفق آراء العديد من المراقبين الغربيين على أن الدار الجديدة التي تشيد لبيلوال ستبدو نشازا في بلاد يبلغ من فقرها أن بريطانيا تقدم اليها معونة سنوية تبلغ مليار دولار. لكن الدار نفسها ليست نشازا في عالم السياسة الباكستانية الذي يمتنع فيه نحو ثلثي نواب البرلمان عن دفع اي ضريبة للدولة وبدون خوف من يد القانون.