خلال سيطرة تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي على تمبكتو، أقام فيها معهدًا لتخريج الارهابيين المتشددين، كان مقره مركز الشرطة المالية، حتى قصفه الفرنسيون وسوّوه أرضًا.

افتتح تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، خلال سيطرته على شمال مالي، أكاديمية في مدينة تمبكتو لتخريج الارهابيين، مستخدمًا مبنى من طابقين على اطراف المدينة التاريخية، حوَّله إلى مركز يعتمد اساليب متطورة في الإعداد والتدريب.
واستمرت الأكاديمية في العمل إلى أن دُمر المبنى في غارة شنتها الطائرات الفرنسية عليه قبل ثلاثة اسابيع، كما افادت صحيفة ديلي تلغراف في تقرير لها من تمبكتو.
وكانت الشبكة الواسعة من مراكز ومعسكرات التدريب، التي اقامها اسامة بن لادن في افغانستان، دُمرت بالكامل بعد هجمات 11 ايلول (سبتمبر) 2001. ثم عملت طائرات أميركية من دون طيار على منع إنشاء معسكرات بديلة على الجانب الآخر من الحدود في باكستان.
أكاديمية الارهاب
لكن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي تمكن في تمبكتو من ادارة أكاديميته لتخريج ارهابيين على امتداد تسعة اشهر متواصلة، مقتديًا بنموذج المعسكرات التي اقامها بن لادن في افغانستان إبان التسعينات. ومثلما كان بن لادن يعبئ المتطوعين من انحاء العالم، فإن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي جمع حشدًا من المجندين الذين ينتمون إلى جنسيات مختلفة في اكاديمية تمكبتو الارهابية.
وإلى جانب الماليين، كان يدرس في المركز باكستانيون وجزائريون وموريتانيون، بحسب صحيفة ديلي تلغراف، التي لفتت إلى أن أكبر مجموعة من المتدربين الأجانب كانوا نيجيريين، وجميعهم من جماعة بوكو حرام الاسلامية المتطرفة المسؤولة عن عشرات التفجيرات والعمليات، التي اسفرت عن مقتل آلاف الأشخاص. ويؤكد وجودهم تحذيرات الحكومة النيجيرية من أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي اقام تحالفًا استراتيجيًا مع بوكو حرام.
وعندما سيطر تنظيم القاعدة على تمبكتو في آذار (مارس) الماضي، استولى على منشآت الأجهزة الأمنية المالية. وسرعان ما تحول مقر قيادة الشرطة المالية إلى معسكر تدريب. وكان مختار بلمختار، الذي خطط للهجوم على منشأة الغاز الجزائرية في الشهر الماضي، زائرًا منتظمًا لأكاديمية تنظيم القاعدة في تمبكتو. وكان يقيم في منزل متواضع على الأطراف الجنوبية للمدينة قرب طريق المطار.
مجندون جدد يوميًا
عمل فرج محمد عربي (30 عامًا)، من سكان تمبكتو، طاهيًا في الأكاديمية حيث شاهد إحاطة المبنى وساحته بسور تعلوه اسلاك شائكة وتحويله إلى مدرسة لتدريب المجندين الجدد في صفوف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي. وكان الطلاب يأكلون وينامون ويتدربون في المقر السابق لقوات الشرطة، الذي اصبحت بعض غرفه اقسامًا داخلية للطلاب.
ونقلت صحيفة ديلي تلغراف عن عربي قوله: quot;كل يوم كان يأتي مجندون جدد، ربما واحد أو اثنان أو أكثرquot;.
وكان مدير الأكاديمية جزائريا في الثلاثين من العمر، يُدعى أبو حارث. ونائبه جزائري آخر معروف بلقب ابو حمزة، وكان مسؤولا عن السلاح والتدريب إذ كان جنديًا سابقًا في الجيش الجزائري. وكان باكستاني يُدعى أمير مسؤولًا عن صيانة اسلحة الأكاديمية، من المدافع الرشاشة الثقيلة وبنادق كلاشنكوف، يركبها على مركبات رباعية الدفع يستخدمها التنظيم للتنقل عبر الصحراء.
تدريبات يومية
يروي عربي أن طلاب الأكاديمية كانوا يستيقظون بعد الساعة الرابعة فجرًا، ويبدأ يومهم بالصلاة في الخامسة. بعد ذلك يتجمعون في تدريبات بدنية بملابسهم العسكرية الصحراوية واسلحتهم، بما في ذلك الركض حول ساحة الأكاديمية خمس مرات متواصلة كل صباح. ثم يشرف ابو حارث او نائبه على أداء المتدربين تمارين الضغط 20 مرة في الرمل.
بعد هذه الفترة التدريبية والصلاة في السابعة، يتوجه الطلاب إلى الكثبان الرميلة وراء المبنى للتدرب على الرماية، حتى الساعة 11 قبل الظهر، من اجل إتقان التسديد واصابة الهدف بالكلاشنكوف والمدافع الرشاشة الثقيلة.
ثم ينال المجندون قسطًا من الراحة، حتى ميقات الصلاة التالية في 12:30 ظهرًا، يتناولون بعدها الغداء من المعكرونة أو الرز عادة. وتُخصص فترة ما بعد الظهر للدروس النظرية، وتتضمن دروسًا في التربية الدينية والتثقيف العقائدي، بكتب مدرسية مقررة تُعطى إلى الطلاب.
وبعد الصلاة الرابعة، أي في السابعة مساء، ينتهي يوم العمل، ويُكلف المتدربون الأشد تمرسًا بواجبات الحراسة الليلية. ويُستبدل الحراس الليليون كل ساعة للحد قدر الامكان من قلة النوم.
فخ للفرنسييين
اليوم، أُحيل مبنى الأكاديمية إلى ركام بعدما دمرته قنبلتان فرنسيتان أطلقتا عليه من الجو. لكن طاهي الأكاديمية قال لصحيفة ديلي تلغراف إن قادة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي أدركوا في وقت مبكر أن أكاديميتهم ستكون مستهدفة.
وبعد الغارات الجوية الفرنسية الأولى في 10 كانون الثاني (يناير)، أخلوا المبنى ووزعوا المتدربين على اماكن مختلفة من تمكبتو. وحين أُنجز إخلاء المبنى، فتح ابو حارث جميع الأنوار لاستدراج الفرنسيين بعيدًا عن اهداف أهم.
وقع الفرنسيون في الفخ، وقصفوا مبنى فارغًا، بحسب ما يقوله الطاهي عربي.