يوضع المعتقلون العراقيون المنتمون الى أحزاب متعارضة في زنزانة واحدة، فيتضاربون، إلى جانب التعذيب الذي يخضعون له لأسباب سياسية ودينية، ما يجعل إصلاح السجون العراقية مسألة في غاية الأهمية.


بغداد: في الوقت الذي يسعى فيه العراق إلى تأكيد التزامه بمواثيق حقوق الانسان العالمية، لاسيما تلك المتعلقة بالسجناء، فإن اتهامات توجّه لإدارات السجون والمعتقلات بإساءة التعامل مع المعتقلين، تصل إلى حد التعذيب لأسباب سياسية وطائفية، لتصبح السجون العراقية جزءًا من المزايدات السياسية بين الاطراف المتصارعة على مراكز النفوذ في بغداد.

الضحية والسلطة

يُجمع معتقلون أطْلِقَ سراحهم في الفترة الاخيرة، على أن العلاقة بين المعتقل والسجّان محكومة بطابع الضحية والسلطة، مثلما كانت في ايام النظام السابق، والشعارات التي ترفع بشأن حقوق المعتقل في الوقت الحاضر لا تتجاوز الأغراض الاعلامية التي يُراد منها تلميع الصورة لا أكثر.
يعتقد الخبير الامني وضابط الشرطة المتقاعد حليم حسين أن الفرق بين ما قبل العام 2003 وما بعده هو اشتباك غير مفهوم بين مصادر القرارات الخاصة بالمعتقلات، بسبب التعددية التي جعلت منها تخضع اداريًا إلى وزارات ومؤسسات مختلفة. فبعد أن انسحب الجيش الاميركي وسلّم آلاف المعتقلين إلى السلطات العراقية، توزّع المعتقلون على وزارتي الدفاع والداخلية ومكتب القائد العام للقوات المسلحة، ووزارة العدل، ما جعلهم ضحية قرارات وأمزجة سياسية مختلفة بحسب تبعية الوزارة لهذه الجهة أو تلك.

تجاهل حقوق الانسان

من اكثر المواضيع اثارة للجدل في العراق اليوم هو الفهم الخاطئ لحقوق الانسان، أو تعمّد تجاهل هذه الحقوق، من قبل إدارات السجون، بحسب الباحث الاجتماعي حسين الاسدي، الذي عمل ثلاثين عامًا في تأهيل وتطوير واقع السجون العراقية منذ بداية الثمانينيات.
يرى الأسدي تطورًا كبيرًا على مستوى البنى التحتية للسجون العراقية منذ العام 2003، وسبب ذلك يعود إلى حاجة الدولة وقوات الاحتلال الأميركي إليها، إذ بلغ عدد المعتقلين حوالي 31 ألف معتقل في العام 2010، منهم 14 ألفًا في السجون التابعة للقوات الأميركية، ولهذا كانت مضطرة إلى انشاء سجون جديدة تدار وفق الفلسفة الغربية.
لكن اغلب هذه السجون، بحسب الاسدي، يديرها اليوم عراقيون عملوا مع القوات الاجنبية واكتسبوا مهارات جيدة. لكن شعارات حقوق الانسان ظلت على الدوام ادعاءات لا تطبق.
ويعترف الاسدي بأن حقوق السجين اليوم افضل حالًا، من ناحية الخدمات، مقارنة بما قبل العام 2003، لكن اعداد المعتقلين العراقيين في ذلك الوقت كان أقل بكثير. ولا يمكن الجزم بالعدد الحقيقي للمعتقلين اليوم، فالجهات المسؤولة تُخفي العدد الحقيقي لأسباب أمنية، quot;لكن الحقيقة أن لا وجود لإحصائية حقيقية متوافرة بسبب تعدد مراكز الاعتقال، حيث أن البعض منها سري، يضاف ذلك تعدد الجهات التي تقوم بعمليات الاعتقالquot;، بحسب الأسدي.

شاهد عيان

لاستيعاب أعداد المعتقلين المتزايدة، وضعت وزارة العدل خططًا لتأهيل وتوسيع المعتقلات والسجون وبناء أخرى جديدة، فقد زِيدت الطاقة الاستيعابية لسجن بغداد المركزي إلى 50 ألف سجين.
وفي الوقت الذي لا يستطيع الاسدي الجزم بأنواع وحجم عمليات التعذيب في العراق، فإن محمد حسن، وهو معتقل سابق بتهمة الانتماء إلى جيش المهدي في سجن التسفيرات في جانب الرصافة من بغداد، يؤكد وجود تعذيب ممنهج في السجون العراقية. يقول: quot;يتم الكثير من أعمال التعذيب على أساس التوجه السياسي أو التصنيف الطائفيquot;.
ويروي حسن أن السجناء كانوا ضحايا اعتقال غير مناسب، حيث يوضع معتقلون خصوم لبعضهم من تنظيم القاعدة وجيش المهدي وعصائب أهل الحق، سويًا في زنزانة واحدة، ما يؤدي إلى أعمال شغب كثيرة.
وكان حسن اشترك في مشاجرة حين كان معتقلًا في تسفيرات الرصافة، أصيب خلالها بجروح في وجهه وصدره، جراء اشتباكه مع معتقلين آخرين من القاعدة.

معاقبة بلا تأهيل

غير أن ضابط الشرطة احسان علي يؤكد أن هذه الحوادث لم تعد تحدث الآن، بسبب تنفيذ خطط عزل السجناء.
يضيف: quot;من اسباب خلط السجناء في السابق قلة أعداد السجون ومراكز الاعتقال، بعد أن زاد عدد المعتقلين بشكل مضطرد عبر السنوات الماضية.
وبحسب إحسان، فإن السلطات المعنية مستمرة في إدخال الاصلاحات على السجون، تقوم على مفهوم تأهيل المساجين بدل معاقبتهم.
وتشير المحامية ابتسام فرمان إلى أن هذا القول صحيح من الناحية النظرية وفي الاعلام، لكن الواقع يشير إلى العكس. فما أن يُعتقَل المتّهم حتى يُعذّب في الحالات التي تتطلب سحب الاعتراف منه.
وكانت ابتسام ضمن فريق ضم مختصين وباحثين اجتماعيين زاروا السجون واشتركوا في محاضرات تثقيفية للقائمين على ادارة المعتقلات، بغية تعريفهم بالقوانين التي تحمي حقوق الانسان في السجون.
وترى ابتسام أن هناك حاجة لتحسين المعاملة الانسانية قبل تطوير هياكل وبنايات المعتقلات.
وتقارن ابتسام وضع السجون في العراق بها في دول المنطقة، فترى أن وضعها في العراق افضل، لكن التعامل الانساني مازال غائبًا.

سلعة سياسية

وتقول الباحثة الاجتماعية امينة عاصم، التي وضعت بحثًا في اوضاع المعتقلين في العراق كجزء من رسالتها الاكاديمية، إن اهم ما ينقص السجون والمعتقلات في العراق هو الكادر المتعلم، الذي يتمتع بقدرات خاصة في التعامل مع السجناء، ويطبّق مفاهيم حقوق الانسان في سلوكياته، وليس مجرد شعارات تمتلئ بها حيطان مراكز الامن والمعتقلات.
ووجهت اتهامات لوزارة العدل ومديرية الاصلاح بسبب حالات تعذيب واغتصاب تعرضت لها معتقلات، ووصل الامر إلى حد مطالبة بعض النواب بمحاسبة المسؤولين.
ويشير الباحث حسن الهاشمي الى أن فكرة السجن كمؤسسة إصلاحية تأهيلية ظاهرة حضارية نحن بأمس الحاجة إليها، لاسيما ونحن نسعى إلى بناء دولة المؤسسات القائمة على احترام حقوق الإنسان.
لكن الجانب الاهم، بحسب عاصم، هو تحوّل سجون الاصلاح إلى ميدان للمزايدات السياسية، تسعى الاطراف السياسية من خلالها إلى تمرير اجندتها وفرضها على الطرف الاخر. وتتابع: quot;أصبح المعتقلون سلعة بين الاطراف المتنافسةquot;.

مزايدات وفساد

يقول عادل مالك، الذي سُجِن في ابو غريب لمدة سنة، إن كثرة النزاعات والمشاريع السياسية والتصريحات حول المعتقلين سببت لهم الازمات النفسية، كما ادت إلى تأزم العلاقة بينهم وبين ادارات السجون.
وبحسب مالك، يسمع السجين احيانًا تصريحات تقف إلى جانبه من قبل جهة سياسية، تسعى إلى اطلاق سراحه، بينما تعتبر جهة اخرى السجناء إرهابيين، يجب ألا يفرج عنهم.
ولا تزال قضية تهريب معتقلين من سجن القصور الرئاسية في محافظة البصرة في العام 2011 دليلًا صارخًا على تأثير المزايدات السياسية وصفقات الفساد على الوضع في السجون. فنتائج التحقيق ما زالت غامضة، وتدور شبهات حول مراقبي سجون وحراس هرّبوا المعتقلين بمباركة وتأييد شخصيات سياسية.