لحزب الله سلاح يهدد هيبة الدولة، فاتحًا المجال لأسلحة أخرى تنبت في الأنحاء اللبنانية، مبررةً وجودها بوجود السلاح الشيعي، كما هي حال الشيخ أحمد الأسير. وبين سلاح هذا وسلاح ذاك يسأل اللبنانيون: quot;وين الدولة؟quot;


بيروت: تتسارع الأحداث الأمنية في لبنان وتتدهور. يسود الخطف والتشنج السياسي. يرتفع الخطاب المذهبي والطائفي. تغزو الأخبار العاجلة الشاشات فيزداد الناس توترًا. صور تتكرر يوميًا من دون أن تجد علاجًا نهائيًا، فيسأل الجميع، quot;أين الدولة؟quot;.

لهذا السؤال، الذي تحول فكاهة على ألسنة اللبنانيين، جواب سياسي، مفاده أن الدولة اللبنانية وهيبتها مخطوفتان في ظل السلاح غير الشرعي الذي لم يعد محصورًا بسلاح حزب الله فحسب، بل تعدّاه ليدخل في أيدي فصائل أخرى، ما ينذر بأن الحرب قريبة.

تذكير بما قبل 1975

يحذر النائب أحمد فتفت، عضو كتلة quot;المستقبلquot;، من أن الخطاب السائد حاليًا وأن وهن الدولة يشبهان إلى حد بعيد ما كان سائدًا في لبنان خلال العامين 1973 و1974، عشية الحرب الأهلية، منبّهًا إلى أن كل التجارب التاريخية تؤكد أن أي سلاح تجمّع في مكان ما استخدم في مرحلة لاحقة.

ورأى فتفت في حديث لـquot;إيلافquot; أن من واجب الدولة أن تفرض هيبتها على كل الأراضي اللبنانية. وقال: quot;لطالما نبّهنا من أن سلاح حزب الله سيؤدي إلى انتشار ظاهرة السلاح في كل المناطق، وقد وصلنا إلى هذه النتيجة اليوم، وقد يكون هذا مقصودًا لأن حزب الله يجد نفسه مرتاحًا لتنامي هذه الظاهرة، فهي تبرر وجود سلاحه وتتماشى مع استمرار فرض هيمنته على الدولةquot;.

هذا الأسير من ذاك السلاح

ورأى فتفت أن سلاح الشيخ أحمد الأسير ينتج عن هذه المعادلة، مشددًا على أن quot;الموضوع الأساس واحد وأي سلاح خارج سيطرة الدولة هو سلاح غير شرعي وعلى الدولة أن تضع يدها عليهquot;.

واضاف: quot;ليس سلاح الأسير سوى رد فعل على القهر الذي تتعرض له الطائفة السنية، وعلى سياسة الدولة التي تكيل بمكيالينquot;، مستدركًا بالقول: quot;لكن تصحيح خطأ وجود سلاح حزب الله الذي نشتكي منه لا يكون بخطأ آخر، بل يجب تصحيح الخطأ الأصلي، ومن ثم النتائج المتفرّعة منه، وهنا مسؤولية الدولة في استعادة هيبتها ودورهاquot;.

فتفت أبدى احترامًا لوجهة النظر القائلة بأن الأسير يعبّر عن وجهة نظر تيار المستقبل بطريقة عنيفة فقال: quot;هذه وجهة نظر نحترمها، ورغم ذلك نرى أن سلاح حزب الله يبرر وجود السلاح في أماكن أخرىquot;.

إنتقائية القضاء

quot;القضاء لا يمكنه أن يكون إنتقائيًا، ولا يمكنه أن يستقوي على طرفquot;. بهذه العبارة وصف فتفت الدور الذي يمارسه القضاء في تطبيقه لهيبة الدولة، وتابع: quot;لا يمكن للقضاء أن يغض النظر عن ممارسات أطراف وأن يفتح عينه على أطراف أخرى، وعلى المعالجات أن تكون شاملةquot;.

وشدد فتفت على أن الخطوة الأولى لاستعادة هيبة الدولة يجب أن تنطلق من إعلان حزب الله وضع سلاحه في تصرف الدولة، محذرًا من أن التأخر في ذلك سينتج نماذج أخرى مثل الشيخ الأسير وغيره في مناطق أخرى. وقال: quot;هذه نتيجة سياسات حزب الله ومواقفه، فهو يفعل كما فعل بشار الأسد، وهم يضربون الاعتدال، وبالتالي فإن بديل الاعتدال سيكون التطرف الذي يبرر وجود التطرف لدى حزب اللهquot;.

وأبدى فتفت مخاوفه من انزلاق إلى مكان لا يمكن السيطرة عليه إذا ما استمرت هيبة الدولة في التآكل، وقال: quot;نحن امام مرحلة خطرة جدًا إرتفع فيها منسوب الخطاب المذهبي المتطرف، وهناك من يأخذ البلد إلى منزلق سيىء، وسلاح حزب الله يهدد السلم الاهلي في لبنان، وأصبح أداة هيمنة وسيطرة وتطرف، وهو ينمي تطرفًا معينًا وهنا مكمن الخطورةquot;.

شعور بالغبن

رأى الكاتب والمحلل السياسي علي حمادة أن هيبة الدولة تراجعت إلى مستويات غير مسبوقة، وأن البقية الباقية منها تلاشت خلال العامين الماضيين، وقال إن المشكلة لا تقتصر على موضوع تفشي السلاح، بل الأخطر من ذلك هو الشعور الناتج عن إحساس فئات وشرائح واسعة من الشعب اللبناني بالغبن وبالافتئات عليها.

وتابع حمادة في حديثه إلى quot;إيلافquot; قائلًا: quot;مع تشكيل هذه الحكومة عن طريق الاحتكام إلى السلاح، كُسر توازن دقيق كان موجودًا، وظهرت معادلة تقوم على أن الفريق الأقوى هو الأقدر على فرض معاييره، وبالتالي التحكم ببوصلة البلد، وهذا ما فتح الباب أمام الفئات التي تعتبر نفسها مغبونة للاعتقاد بأن القوة أصبحت السبيل الأمثل للعمل في البلدquot;.

وتناول حمادة ظاهرة الأسير، فقال: quot;تيار المستقبل يمثّل ضمير الطائفة السنية وانتشارها الواسع، أما أحمد الأسير فيمثّل مظلومية هذه الطائفة، وبغض النظر عن خلفيات الأسير أو من يقف خلفه ويدعمه فإن خطاب الأسير لا يختلف عن خطاب تيار المستقبل، إلا أن الأول يعبّر عن نفسه بطريقة عنفية وهو في الواقع يعكس مناخًا متواجدًا ومتناميًا داخل الطائفةquot;.

ولفت إلى أن quot;معظم أهل السنّة لا يريدون صدامًا مع الشيعة لكن استمرار الحال غير الطبيعية من سيطرة حزب الله واحتكامه دائمًا إلى منطق القوة في التعاطي مع المكونات الأخرى ولاسيما السنّة، في كل الملفات سياسيًا وقضائيًا واجتماعيًا سيؤدي إلى صدام آتٍ لا محال، والخطوة الأولى لإبعاد شبح هذا التطور الخطر تكون باستقالة الحكومة وتشكيل أخرى متوازنة أو حيادية لتعيد التمثيل الصحيح للسنّة، وتفتح النقاش حول سلاح حزب الله الذي يمثّل مبرر انتشار ظاهرة السلاح غير الشرعيquot;.

إشعال الفتيل الطائفي

من تخشى الدولة اللبنانية أكثر؟ حزب الله أو الشيخ الأسير؟ يجيب حمادة قائلًا: quot;لا يمكن التمييز بين الدولة وحزب الله الذي بات يسيطر على الدولة بشكل كامل، والخوف ليس من التعرض للأسير، وإن كان ذلك عن وجه حق إلا أنه سيفتح الباب أمام اشتعال الوضع المذهبي وهنا مكمن الخطورةquot;.

وتابع قائلًا: quot;نصحنا منذ البداية بضرورة إعادة التوازن لتتمكن الدولة من القيام بمهامها، فالطائفة السنية تعتبر نفسها غير ممثلة في هذه الحكومة، وهناك الكثيرون في لبنان يريدون وجود دولة قوية لكنهم يرون في الوقت ذاته أن الدولة تطبق القانون على فئات دون أخرى، وهذا يولّد شعورًا بالغبن يتم التعبير عنه بظواهر مثل ظاهرة أحمد الأسير وربما غيرهquot;.