تنتظر أقطاب سياسية مختلفة في الكويت على أحرّ من الجمر صدور حكم المحكمة الدستورية في بطلان مرسوم الصوت الواحد من عدمه وسط الندوب الواضحة في وجه الغالبية، التي تكشف عن انشقاق فاضح في صفوف المعارضة، وتهدد أركانها بالتصدّع والانهيار تحت وطأة الهزات المتعاقبة، التي لحقت بها منذ اعتزالها العملية السياسية احتجاجًا على مرسوم الصوت الواحد، واتخاذها الشارع ميدانًا لتسوية الخلافات السياسية بدلًا من المؤسسة البرلمانية وساحات القضاء.


إيلاف من الكويت: على الرغم من إعلان المعارضة الكويتية عن تشكيل ائتلاف موسع وتزكية النائب السابق مسلم البراك منسقًا عامًا، ويوسف الشطي ناطقًا رسميًا، وفهد العبدالجادر أمين سر لهذا الائتلاف، إلا أن المعارضة لا يمكن لها أن تخفي أنها تأثرت بشكل واضح بحالات التجاذب والتنافر بين مكوناتها، وانعدام الرؤية المستقبلية لكثير من الكتل، وعدم الاتفاق على الأهداف أو حتى آليات تحقيقها، وإصرار صقور المعارضة، وفي مقدمتهم أعضاء كتلة العمل الشعبي، على رفع سقف المطالب من دون تراجع، مثل المطالبة بالحكومة المنتخبة وتعديل الدستور، في مقابل جنوح الحمائم، التي يمثلها بعض الأعضاء الإسلاميين، عدا (الحركة الدستورية )، إلى التهدئة وعدم التصعيد في اتجاهات تفضي إلى المجهول.

عصا ضد الحكومة
ويرى مراقبون أن المطالبة بالحكومة المنتخبة وتعديل الدستور، ما هي إلا عصا تلوّح بها المعارضة من أجل الضغط على الحكومة للتراجع عن مرسوم الصوت الواحد، والعودة إلى النظام السابق للانتخابات quot;5 دوائر بأربعة أصواتquot;، وخصوصًا أن هذين المطلبين بحد ذاتهما مختلف عليهما بين أطراف المعارضة، فالإسلاميون يرمون إلى أسلمة الدستور الكويتي، بينما يستنفر الليبراليون كل قواهم للتصدي لهذا التوجه، ويمتد الخلاف إلى المطالبة بالحكومة المنتخبة، إذ يتوجّس الكثيرون من هذا المطلب نظرًا إلى ما قد يؤدي إليه من صراع بين مكونات المجتمع للاستحواذ على تشكيل الحكومة، والدخول في أتون صراع المحاصصة، كما هو حاصل في عدد من البلدان التي تعتمد هذا النظام.

التيار الوطني خارج المعارضة
وعلى الرغم من شعبية الشعارات التي ترفعها المعارضة، إلا أن تاريخ وممارسات أعضائها السابقة والحالية، أدت إلى نفور القواعد الشعبية منها، إما لأسباب طائفية أو فئوية أو حتى مبدئية، ومن هذا المنطلق جاء انشقاق التيار الوطني ذو التوجه الليبرالي عن ائتلاف المعارضة، وإعلانه بشكل رسمي عدم رغبته في الدخول في مظلة ائتلاف المعارضة، لأسباب عديدة، بعضها معلن والبعض الآخر غير معلن.

اللافت أن سلسلة من الانشقاقات حصلت في صفوف المعارضة احتجاجًا على بعض الممارسات، التي شابت عمل المعارضة، ومن هذه الممارسات النزول إلى الشوارع وإغلاقها والاحتكاك برجال الأمن، مما أثر سلبًا على سمعة وشعبية تيار المعارضة، فضلًا عن الاتهامات التي أصبحت توجّه إلى المعارضة باستغلال الشباب وتعريضهم للملاحقات الأمنية والأحكام القضائية، التي قد تصل عقوبتها إلى السجن لسنوات طويلة، وتحويلهم إلى ذخيرة تحترق من أجل من كسب معركة سياسية مع الحكومة.

حبل نجاة سلطوي
في هذا الإطار، شنّ حزب الأمة هجومًا عنيفًا على الائتلاف الجديد ومنسقه مسلم البراك، معتبرًا أن الائتلاف هو حبل النجاة للسلطة التي فقدت شعبيتها، وأن معارضة البراك معارضة صورية، امتدت لأكثر من ثلاثين عامًا، واستعرض مواقفه المتذبذبة وصفقاته المشبوهة.

كما أحيطت المعارضة بعزلة لدى بعض الأوساط المجتمعية والمذهبية بسبب احتضانها عناصر تتسم بالطرح الطائفي والفئوي، الأمر الذي أدى إلى انكماش رقعة امتداد المعارضة إلى التيارات السياسية ذات الثقل على الساحة الكويتية، مثل المنبر الديمقراطي، الذي يشكل الشيعة مكونًا مهمًا من قواعده، ناهيك عن التزام عدد من المؤسسات الفكرية والسياسية وجمعيات النفع العام موقف المتفرج المغلوب على أمره، بسبب رفضها الاندماج في حراك تقوده عناصر تحمل شعارات هي أصلًا لا تؤمن ولا تعمل بها على أرض الواقع، ولا سيما في ما يتعلق بالعدالة والوحدة الوطنية ومحاربة التمييز بين الجنسين.

استمالة الشباب السلفي
من هنا نجحت الحكومة وبسهولة إلى حد ما في تفكيك مفاصل المعارضة، معتمدة على تكتيك يستميل الشباب والتيار السلفي، الذي فتحت معه حوارًا وطنيًا بقيادة الوزير السابق أحمد باقر، وناشطين سياسيين من قيادات الحراك المعارض، من أمثال فهيد الهيلم وبدر الشبيب، لكن الحوار أيضًا لم يستكمل بسبب رفض الحكومة العدول عن مرسوم الصوت الواحد، وحلّ المجلس الحالي والدعوة إلى انتخابات جديدة، وفق النظام الانتخابي السابق، إضافة إلى شرط إسقاط القضايا ذات البعد السياسي المرفوعة ضد عدد من رموز المعارضة والشباب، ومن بينها قضية اقتحام مجلس الأمة، وقضايا المساس بالذات الأميرية، وغيرها من القضايا التي رافقت عملية النزول إلى الشارع والمواجهات مع رجال الأمن.

ومن العوامل التي أضعفت حراك المعارضة، تراجع اندفاع وحماسة الشباب، بعدما كان هو وقود الغالبية، بسبب إحباط الشباب وبلوغهم حالة من اليأس في إصلاح ما أفسدته الحكومة، بعدما أثقلت التناقضات والخلافات أعضاء المعارضة ورموزها، وتشعب أهدافهم ومآربهم السياسية رصيدهم من خيبة الأمل، في تحقيق الوحدة الوطنية والدفاع عن الحريات والعدالة بعيدًا عن النفس الطائفي والفئوي الخانق في أوساط الغالبية.

قبلات إعلامية لا تخفي الانشقاق
كما إن القبل والسلام الحار بين أعضاء المعارضة والائتلاف في الدواوين وأمام كاميرات الصحافة لا تخفي مدى الانشقاق الموجود داخله والمبهم المعالم، ففي quot;تويترquot; تبدو الأمور أكثر وضوحًا وصراحة، وهناك تدار معركة شرسة ومكشوفة بين مغردين يتم احتسابهم على النائب السابق مسلم البراك من جهة، وبين مغردين يرون أن الوقت والمواقف، وربما الكريزما، تثبت أن د.عبيد الوسمي هو الأكثر جدارة لقيادة المرحلة المقبلة من المطالبات الشعبية والإصلاحات السياسية.

بينما بين هذا وذاك ثمة من يعمل بذكاء على أن يكون في دائرة التأثير الضارب في العمق من دون المزاحمة على الواجهة الإعلامية وشطحات الكريزما، مثل النائب السابق فيصل المسلم.

من يقرأ اللغط الذي ينال الكثير من الشخصيات، التي لاتحظى بشعبية، وسط الحراك، سيجد من بينها محمد عبدالقادر الجاسم quot;مهندس الائتلاف، الذي عاد بعض المغرّدين إلى أرشيفه الصحافي الماضي، وأعادوا نشر مقالات قديمة له، كان يهاجم فيها عراب كتلة العمل الشعبي أحمد السعدون، والكتلة التي ينتمي إليها، وهجومه ضد الصوت المعارض في مجلس الأمّة، وتحذيره من خطرهم إبان رئاسته لجريدة quot;الوطنquot;، ولكونه الملقب بـ quot;محامي الناقلاتquot;، كما يحلو لمهاجميه تسميته.

هبوط أسهم
هبطت أسهم الجاسم حتى داخل أوساط ما تسمى بـquot; كتلة الغالبيةquot;، بعدما اتسم في نظر الكثيرين منهم بالشخصانية، وانكشاف بعض الأمور، التي عززت توسعة هوة الخلاف السياسي، بدلًا من تقريب وجهات النظر، ومن بين المواقف التي حسبت عليه إعداده لبيان صعقت على أثره أعضاء الغالبية، وذلك عندما فوجئوا بأن quot;المايسترو الجاسمquot; قد أعد منفردًا بيانًا يحمّل فيه القيادة السياسية المسؤولية عن أحد الملفات، من دون انتظار ما ستسفر عنه مناقشاتهم، التي كانت تدور حول من يتحمّل المسؤولية: القيادة السياسية أم الحكومة.

خسارة المعركة بانسحاب الجزيرة والعربية
كما منيت المعارضة بالهزيمة في معركتها الإعلامية داخليًا، بسبب ما تصفه بالتخاذل من قبل الإعلام الداخلي (صحافة وقنوات) واصطفافه مع الحكومة في معركتها مع المعارضة، فإن خيبة الأمل ثبطت عزيمتها في تدويل خلافها السياسي مع الحكومة بعدما كان أعضاء المعارضة يعوّلون كثيرًا على التصعيد الإعلامي الخارجي، ولكنهم خسروا المعركة بعدما طردت قناة العربية مسوّقهم الإعلامي الأول المراسل سعد العجمي، وتراجعت قناة الجزيرة عن دعمهم بضغط حكومي، فيما جاءت ردود الفعل الدولية سلبية تجاه المعارضة، من خلال الموقف، الذي أعلنته الولايات المتحدة الأميركية، بأنها حليف استراتيجي للكويت، ومعنية بحماية أمنها، والانتقادات اللاذعة التي وجّهها البرلمان الأوروبي إلى ممارسات المعارضة وعناصرها البعيدة عن مبادئ الحريات وحقوق الإنسان.

وتراهن السلطة على هشاشة المعارضة، التي كانت سابقًا تشكل فرقاء، جمعهم هدف واحد محدد، وحظي بشبه إجماع بين القوى السياسية، ألا وهو إسقاط حكومة الشيخ ناصر المحمد، وقد نجحوا في ذلك، متجاوزين الفروقات في الطرح السياسي، لكن حظهم هذه المرة كان تحت مطارق الحكومة ولن يكون كسابقه، حيث تضربهم الفروقات في الأهداف والتنافس على توزيع الأدوار ويصعب عليهم تجاوز الاختلاف قبل الائتلاف لقيادة حركة الإصلاح.

مكسب سلطوي
يتبقى أمام المعارضة انتظار قرار المحكمة الدستورية، التي يرى مراقبون سياسيون وقضاة سابقون، أنه سيحصّن مرسوم الصوت الواحد، لأنه مكسب لن تتنازل عنه السلطة، وإذا أبطلته المحكمة ستصبح كل مراسم الضرورة في ما بعد عرضة للبطلان، وهو أمر يفقد السلطة أحد المكاسب الدستورية، لتتحقق نبوءة عراب المعارضة أحمد السعدون، الذي كان له رأي منذ البداية بعدم الطعن أمام المحكمة الدستورية، لأنها ستحصّن مرسوم الصوت الواحد، وستضعهم في مأزق، ولهذا إلتزمت الغالبية بنصيحة عرابها، بينما اتجه التيار الوطني للطعن أمام المحكمة الدستورية، وتحمّل المسؤولية التاريخية لهذا الموقف.

وبين جمر الانتظار للأحكام القضائية، وصفيح صيف ساخن، من المتوقع أن تشهده الكويت على الصعيد السياسي، تعد المعارضة عدتها للعودة إلى (ساحة الإرادة) والشارع مجددًا، من أجل إحياء مشروعها السياسي، بعدما خفت بريقه إعلاميًا وشعبيًا، معوّلة على استثمار التعاطف الشعبي في حال صدور أحكام قاسية بحق الشباب ورموز المعارضة في القضايا المتهمين بها.

في المقابل تواصل الحكومة ضخ الأوكسجين للمحافظة على عمر مجلس الصوت الواحد، ليكمل مدته الدستورية، ويعيش أربعة أعوام مقبلة في حضانتها، تنظر لها الحكومة على أنها ستكون سمينة، بينما تؤكد الغالبية أنها ستظل عجاف من عمر الكويت، وبين الحكومة والمعارضة ينتظر الشارع الكويتي ما ستحمله الأيام المقبلة في هذه الأجواء الملبدة بالغموض.