أقام الجيش الباكستاني مركزًا في وادي سوات لتأهيل الأولاد والاحداث الذين جندتهم طالبان للحرب في صفوفها أو لتنفيذ عمليات إنتحارية، بإخضاعهم لبرامج تأهيلية تعلمهم حرفًا تساعدهم على العودة إلى الحياة المدنية.

لندن:حين يتناهى إلى أذن السامع ذكر وادي سوات الحدودي بين بكستان وأفغانستان، لا يتخيل إلا الحرب بكل أهوالها، خصوصًا أن هذا الوادي مرتع لمسلحي طالبان المتشددين، الذين حكموا أفغانستان بالحديد والنار، حتى أخرجهم منها الأميركيون.
لكن في هذا الوادي وردة أمل نبتت بين كل شوك هذه المنطقة الوعرة والعابقة برائحة الدم. إنها مركز quot;سبعونquot; لإعادة تأهيل الأولاد والمراهقين بين 12 و17 عامًا، بعدما سلبتهم طالبان أهليتهم الطفولية بإجبارهم على حمل السلاح، والجهاد في صفوفها.

بداية جديدة
علي أحد هؤلاء، يقف معتمرًا الطاقية الأفغانية، محدقًا في الفراغ، وكأنه يبحث في أدراج عقله الصغير عن إجابات لكثير من الأسئلة الصعبة على ولد لم يتجاوز الثانية عشرة بعد. يبدو في وقوفه هذا واهيًا، كبّرته الحياة الطالبانية القاسية قبل أوانه، إذ ولد في عائلة مقاتلين، واستلم بندقيته الأولى في الثامنة من عمره، وقبض عليه الجيش الباكستاني في عملية عسكرية، فأحضره إلى هذا المركز التأهيلي ليكون له بداية جديدة، فـquot;سبعونquot; تعني الصحوة الجديدة بلغة البشتون.
وعليٌّ هذا لا يحب هذا المكان، لكنه اعتاده، ويحاول أن يتأقلم مع حياته فيه لأنه يتعلم مبادئ العيش بسلام مع شبان آخرين، يريد الجيش الباكستاني إعادتهم إلى الحياة المدنية الطبيعية. يعرف أن الأمر ليس سهلًا، وطريق العودة إلى المدنية طويل ومحفوف بالمصاعب، فيرفض التسليم بأن في هذا المركز قدره الآمن ومصيره الزاهر. لكنه يناقض نفسه، فهو يحنّ إلى العودة لحياة المحاربين، وفي الوقت نفسه يريد أن يكون طبيبًا، يرعى شعبه. يقولها بنبرة تدل صراحة على أنه لا يرى أفقًا لحياته سوى الحرب، ولا شيء إلا الحرب.
أولاد انتحاريون
يمثل هذا المركز التأهيلي والتعليمي وجهًا مختلفًا من وجوه صراع السلطات الباكستانية ضد طالبان. يقول العقيد زيشان، المسؤول الباكستاني عن إدارة هذا المشروع التأهيلي: quot;بدأنا في وادي سوات في العام 2009، حين كشفنا مخطط مسلحين إسلاميين متشددين، خطفوا أطفالًا وأولادًا لتدريبهم على العمليات الانتحاريةquot;.
وسبعون هو أول مشروع لإعادة تأهيل أولاد طالبان، يديره الجيش الباكستاني بالتعاون مع مؤسسة quot;همquot; الباكستانية غير الحكومية، ومنظمة يونيسيف.
يمنع القائمون على المركز سؤال الأولاد عن ماضيهم العسكري، وعن أسباب انضمامهم إلى صفوف طالبان. ويقول نظيف خان، أحد المختصين في العلاج النفسي في المركز: quot;هنا، نساعد هؤلاء على بناء مستقبلهم، بعدما تجري معهم تحقيقًا مستفيضًا عما مروا بهم، وذلك حين وصولهم، ثم نطوي هذه الصفحة إلى الأبد، لنزودهم بما يمكنهم من العبور نحو مستقبل مشرق، وبالأمل الذي ينتشلهم من بقايا هذا الماضي القاسيquot;.
مهمات شاقة
بين من أنقذهم الباكستانيون شاب، قبض عليه الجيش قريبًا من هذا الوادي، مخدرًا ومزنرًا بحزام ناسف، زودته به حركة طالبان وطلبت منه تفجير نفسه أمام أحد المسجد في المنطقة ساعة الصلاة، لقتل أكبر عدد من المصلين. كان حينها في الثالثة عشرة، أما اليوم فيقول: quot;أولد هنا مجددًا كل يوم، كل صباحquot;، وفي عينيه نظرة من خبر الموت عن قرب.
في غضون أيام قليلة، يغادر هذا الشاب المركز عائدًا إلى أحضان عائلته، في عملية إعادة دمج معقدة، لأن طالبان تسيطر على منطقة سكن أسرته في الجانب الآخر من الوادي.
ويواظب الناشطون الاجتماعيون التابعون للمركز على زيارة أسرته، من أجل التحقق من أن أفرادها لم ينضموا إلى طالبان، ومن أنهم مستعدون ليحسنوا وفادة الشاب، من دون أن يدفعوه ثانية إلى تهلكة الحرب.
إنها مهمة شاقة وخطيرة من دون شك، ما قد يدفع الجيش الباكستاني أحيانًا إلى الطلب من الأسرة الانتقال إلى منطقة أكثر هدوءًا. وإن رفضت، سيتم إرساله إلى الأكاديمية العسكرية في إسلام أباد، ليدرس على نفقة الدولة، ولينضم إلى الجيش أن أراد.
تأهيل حرفي
اليوم، يتم تأهيل 39 مراهقًا في المركو، وفق برنامج مكثف، ينفذه معلمون وأطباء ومختصون في العلاج النفسي. ولا يختلف أمر المركز وتدبيره عن أي مدرسة عادية، فالأولاد ينتظمون في صفوف تقدم فيها الدروس طيلة اليوم، ويتعلمون خلالها علوم الكومبيوتر، وفنون الخياطة، ومسائل الكهرباء، وغيرها من الحرف التي تسهل اندماجهم ثانية في مجتمعهم المدني.
كما يتلقى الأولاد تعليمًا دينيًا في حصص أسبوعية تنويرية، لتعليمهم ما يحلله الاسلام وما يحرمه، في مسعى جدي لمسح ما علق بأذهانهم من تعاليم طالبانية متشددة.
وفي المركز أيضًا ما يشبه مختبر المعلوماتية، فيه عشرة أجهزة كومبيوتر ضخمة. يقول أمين، مدرس المعلوماتية، أن الأمر في هذه الغرفة لا يعدو كونه فرصة ليتعلم الأولاد بعض أساسيات التكنولوجيا.
يضيف: quot;نتركهم يلعبون الألعاب الإلكترونية، أو فعل ما بدا لهم، طالما يبقون هنا ساعات أمام الشاشة، وتفكيرهم بعيد عن كل ما يمت إلى الماضي بصلةquot;.