يعزف الكثير من العراقيين عن المشاركة في العملية الانتخابية، لأنهم قانعون بأن صوتهم عديم الجدوى في صناديق الاقتراع، فالنتائج مرتبة سلفًا، والفائزون سيأتون وفق ما يمليه النفوذ الحزبي والعشائري والمالي.
بغداد: ينقسم العراقيون في نظرتهم إلى المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات، التي ستصادف يوم العشرين من الشهر الحالي، بين مُصِرٍ على المشاركة بغية المساهمة في اختيار مرشحين مخلصين لخدمة الناس، وبين يائسين عازفين عنها لاعتقادهم بأن صوتهم لن يجدي نفعًا في تغيير ما هو متفّق عليه سلفًا بين السياسيين وأصحاب النفوذ.
وإذا كان استطلاع آراء النخب السياسية والمسؤولين يؤدي إلى نتيجة واحدة وهي ضرورة المشاركة، فلأن ذلك يصب في مصلحتهم كونهم اقطاباً في العملية السياسية لا يريدون أن يخسروا مناصبهم. المواطن العراقي يقول رأيه بصراحة، ووجهة نظره تمثل الحقيقة الموجودة في الشارع.
بلا جدوى
ربما يدرك أصحاب القرار وممثلوهم من المرشحين أهمية المواطن في الانتخابات فقط، لهذا تتجه أجندة الخطاب نحوه، ويحاط بالاهتمام من قبلهم، بينما هو مُهْمل في الواقع. ولهذا السبب، يرفض المواطن أحمد الهيتي الاجندة الدعائية الانتخابية معتبرًا أنها كاذبة منافِقة تسعى إلى شراء المواطن في الانتخابات، لترميه بعدها مثل أي سلعة انتهت فترة صلاحيتها.
ويُفصح الهيتي عن عدم رغبة في الادلاء بصوته، لأنه يعتقد أن مشاركته عديمة الجدوى فالامور تُرتّب في الخفاء.
يقول: quot;لا أصدق الادوار التي يقوم بها مراقبو الانتخابات واللجان، كما أرى أن مفوضية الانتخابات ستكون مسيّسة خلف الكواليس، لاسيما في مراكز الانتخابات البعيدة عن العاصمة وعن مراكز المدن الرئيسية حيث يقوى النفوذ العشائري وتتعزز الوجاهة الاجتماعية في التأثير على خيارات المواطنquot;.
لكن الهيتي يتمنى في الوقت نفسهنجاح العملية الانتخابية التي هي مخاض تجربة وليدة. ويعزو الفشل اذا حدث إلى الساسة والأحزاب، وليس إلى المواطنين الذين يعزفون عن المشاركة في الانتخابات.
ضغوط عشائرية
دعت مرجعيات دينية إلى المشاركة في الانتخابات المقبلة، لعدم ضياع صوت النّاخب، وطالبت باختيار المرشح المخلص الذي يطبّق ما يعلنه في برنامجه الانتخابي. ويبلغ عدد المرشحين لانتخابات المجالس المحلية، الثالثة منذ اجتياح العراق وسقوط نظام صدام حسين في آذار (مارس) 2003، في محافظة بغداد نحو 1687 مرشحًا، وعدد المرشحين في المحافظات الـ 14 التي ستجري فيها الانتخابات زهاء 8138 مرشحًا.
ويشير المدرس صالح بشير إلى أنه مضطر إلى المشاركة في الانتخابات بسبب ضغوط عشائرية، لكنه لا يعتقد أن الانتخابات في العراق حرة بما فيه الكفاية، لأنها ستقع تحت تأثير النفوذ العشائري والحزبي والمالي أيضًا.
ويتابع: quot;أغلب المرشحين الذين سيفوزون هم نِتاج اصطفاف مذهبي وقبلي وعائلي، إضافة إلى محاصصة وتخندقات حزبية، ولهذا فمن الصعوبة أن يفوز المرشّح الاكثر كفاءةquot;. لكن الاكاديمية في جامعة بابل إيمان حسين تنتقد الاصوات التي لا تشارك في الانتخابات وتعتبر الامر واجبًا على كل عراقي.
تقول: quot;الحجج بأن الانتخابات ستكون عديمة الجدوى باطلة، حتى وإن كانت هناك تأثيراتquot;، مؤكدة أن المواطن يجب أن يتحدى السلبيات، لا أن يستسلم وينسحبquot;. وتتابع: quot;الانتخابات عملية مصيرية وجوهرية، يتحدد من خلالها المستقبل وتوجهات الحكومة المقبلة، وأعتقد أن المشاركة الواسعة في الانتخابات ستساعدنا على تجاوز أخطاء الانتخابات السابقةquot;.
خطابات الحماسة
لكنّ أكاديمياً آخر هو سعدون ضمد، يرى أن تجربة الانتخابات السابقة عزّزت وعي العراقيين، سواء كانوا مرشحين أو ناخبين. يضيف: quot;لهذا تجد أن الجميع في هذه المرحلة تخلّى عن خطابات الحماسة والشعارات البراقة، وركّز على الخدماتquot;.
ويشير ضمد إلى أن رؤساء الكتل والأحزاب تخلوا عن الشعارات، ونزلوا إلى الواقع، وتركّز خطابهم بالدرجة الأساس على خدمة المواطن. يضيف ضمد: quot;هذه الانتخابات تكشف الدور المتزايد للمواطن، فالجميع يسعى إلى إرضائه، وهذه نقطة إيجابية في حد ذاتهاquot;.
وتحتوي الكثير من الملصقات الدعائية على شعارات تعد المواطن بتوفير الخدمات والقضاء على الفساد وتحسين مستواه المعيشي.
والجدير ذكره أن اغلب المرشحين الذين يمثلون الكتل والأحزاب السياسية المختلفة يتسابقون على منح القضايا الخدمية والاقتصادية والأمنية اهتمامًا رئيسيًا في أجندتهم الانتخابية، بغية كسب رضا المواطن. من جهته يرى المدرس لطيف سعدون البياتي من كربلاء دلائل تشير إلى مستوى إقبال جيد للانتخابات، على الرغم من أن شبهات الفساد تحوم حتى على المرشحين الجدد.
يقول: quot;بلغ اليأس بالمواطن أن يرى المرشحين الجدد إذا ما فازوا فسيكونون أدوات جديدة في عملية الفساد الواسعة التي تتغلغل بين مؤسسات الدولة، وحتى النزهاء منهم سيجرفهم تيار الفساد القويquot;، داعيًا إلى عملية اجتثاث واسعة لرموز الفساد وليس التغطية عليهم.
ألقاب وهمية
من جهة أخرى، ينتقد الأكاديمي حسين الطائي المواطن ايضًا، لأنه مسؤول عن وصول أشخاص بلا كفاءة إلى مراكز القرار باعتبارهم ممثلين للشعب. ويؤكد أن الكثير من المرشحين اليوم هم من المزوّرين والجهلة، مشيرًا إلى أن مرشحين انتحلوا القابًا وهمية، وانتحلوا صفات لا يتمتعون بها في الاصل.
يتابع: quot;أحد المرشحين هو خريج معهد تقني، منح نفسه لقب مهندس، والآخر أكمل دراسته في جامعة غير مُعترف دوليًا بها ليلقب نفسه بالدكتور، اضافة إلى أن بعض المرشحين شبه أميين، والدليل على ذلك أنه حتى اعلاناتهم الانتخابية تحتوى على أخطاء املائية وتعبيرية فادحة، إذ كتب أحدهم على دعايته الانتخابية (انتخبو) بدلًا من (انتخبوا)، والآخر لقّب نفسه بـ (أبو فلان) بدلًا من اسمه الحقيقي، وفي هذا خروج على أعراف وتقاليد الاعلام الانتخابي السويquot;.
لكن الطائي متفائل إذ يقول: quot;آمل في أن الوعي اليوم صار كافيًا لدى المواطن، لأنه كشف سر اللعبة وأدرك أهمية صوته، والخطوة الاولى على طريق الوعي الانتخابي هو انحسار الشعارات الفضفاضة، والتالية هي التعويل على وعي المواطن في انتخاب اصحاب الكفاءاتquot;. لكنه يشكّك في حصول ذلك بسبب التأثيرات الحزبية والعائلية التي ما زالت قوية التأثير على خيارات المواطن.
التعليقات