ريم فتاة علوية نشطت إلى جانب الثورة، فاضطرت إلى اختيارلندن منفى اختيارياً لها، تقول إن العلويين خائفون مما يلي سقوط الأسد، ولذا يساندونه حتى الآن، وإنها لن تعود إلى وطنها إن حكمه الاسلاميون.

لم يخطر ببال ريم قط أنها ستهرب من وطنها ذات يوم، وهي تتساءل الآن ما إذا كانت سترى عائلتها مرة أخرى.
وإذا مررتَ بريم في الشارع، لن تدرك مدى الرعب الذي قاسته هذه الشابة الذكية، أو العذاب الذي ما زالت تعيشه في المنفى. لكن ريم علوية تؤيد الانتفاضة، وبذلك تجسد معاناة وطنها الذي تمزقه الحرب.
تعيش ريم اليوم في بريطانيا، بينما والداها في دمشق يواجهان خطر الموت تحت وابل القذائف التي تنهمر على العاصمة، أو القتل على أيدي معارضين يريدون الثأر عندما يسقط نظام الأسد . ولا تعرف ريم متى ستكون قادرة على العودة إلى وطنها أو رؤية عائلتها مرة أخرى.
لا يمكن الكشف عن هوية ريم الحقيقية، وإلا فان مصيرًا رهيبًا ينتظر والديها انتقامًا من خيانتها لطائفتها العلوية، رغم أنها عاشت حياة مزدوجة خلال العامين الماضيين من عمر الانتفاضة السورية ولم تقل لهما قط أنها تعمل مع المعارضة.
العمل السري
نقلت صحيفة تايمز عن ريم قولها: quot;انا مرعوبة. وما كان يُفترض أن ينتهي بي الحال إلى هذا المآلquot;. قبل اندلاع الانتفاضة السورية منذ 25 شهرًا، كانت ريم طالبة لديها اصدقاء من انتماءات مختلفة، فيهم العلوي والسني، وفيهم المسلم والمسيحي. وكانوا يعرفون مذاهب بعضهم البعض واحيانًا يطلقون النكات عنها دون أن يكون أي منهم quot;مهووسًا بطائفته، بل كانوا موحدين بكراهيتهم لنظام حكم يراقب حتى الموسيقى التي يسمعونها.
ظنوا جميعًا أن الثورة ستكون سريعة وسلمية وبعيدة عن الطائفية، وأن يُجبر الأسد على التنحي بعد شهرين وتنتقل السلطة إلى الشعب. وحسبوا أن الثورة ستكون ثورة يفتخر بها السوريون، لا تمت بصلة إلى حمام الدم في ليبيا أو الفوضى الضاربة اطنابها في مصر. وحين القى الأسد بعد شهر على اندلاع الانتفاضة خطابًا وعد فيه بالاصلاح مالت ريم لفترة قصيرة إلى تصديقه ثم بدأت حملة البطش بالمعارضة.
ولم تتمكن ريم من المشاركة في التظاهرات لكونها فتاة شابة، فأصبحت بدلًا من ذلك ناشطة على الانترنت، تعمل في السر لأن والدها ضابط سابق في الجيش، والديها مؤيدان متحمسان للأسد يعيشان في منطقة راقية من دمشق.
وكانت ريم تجلس في غرفتها ساعات متظاهرة بمذاكرة دروسها، لكنها في الواقع تحمِّل أشرطة فيديو وصوراً فوتوغرافية على الانترنت ليرى العالم ما يجري في سوريا. كما كانت ريم، التي تتكلم الانكليزية بطلاقة، تترجم مقالات من الصحافة الأجنبية إلى العربية لمواجهة دعاية النظام في غسل عقول المواطنين على مدار الساعة.
وكانت تمحو كل المعلومات التي تكشف أمرها من الهاتف والكمبيوتر المحمول كلما تخرج من البيت، كما العديد من ناشطي الانترنت، وتعيش في خوف دائم من تلك الطرقة المشؤومة على الباب. فالمخبرون يراقبون الانترنت ويلتقطون صورًا لصفحات المشتركين على فايسبوك ثم يرسلونها إلى المخابرات. وتعرض اصدقاء لها للاعتقال والتحقيق، وبسبب جنسها كانت تتعرض للتحرش أو ما هو أسوأ. ولأنها علوية فإن اجهزة الأمن التي يقودها علويون ستعاملها بقسوة مضاعفة لخيانة طائفتها. وكانت وصمة العار ستُلصق بعائلتها فتُعامل معاملة المنبوذين.
الانقلاب
قالت ريم لصحيفة لتايمز: quot;كنتُ أعيش في خوف من كل شيءquot;. لم تكن تثق بأحد سوى أقرب الأصدقاء، وكان كثير من رفاقها الثوار يشتبهون بها جاسوسة علوية. ومع تنامي شراسة النظام، ازدادت خيبة ريم من هذا العالم. فالصور المروعة التي تنشرها مع رفاقها الناشطين على الانترنت لا تجدي نفعًا. قالت: quot;حَسَبنا أن العالم سيتمكن من منع موت 200 أو 300 شخص في اليوم ثم بات واضحًا أنه لن يحرك ساكنًاquot;.
أضافت: quot;إنها فضيحة، 100 الف قتيل، نصفهم من النساء والأطفال، ومجازر وتعذيب وتنكيل كل يوم، وكل دولة تحرك خيوطًا تخدم مصلحتها، ولا أحد يفعل شيئًا من اجل شعبنا، واصبح عملنا توثيق الفظائع لكي لا تُنسى، ولم يعد صرخة استغاثةquot;.
بدأ الانقلاب في حياة ريم ذات يوم في تموز(يوليو) الماضي عندما خرجت مسلحة بكاميرا لتصوير شارع في دمشق دمرته القنابل. وقالت إنها شعرت بأنها تؤدي عملًا صحفيًا حقيقيًا وليس مجرد عمل مكتبي.
خرجت ريم ظنًا منها أن جنسها سينقذها من التعرض للتفتيش، لكنّ جنودًا اوقفوها مع صديقتها وعثروا على صورها وطالبوا بمعرفة الجهة التي تعمل لصالها. وهدد الجنود باقتيادها إلى أقرب مقر للمخابرات أو إلى السجن مباشرة. وسألوها ماذا ستفعل لتفادي الاعتقال؟ وفي اذهانهم أنها ستمارس الجنس معهم.
قالت ريم: quot;كنتُ مرعوبة فهذا هو اليوم الذي سأفقد فيه شرفي أمام عائلتي، وهنا ستنتهي حياتيquot;. لكنها تحدثت بأقوى لكنة علوية استجمعتها على لسانها، ودفعت صديقتها رشوة للجنود، وبعد 20 دقيقة أُخلي سبيلهما.
خيبة الأمل
بعد أقل من اسبوع جاءت الطرقة المخيفة على الباب. قال جلاوزة المخابرات لوالدتها إن شخصًا شوهد يلتقط صورًا فوتوغرافية من البيت. لكن والدتها نفت ذلك وكذلك ريم رغم أنها التقطت فعلا صور انفجارات بعيدة. واحتجت والدتها بأنهم عائلة عسكرية وعلوية أيضًا، لكن هذا زاد الطين بلة.
وتروي ريم:quot;قالوا أنتم علويون وتفعلون هذا؟ هل تريدون أن يقتلنا المعارضون؟quot;
غادر رجال المخابرات في النهاية وأخذوا معهم كاميرا ريم، لكنها تمكنت من إزالة ذاكرتها. وكان الجيران شهودًا على المهانة التي لحقت بالعائلة.
تقول ريم إن والديها صدَّقا في البداية ادعاءات الأسد بأن الانتفاضة يقودها ارهابيون ومتطرفون مسلحون. لكن تأييدهم للأسد بدأ يضعف عندما شرع النظام يقصف العاصمة في الصيف الماضي، وبدأ الوالدان يعربان عن الأسف لأن الانتفاضة أخذت منحى مغايرًا وما كان ينبغي أن تنتهي إلى هذا الوضع، كما كانا يهمسان. فحتى في الدار كان النقد ممنوعًا.
لعل والدَي ريم شكَّا في مساعدة ابنتهما للمعارضة أو لم يشكا، لكنهما بحلول الخريف أخذا يلحان عليها أن تغادر سوريا. وفي النهاية غادرت، في تشرين الأول(اكتوبر) الماضي، مستقلة سيارة أجرة إلى بيروت بعد وداع مبلل بالدموع. قالت quot;لا أعرف متى أراهما مرة أخرىquot;.
خوف الانتقام
تعيش ريم الآن مع اصدقائها في لندن آمنة جسديًا لكن معذبة نفسيًا. تتحدث مع والديها على سكايب كلما تسنى لها ذلك، لكن خدمة الانترنت تتعطل في دمشق الآن لأيام ، وأُصيب والدها مؤخرًا بشظايا قذيفة ورقد ثلاثة ايام في المستشفى. وعندما كانت ريم تتحدث لصحيفة تايمز، كانت الأخبار تتوالى عن اصابة الحي الذي يسكنها والداها بوابل من الصواريخ.
قالت: quot;كل يوم اسمع بمقتل احد اعرفه، وكل يوم في ساعة الغروب أحمد الله على سلامة والديّ لكن سماعي نبأ سيئًا عنهما ليس إلا مسألة وقتquot;. فهي تعرف انهما يعيشان في أغلب الأوقات بلا كهرباء ومن دون غاز للتدفئة خلال الشتاء، ويكافحان من أجل الحصول على الخبز.
وتعرف أيضًا أن النظام يدهم البيوت لإجبار العلويين الشباب على الانخراط في الجيش، وأن تأييد العلويين للنظام ينحسر مع مقتل هؤلاء المجندين، وأن كثيرًا من العلويين يؤيدون النظام بدافع الخوف من الانتقام الذي سيعقب سقوطه. ويهرب البعض إلى بلدان مجاورة فيما يغادر آخرون دمشق إلى الأمان النسبي الذي توفره مدن ساحلية مثل طرطوس واللاذقية، العلويتين.
تخشى أن يكون الآتي اسوأ عندما يسقط النظام ويدخل مقاتلو المعارضة وحلفاؤهم الجهاديون دمشق. تخاف من حمام الدم الذي سيعقب ذلك وحملات الانتقام ضد العلويين. وقالت: quot;إنهم في دمشق خائفون جدًا جداً من أن يدهمهم انتقاميون ناقمونquot;.

ليست حلمي
تتمثل المفارقة الكبرى في أن الانتفاضة التي أيّدتها ريم بنشاط قد تتكلل بموت والديها وبحياة في المنفى. وإذا انتصر الجهاديون وحولوا سوريا إلى دولة اسلامية على طريقتهم، فإن ريم لن تتمكن من العودة أبدًا، ولن تعيش ابدا بموجب احكامهم ولن تشرح لهم أبدًا أنها عملت من اجل الثورة رغم هويتها العلوية. قالت: quot;إذا سيطر الاسلاميون لن أتمكن من العيش في سوريا. فنحن أقبلنا على الثورة لتكون سوريا حرة وهذا سيكون العكس تمامًاquot;.
وتتهم ريم تقاعس المجتمع الدولي بالمسؤولية عن الكارثة التي حلت بوطنها تقول: quot;لم أحلم قط بأن تنفجر الثورة في بلدي، وحين انفجرت لم أفكر قط أنها ستكون على هذا اىلشكل، لم أفكر قط أنها ستصبح حربًا اهلية طائفية شاملة كما هي الآنquot;.