أطلق بلجيكيون مدنيون حملة إنسانية لجمع التبرعات للمنكوبين السوريين، مستعينين بشخصيات بلجيكية مؤثرة لدعمها، إلا أن الحماسة تجاهها بدت فاترة، بعدما بات البلجيكيون لا يرون في الصراع السوري إلا المتطرفين دينيًا ويتخوفون من وصول أموالهم إلى هؤلاء الجماعات.


بروكسل: يسعى منظمو حملة وطنية لمساعدة السوريين، انطلقت أمس في بلجيكا، إلى تشجيع أبناء هذا البلد، المتخوفين من وصول المساعدات إلى المجموعات المتطرّفة، عبر التبرع، وذلك تحت شعار quot;شاي لأجل سورياquot;، باعتباره عادة اجتماعية سورية ترمز إلى جلسات الألفة العائلية.

وبدأت الحملة بفعاليات quot;يوم عمل وطنيquot; لجمع التبرعات، عبر نشاطات للمؤسسات الخيرية، إضافة إلى مبادرات فردية وأهلية، واكبتها تغطية كثيفة من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، كما خصصت بعض الصحف نصف مبيعاتها في هذا اليوم للتبرعquot;.

حماسة فاترة
لكن هذه الحملة لم تجمع في اليوم الأول أكثر من 600 ألف يورو، وهو ما يعكس عادة فتور الحماسة للتبرع، رغم الدعاية الكبيرة التي تصاحب الحملة.

يقول إيريك توتس، رئيس مؤسسة quot;12-12quot; البلجيكية المنظمة لهذه الحملة، إن حركة جمع التبرعات quot;بدأت أبطأ مما تخيّلناquot;.
وتتمتع هذه المؤسسة quot;12- 12quot; بالثقة لدى البلجيكيين وبصورة إيجابية، إذ سبق أن نظمت حملات تبرع مشابهة حققت نجاحًا كبيرًا، مثل حملة مساعدة ضحايا زلزال quot;هايتيquot;، التي جمعت خلالها حوالي 25 مليون يورو، وقبلها حملة لضحايا quot;التسوناميquot; جمعت ما يقارب الـ40 مليون يورو.

أضاف توتس لفرانس برس: quot;حتى قبل أن نبدأ عرفنا أنها ستكون حملة صعبة، لأنها تفتقد للميزات، التي ينبغي توافرها، لتكون الحملة ناجحة جدًاquot;.

السياسة معوق
وعزا توتس هذا الفتور إلى طبيعة الأزمة السورية باعتبارها quot;عسكرية وسياسية سببها الإنسانquot;، موضحًا quot;في هايتي والتسونامي كانت الأزمات بسبب الطبيعة، وجاءت بمشهدية صادمة مع آلاف الضحايا في لحظة واحدةquot;.

...والتطرف أيضًا عامل مؤخِّر
لكن هذا الفتور الأوّلي للتبرّع لا يعود فقط إلى طبيعة الصراع، فالبلجيكيون صاروا يرون الأزمة السورية عبر عنوان quot;المجاهدين الأجانبquot;، الذين يقاتلون مع المجموعات الإسلامية المتطرفة في المعارضة السورية المسلحة.

فوسائل الإعلام البلجيكية تنشر بإسهاب أخبار المقاتلين، الذين تحوّلوا إلى ظاهرة إعلامية، كما قامت الشرطة البلجيكية بحملة مداهمات وتوقيفات خلال هذا الشهر، استهدفت شبكة تجنيد المقاتلين المتطوّعين.

لمواجهة هذه الفكرة السلبية، عمل منظمو الحملة على التعريف بطبيعة الصراع، الذي خلف أكثر من 70 ألف قتيل، بحسب الأمم المتحدة، وجاء في الإعلان عنها أنها لمساعدة quot;ضحايا الحرب الأهلية في سوريا، حيث انتقل الربيع العربي إلى شتاء قاسٍ وطويلquot;.

كما استعانوا بشخصيات بلجيكية مؤثرة لدعمها، مثل الصحافي رودي فرانكس، الذي اشتهر في بلده بتغطية الصراعات الدولية للتلفزيون الوطني الناطق بالهولندية، بما فيها الأزمة السورية.

فرانكس أطلّ عبر العديد من وسائل الإعلام، وقال إنه يتفهم quot;عدم الثقة والترددquot; من التبرّع خوفًا من وصوله إلى quot;متطرفين إسلاميين أو لشراء الأسلحةquot;، لكنه شدد على ما اعتبره جوهريًا، وقال: quot;يجب ألا نوجّه أنظارنا إلى الأيدي الخطأ، فهذه الحملة تركز على الأيدي الجيدةquot;، مضيفًا quot;إن 95 في المئة من السوريين يحتاجون مساعدة، وهم الذين تضرّروا، ولا يريدون هذا القتال والمعاناةquot;.

دعم الضحايا فقط
وكانت الأمم المتحدة أعلنت أن نحو أربعة ملايين تشرّدوا داخل وخارج سوريا بسبب الصراع، وأن هناك نقصًا كبيرًا في الوفاء بالتعهدات المالية، التي تلقتها للمساعدة، بعدما وصلت إلى 1.5 مليار دولار. الممثل الكوميدي البلجيكي الشهير غيرت هوستا دعم أيضًا الحملة، مشددًا على أنها تهدف إلى مساعدة quot;الضحايا فقطquot;.

ما يحدث في بلجيكا يمثل عيّنة من نظرة الرأي العام الغربي إلى الصراع في سوريا، والأثر السلبي البالغ، الذي أحدثته المجموعات المتطرفة المسلحة في المعارضة، بعدما تحوّلت الثورة السورية من تحرك سلمي إلى صراع مسلح، جراء العنف الدموي لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.

شاي لسوريا
لكن رغم ذلك، يقول رئيس المؤسسة المنظمة للحملة إنها quot;بطيئة، لكن ليست مخيّبة للآمالquot;، متحدثًا عن شعار quot;شاي لأجل سورياquot;، الذي وجدوه بمثابة المنقذ، قبل أن يصير عنوانًا للتحرك، ويضيف quot;أخيرًا أمكننا الخروج من النقد والمناخ السلبيquot;.

وبالفعل أحدث هذا الرهان خرقًا مباشرًا، حيث جاءت الاستجابة للمبادرة عبر مبادرات شخصية. وانتشرت مثلاً قصة أربع صديقات، اخترن دعم الحملة، عبر إعداد الشاي وبيعه للمسافرين في القطار الذي يركبنه يوميًا إلى عملهن.

منظمو الحملة سيركزون على تشجيع هذا النمط من المبادرات الأهلية حتى نهاية حزيران/يونيو المقبل، موعد انتهاء الحملة، التي يمكن أن تمدد بحسب تطورات الوضع السوري، كما قالوا، وربما يمدد أيضًا تلقي التبرعات على الحساب المصرفي حتى ما بعد نهاية 2013.