يسرق سوريون قطعاً ثمينة من الآثار الرومانية ويبيعونها لتجار أجانب في السوق السوداء كي يحصلوا على الأموال الخاصة بشراء السلاح.


يعمل سوريون على سرقة وتهريب كنوز أثرية تعود لألفي عام، بعد نقلها من موقع أثري شهير في سوريا وبيعها في السوق السوداء في لبنان لمشترين أجانب. هذه الآثار التي لا يمكن أن تقدر قيمتها بثمن مادي أو معنوي، تباع اليوم مقابل مبالغ زهيدة بهدف تمويل عمليات التسلح.
أرسلت صحيفة الـ quot;صنداي تايمزquot; أحد مراسليها الذي انتحل شخصية تاجر قطع أثرية، وعمل على التحقق من صحة هذه التقارير بشكل سري. على مشارف مدينة بيروت، عرض تاجر لبناني على الصحافي المتنكر عشرات القطع الأثرية من بينها تمثال روماني يرجع للقرن الثاني الميلادي ويقدّر ثمنه بنحو 1.4 مليون جنيه استرليني.
يشار إلى أن الصحيفة استشارت خبراء في مجال الآثار من بينهم خبراء في اليونيسكو والمتحف البريطاني، أكدوا أن القطع الأثرية المعروضة للبيع حقيقية وليست مزيفة. وقال الخبراء إن التماثيل مصدرها الآثار الرومانية في مدينة تدمر التاريخية المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
نهب الآثار وبيعها ليس بجديد على البلاد التي تضربها الفوضى والعنف من كل حدب وصوب، فخلال العام الماضي، انتشر شريط فيديو عبر الانترنت يظهر فيه رجال يرتدون زياً عسكرياً ويقومون بتحميل قطع أثرية مشابهة في شاحنة وعرضها أمام الكاميرا.
من بين القطع التي عرضت على الصحافي الذي انتحل شخصية مشترٍ للآثار، عامود روماني تقدّر قيمته بنحو 383 ألف جنيه استرليني وآنية تعود للقرن الثالث الميلادي. وأبلغت الـ quot;صنداي تايمزquot; الشرطة الدولية عن القطع المسروقة التي تعد من أندر الآثار التي نهبت من سوريا منذ بدء الحرب الأهلية منذ أكثر من عامين.
بدوره، وجه الانتربول تنبيهاً رسمياً للسلطات السورية وأخطر اليونسكو الشرطة اللبنانية، وكذلك السلطات في كل بلد على الحدود مع سوريا، بهدف السيطرة على أعمال التهريب وحماية الآثار الرومانية في سوريا.
في الآونة الأخيرة، صار من الطبيعي رؤية مجموعات من اللصوص يرسلون فرقاً مجهزة بمعدات التنقيب، وأجهزة الكشف عن المعادن والمعاول، لحفر الآثار وبيعها مقابل السلاح.
ويعتقد الخبراء أن ثلث المتاحف في البلاد و 16 موقعاً أثرياً قد نهبت، مما يغذي الاتجار غير المشروع بالقطع الأثرية السورية المسروقة، التي بلغت قيمتها حسب تقدير أحد الخبراء، أكثر من 1.25 مليار جنيه استرليني.
مكتب سجل خسارة الفنون في لندن تلقى تقارير تشير إلى أن ما يصل إلى عشرات القطع الأثرية في السوق البريطانية يشتبه أنه قد تم الاستيلاء عليها من منطقة الحرب السورية. وقال كريستوفر مارينيلو، المدير التنفيذي للمكتب: quot;بعد أن وردتنا هذه المعلومات، نشعر أن سوريا سوف تكون مركزاً لأسوأ عملية نهب نشهدها في أي وقتquot;.
أثناء التحقيق، تحدث مراسل الصحيفة إلى عدة تجار بصفته مهتماً بشراء القطع الأثرية وسألهم عما إذا كانوا يعرفون مكان وجود أي من القطع الأثرية السورية التي سرقت من المواقع الثقافية وتم تهريبها عبر الحدود اللبنانية.
من بين عدد من مهربي الآثار في لبنان، تقدم quot;أبو النورquot; وquot;أبو محمدquot; من المراسل واصطحباه من مخبأ الى آخر، وكانا على اتصال دائم مع المهربين والتجار الآخرين، لشراء quot;السلع غير المشروعة من سورياquot;.
في نهاية المطاف، وصل المراسل إلى كوخ مهجور على مشارف بيروت حيث هبّ عامل سوري لفتح البوابة الحديدية الصدئة. هناك يختبئ تاجر ثالث يطلق على نفسه اسم quot;ابو خالدquot;، وهو حريص على كسب المصداقية في مهنته هذه، إذ سرعان ما يتحدث عن الثلاث سنوات التي قضاها في سجن سوري بتهمة تهريب القطع الأثرية ولكنه عاد الآن للعمل مع شبكة من السوريين تزوده بالآثار المسروقة.
كشف أبو خالد غطاءً على الأرض لتظهر تحته ثمانية تماثيل نصفية منحوتة، تم تثبيت وجهها لأسفل. وقال الرجل وهو يقلبها ليراها المشتري إنها quot;جاءت من أحد المعابد في تدمرquot;، مشيراً إلى أنه عمل على تهريبها عبر معبر العبودية ndash; الدبوسية شمالاً وأن أية مشكلة مع مسؤولي الجمارك يتم حلها بـ quot;الرشوةquot;.
وأضاف التاجر: quot;سوريا غنية بالآثار. نجدها عندما نحفر في أي مكان. هذه القطع ملك لسوريا والشعب السوري لذلك فمن حقنا أن نجدها ونبيعها. إنها ملكنا نحن الشعب السوريquot;.
وأشار مراسل الصحيفة أن التاجر عرض عليه مجموعة من الأواني الرومانية الضيقة العنق التي اعتاد الرومان على تخزين الدموع بداخلها ووضعها في المقابر كرمز للاحترام.
في منزل آخر في شاطىء بيروت تاجر أخرج عملات ذهبية ملفوفة في منديل أبيض من جيب سترته. وفي حديقة منزله الخلفية، رفع أغطية بلاستيكية زرقاء تختبئ تحتها منحوتات أنيقة وتماثيل رأسية.
سرعان ما تسببت هذه الصور بضجة بعد أن أرسلتها الصحيفة للخبراء في لندن، إذ تبين لهم أنها آثار تاريخية. وتم التعرف على تماثيل رومانية ومنحوتات من القرن الثاني من تدمر، وفقاً لخبراء من ضمنهم جوناثان توب، مسؤول قسم الشرق الأوسط في المتحف البريطاني، وجوانا فان دير انديه، مستشارة آثار في بونهامز، دار كريستي لمزادات الفنون الجميلة التي اعتبرت أن quot;هذه النتائج محبطة، محزنة ومثيرة للقلقquot;.
ومن غير الواضح ما إذا كان الرجال الذين يرتدون الزي العسكري وينهبون الآثار كما يبدو في الفيديو، تابعين لقوات الرئيس بشار الأسد أو المعارضة، لا سيما وأن هذه المواقع الأثرية تحولت إلى ساحات متنازع عليها في الآونة الأخيرة.
حالياً، يعمل المجلس الدولي للمتاحف على وضع quot;قائمة حمراءquot; للقطع والمواقع الثقافية المعرضة للخطر في سوريا في خطوة لمساعدة وكالات إنفاذ القانون لتحديدها وحمايتها.
وقال أحد المسؤولين في سوريا إن quot;القيمين على المتاحف اضطروا لإخفاء القطع الأثرية الأكثر قيمة في البنوك والأقبيةquot; خوفاً من تعرضها للسرقة والبيع بأبخس الأثمان.