تسرب على مواقع التواصل الاجتماعي شريط مصور لأحد مسؤولي ما يسمى بالمقاومة السورية، وهي مجموعات من شبيحة النظام السوري في منطقة الساحل، يجاهر بتطهير بانياس، ما يعيد إلى الأذهان خريطة تقسيم سوريا، في ظل المعارك التي تحيل حمص أطلالًا، لفتح الطريق بين الساحل العلوي ومنطقة الهرمل الشيعية اللبنانية.


بيروت: مفردات جديدة ظهرت في سوريا خلال اليومين الماضيين، إثر مجزرة البيضا المروعة. فقد لمع نجم ما يسمى بالمقاومة السورية، وذاعت كلمة تطهير، في ما يدل على دخول سوريا وأزمتها الدامية المرحلة الكوسوفية، أي مرحلة التطهير الطائفي. المفردة الأولى، أو المقاومة السورية، فغلب عليها اللبس أولًا، حتى كانت من أعلن شبه المسؤولية عن قتل نحو 800 من المدنيين السنة في بانياس.

البدء بالتطهير

وظهرت الحقيقة أكثر جلاءً في شريط مصور، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، يقدم مسؤولًا في المقاومة السورية، يتباهى بما صنعت يداه في البيضا ورأس النبع في بانياس. وهو استخدم كلمة تطهير أكثر من مرة، في دلالة واضحة على النيات المبيتة لمنطقة الساحل السوري، وفي تبشير دقيق لتقسيم سوريا إلى دويلات صافية طائفيًا، أولها دويلة العلويين في الساحل.

ففي الشريط ضابط رفيع الرتبة، مسؤول عن المقاومة السورية، يتحدث باسمها ويفاخر بمآثرها. يقول: quot;نحن في المقاومة السورية نتميز بقراءتنا السياسية قبل حركتنا العسكريةquot;.

يضيف: quot;بانياس هي المنفذ الوحيد لهؤلاء الخونة على البحر، وجبلة لا يمكن أن تكون ممرا أو مقرا للأعداء (...)، والمفروض آجلًا وعاجلًا تطويق بانياس، وأنا أعني ما أعنيه، والبدء بالتطهير، والمقاومة السورية عنوانها التطهير، ولا يوجد لدينا أي فكر سلطوي أو سياسيquot;.

ويتابع قائلًا إن المقاومة السورية خرجت لمؤازرة الجيش السوري، quot;وتم الانتصار، ونحنا أول من دخل إلى بانياسquot;.

والجدير بالذكر أن هذا الرجل يتحدث بكل طلاقة عما فعلت يداه، وإلى جانبه ثلة من رجال الدين العلويين. وهذا ما أثار حفيظة من شاهد الشريط، إذ عبروا عن سخطهم بشكل طائفي، محملين الأسد وأعوانه مسؤولية وسم الثورة بالسمة الطائفية البغيضة، لإيقاعها في فخ المجازر والمجازر المضادة، على الطريقة اللبنانية.

القصير... بوابة الجيب العلوي

تربط جهات سورية معارضة مجازر التطهير الطائفي المستمرة في الساحل السوري بالمعارك الطاحنة في ريف حمص، وخصوصًا في منطقة القصير، التي تشهد تقدمًا لمقاتلي حزب الله، وكأن مهمتهم ليست حماية الشيعة اللبنانيين في القرى الحدودية، إنما تأمين صلة الوصل بين الساحل السوري العلوي والداخل اللبناني الشيعي، اي وصل اللاذقية وبانياس ببعلبك والهرمل، من خلال تحويل حمص إلى أطلال وأراض محروقة، مكشوفة وساقطة عسكريًا، ومن خلال سيطرة حزب الله على القصير، بوابة الجيب العلوي على مناطق النفوذ الشيعية في لبنان.

إن الارتكاز اليوم على كلمة تطهير، لذا أدام مسؤول المقاومة السورية استخدامها عن قصد، وتظهر واضحة في صور العائلات، والنساء والأطفال القتلى في شوارع وزواريب بانياس، وفي آلاف حملوا ما خف وغلا، وفروا إلى مناطق سنية يحتمون فيها.

ومن يعرف الجغرافيا السياسية السورية، يدرك أن لا قيام لدولة العلويين من دون هذا التطهير، في الساحل السوري بالذات، حيث يتجمع العلويون في منطقة خالصة لهم. ومن هنا، كانت مجزرة البيضا الأكبر حتى الآن، والأكثر وضوحًا، فالقاتل علوي، والقتيل سني، والمنطقة علوية، تؤسس لتكون دولة علوية، إن خضعت دمشق للجيش الحر.

والمجزرة في البيضا غيرها في أي مكان آخر، لأنها في صميم إقليم يريده بشار الأسد مأوى للأقليات، التي تأتيه مدفوعة بهلع من النصرة والاخوان والقاعدة، هلع لم يزرعه إلا الأسد نفسه في قلوب المسيحيين وغيرهم من الأقليات.

حرب استنزاف

من جانبه، يؤكد الجيش الحر أنه يجري استعداداته سريعًا لبدء حرب استنزاف في الساحل، وخصوصًا في منطقة اللاذقية، فيتدرب العناصر تدريبًا مكثفًا في أحد المعسكرات، وسط الجبال والغابات، كما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية.

عناصر الجيش الحر مصممون على خوض هذه المعركة الساحلية وهم يعلمون أن مهمتهم هذه شبه انتحارية، إذ يواجهون نخبة قوات النظام المجهزة بأفضل الاسلحة، التي سحبت من كافة المناطق لتشكل درعًا تتحصن به المنطقة العلوية، والتي تملك السيطرة الجوية الكاملة.

المعركة في هذه المنطقة تدور من قرية إلى أخرى، ومن تلة إلى أخرى، فالنظام يدافع بشراسة عن الساحل المتوسطي، أي الملجأ المحتمل لبشار الأسد وعائلته وقياداته العلوية، في حال سقوط دمشق. والجيش الحر يعتمد تكتيك الهجوم خلسة، على جبهات عدة، لزعزعة مقاومتهم، بسبب التحصينات التي أقامها الجيش النظامي في المنطقة.