الولايات المتحدة مترددة حيال الأزمة السورية، لكن مصادر أميركية تؤكد أن الاتجاه الذي تتخذه هذه الأزمة بعد عامين من اندلاعها يشير إلى أن هذا التردد يزداد كلفة على الادارة الأميركية، وتزداد مخاطر عدم تدخلها في سوريا.


لندن: يحذر معارضو التدخل الاميركي في سوريا من جملة مخاطر تترتب على قيام الولايات المتحدة بمجهود حقيقي لإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد. في مقدمة هذه المخاطر وقوع أسلحة تُقدم إلى مقاتلي المعارضة بأيدي جماعات متطرفة. ويمضون قائلين إن توجيه ضربات جوية اميركية، أو تدخل الولايات المتحدة لفرض منطقة حظر جوي، سيواجَه بدفاعات جوية مكينة، ناهيكم عن أن تدخل الولايات المتحدة يمكن أن يدفع النظام إلى استخدام أسلحة كيميائية.
والأنكى من كل ذلك، بحسب معارضي التدخل، أن تدخل الولايات المتحدة بصورة مباشرة أو حتى غير مباشرة في القتال سيخلق للولايات المتحدة مشكلة اسمها سوريا، وبذلك توريط البلد المنهك اصلًا من الحروب بمهمة شاقة باهظة الكلفة، وقد تكون مستحيلة، لإعادة بناء سوريا من جديد.
هذه كلها اعتراضات جدية، رغم أن مخاطر مثل وقوع السلاح بأيدي جهاديين يمكن تفاديها، في حين أن قوة الدفاعات الجوية للنظام السوري قوة مضخمة ومبالغ بها، كما اظهرت الغارات الاسرائيلية المتكررة. لكن مراقبين يرون أن ما يغفله معارضو التدخل على وجاهة أسبابهم هو المخاطر المترتبة على عدم التدخل.
مخاطر عدم التدخل
السؤال الذي يثيره المراقبون في هذا الشأن هو ما سيحدث في سوريا إذا استمرت إدارة اوباما في سياسة تقديم مساعدات إنسانية ومعونات غير فتاكة، مع الاستمرار في سياسة التفرج من بعيد.
فالسيناريو الأرجح في هذه الحالة هو تفكك سوريا على أسس طائفية، لا سيما أن جبهة النصرة التي ترتبط بتنظيم القاعدة تعزز سيطرتها على رقعة واسعة من شمال شرق سوريا، وأن فلول النظام مدعومين بمقاتلين من حزب الله اللبناني يمكن أن يبسطوا سيطرتهم على الساحل الغربي لسوريا.
ويكاد يكون مؤكدًا أن تمتد الحرب الطائفية إلى العراق ولبنان، كما هو حاصل فعلا إلى حد ما، بحسب صحيفة واشنطن بوست، مضيفة أن ذلك يمكن أن يتسبب بانهيار النظام السياسي الذي أقامته الولايات المتحدة ثم تركته في العراق.
ومع تهاوي النظام السوري من دون تدخل اميركي، ستكون الأسلحة الكيميائية التي تسيطر عليها قوات الأسد الآن نهبًا لجماعات من كل صنف، ما قد يؤدي إلى مزيد من التدخل الاسرائيلي لمنع وقوع هذه الأسلحة بأيدي حزب الله أو تنظيم القاعدة من خلال فرعه السوري.
كما سيزداد الضغط على الاردن، إلى درجة قد لا يتحمل معها ثقل مشكلة اللاجئين السوريين في ارضه. ومن الجائز تمامًا أن تخلص دول مثل السعودية وتركيا، دأبت على مناشدة ادارة اوباما اتخاذ خطوات فاعلة لإنهاء نزيف الدم في سوريا، إلى أن الولايات المتحدة لم تعد قوة يمكن الركون اليها او الوثوق بها، على حد تعبير صحيفة واشنطن بوست.
التقاعس مكلف
يشدد مراقبون على أن أفضل وسيلة لدرء مثل هذه النتائج هي الاسراع إلى تغيير ميزان القوى ضد نظام الأسد. وقد يتطلب ذلك حملة جوية، فضلًا عن تسليح الفصائل الوطنية للمعارضة السورية.
وإذا كُسرت شوكة النظام بصورة حاسمة، فإنها قد تدفع آل الأسد إلى التفاوض بشأن نقل السلطة، كما يطمح وزير الخارجية الاميركي جون كيري. ولكن طالما كانت الإرادة غائبة لاتخاذ مثل هذه الخطوات يبقى النظام على اقتناع بأنه يستطيع الخروج منتصرًا من النزاع، ويبقى طموح كيري وهما بلا اساس. ومع كل شهر يمر، يصبح تفكك سوريا أقرب إلى الواقع.
باختصار، لا مراء في مخاطر التدخل الاميركي. لكن سياسة الادارة الحالية تجاه الأزمة السورية محفوفة بمخاطر حتى اشد جسامة. وقال اوباما الثلاثاء إن مهمته هي أن يحسب باستمرار ما هي الاجراءات التي تخدم مصلحة الولايات المتحدة. وهو ليس حسابًا سهلًا بكل تأكيد.
لكن، على امتداد عامين من استماع اوباما إلى تحذيرات المعارضين لتدخل الولايات المتحدة، تزايدت خطورة الوضع في سوريا على مصالح الولايات المتحدة. والمؤكد اليوم ان لا خيارات سهلة بشأن الأزمة السورية، لكن ما يصبح واضحًا بصورة متزايدة هو أن اكبر خطر يهدد الولايات المتحدة يكمن في التقاعس عن القيام بعمل حاسم لإنهاء نظام الأسد، بحسب واشنطن بوست.