يبدي المغربيون بكل فئاتهم الاجتماعية ومستوياتهم الثقافية اهتمامًا غير مسبوق بالحالة الصحية للرئيس الجزائري، ولعل في تداخل شخصية عبد العزيز بوتفليقة في علاقتها مع المغرب ما يبرر فضول هذا الاهتمام.


يحيى بن الطاهر من الرباط: الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة الذي يشكو مرضًا لاتزال السلطات الرسمية تتكتم عليه، وُلد في مدينة وجدة المغربية التي عاش فيها ردحًا من الزمن، وترك فيها وراءه ذكريات شتى.

وهو الرئيس الذي خيّب الآمال التي كانت لدى المغربيين في أن يحوّل مسار العلاقات المغربية الجزائرية من حالة الاستثناء ليضعها على سكتها الطبيعية.

يرى إعلاميون وباحثون مهتمون بشؤون العلاقات المغربية الجزائرية أن اهتمام المغربيين بصحة بوتفليقة يدخل ضمن الأهمية السياسية والإستراتيجية القصوى، معتقدين أنه ليس هناك من سيكون أكثر تطرفًا من عبد العزيز بوتفليقة تجاه المغرب، على أمل أن يكون الرئيس القادم من الجيل الجديد والمتفتح الذي ينطلق في علاقته مع المغرب من زاوية براغماتية.

صحة الرئيس مهمة

بالنسبة للإعلامي رشيد زمهوط، وهو من مدينة وجدة الحدودية مع الجزائر (500 كلم شرق الرباط)، فإنه يعتبر أن مستجدات الوضع الصحي للرئيس الجزائري تكتسي أهمية سياسية استراتيجية قصوى بالنسبة للمغربيين، ومن جهة الارتباط العاطفي لساكنة مدينة وجدة بالرئيس بوتفليقة.

وأضاف زمهوط لـquot;إيلافquot;: quot; تمثل وجدة مسقط رأسه الطبيعي، على الرغم من أن السيرة الرسمية للرئيس المنشورة بموقع قصر المرادية تحاول متعمدة القفز على هذا المعطى التاريخي الموثق وتتمادى في تجاهلهquot;.

يرى الإعلامي المهتم بشؤون العلاقات المغربية الجزائرية أن حاجة الرأي العام المغربي quot;تبرز عبر تتبع مسارات الغموض الذي يلف الوضع الصحي لبوتفليقة، وتضارب الروايات والمصادر بشأنها إلى ابعاد الصلة الوثيقة بين خلفية الرئيس ومستويات العلاقة بين البلدين الجارين وارتداداتها على ملفي الحدود البرية المشتركة والوحدة الترابية للمملكةquot;.

أضاف: quot;من هذا المنطلق، يمكن الجزم بأن فكّ ألغاز الوضع الصحي لبوتفليقة وهوية خلفه، وطريقة تدبير المؤسسة العسكرية النافذة في مربع السلطة لملف خلافة بوتفليقة، تظل حيثيات تهم جدًا المغاربة حكومة وشعبًاquot;.

فترة بوضياف

يقول الاعلامي زمهوطquot;: quot;تنبني هذه الرؤيا البراغماتية الى كون المغرب استفاد سياسيًا وبشكل واسع من الفترة القصيرة التي أمسك فيها الراحل بوضياف بمقاليد الحكم في الجزائر، والتي شكلت مناسبة عبّر خلالها المسؤول الجزائري المغتال عن رغبته الصادقة والصريحة في تذليل مجموع العقبات التي تقف حجرة عثرة أمام طريق التقارب والتطبيع بين الرباط والجزائر، بما فيها قضايا تمثل حساسية مطلقة بالنسبة لبعض الجنرالات النافذين بالجزائر، والتي تهم النزاع المفتعل في الصحراءquot;.

ويعتقد زمهوط أنه كيفما كانت التقديرات والاحتمالات حول مآلات أزمة الرئاسة الجزائرية وتردد الحكام في حسم ملف خلافة بوتفليقة والإفصاح رسميًا عن حقيقة وضعه الصحي ومدى قدرته على ممارسة مهامه، فإن على المغرب تأسيس حساباته الاستراتيجية والسياسية على طبيعة وهوية خلف بوتفليقة المحتمل أكثر من الحالة الصحية لهذا الأخير التي أضحت تصنف في خانة دبلوماسية التضامن الإنساني.

كاريزما بوتفليقة

من جهة أخرى، يعتقد الباحث في العلاقات الدولية حسن الخطابي، أن هناك نظرتين على طرفي نقيض بالنسبة للحالة الصحية للرئيس بوتفليقة، تختلف بين المغربيين والجزائريين.

وقال الباحث لـquot;إيلافquot;: quot;بالنسبة للجزائريين، فإنهم يتخوفون من وفاة عبد العزيز بوتفليقة، ليس حبًا فيه، ولكن لأنها شخصية استطاعت أن تحقق نوعًا من الأمن في الجزائر، واستطاعت أن تخرجهم من العنف الذي استمر لأكثر من عشر سنوات، حيث عانوا منه الكثير ولا تزال خباياه لم تخرج بعد إلى العلنquot;.

ولا يرى أنه يوجود خلف لبوتفليقة يحظى بنفس المكانة باعتباره quot;من آخر البقايا لزعماء جبهة التحرير الجزائريةquot;، إذ استطاع quot;بشخصيته والكاريزما التي يتمتع بها أن يوازن ما بين طموحات العسكر ومتطلبات المجتمع المدني وهذا النوع من التوازن هو الذي يخاف الجزائريون أن يفقدوه مع وفاتهquot;.

آخر رموز الحرس القديم

يقول الخطابي: quot;يعتبر بوتفليقة من جيل الشخصيات التي لا تزال تحمل عقدة حرب الرمال في العام 1963 التي دارت رحاها بين المغرب والجزائر، وهو الجيل الذي لم يغفر للمغرب هذه الأحداث، ويصرف هذا النوع من الحقد الدفين على المغرب في شكل مواقف متشنجة ومعاكسة لوحدته الترابية، في إشارة إلى النزاع في الصحراء ودعم الجزائر لجبهة البوليساريو نكاية في المغرب.

ويعتقد الخطابي أن ليس هناك من سيكون أكثر تطرفاً من عبد العزيز بوتفليقة تجاه المغرب بالنسبة للمغربيين.

ويأمل الباحث في أن quot;يكون الرئيس الجزائري القادم من الجيل الأصغر سنًا والمتفتح والذي ينطلق في علاقته مع المغرب من زاوية براغماتية وبناء المغرب العربي. وقد يكون هذا الرئيس القادم أقرب إلى شخصية محمد السادس سواء من حيث السن أو من حيث النظرة المؤسسة على البراغماتية وعلى إعطاء الأولوية للاقتصاد على الحساسيات السياسية القديمة التي تعرقل بناء المغرب العربي.

وقال: quot;بالنسبة لحكام الجزائر، كلما تخلص من مسرح السياسة جيل قديم ستكون الأمور أحسن بالنسبة للعلاقة مع المغرب.quot;

بوتفليقة quot;المغربيquot; وعبد القادر لماني

في الثاني من مارس/آذار 1937 ولد الصبي بوتفليقة في مدينة وجدة، وفيها تلقى تعليمه، ومنها أيضًا انخرط في جبهة التحرير الوطني الجزائرية التي كانت قد أعلنت الكفاح المسلح في الفاتح من نوفمبر/تشرين الأول 1954، تحت الاسم الحركي عبد القادر لماني.

ولا يزال منزل أسرته كائنًا بهذه المدينة الحدودية المغربية، كماما زال أصدقاؤه ممن هم على قيد الحياة يتذكرون بوتفليقة الذي عاش فترة من حياته فيها.