لم تعر حركة النهضة الاسلامية في تونس الاهتمام الكافي لظاهرة انتشار التطرّف، فوجدت نفسها في مواجهة جماعات جهادية خزنت السلاح واستعدّت لحرب طويلة لفرض قناعاتها المتشددة باستعمال العنف.
مجدي الورفلّي من تونس: أضحى الخطر الإرهابي وانتشار الأسلحة لدى الأوساط المتشدّدة دينيّا كابوس التونسيّين، حكومة ومعارضة وشعبا، فبعد التصاعد التّدريجي لأعمال العنف ووتيرة اكتشاف مخازن الأسلحة، وأخيرا مثّلت أحداث جبل الشعانبي ناقوس إنذار قوي أعلن عن نهاية ما تصفه المعارضة بتراخي الحكومة ومن ورائها حركة النهضة في التصدّي للمتشدّدين دينيّا والاعتراف بكونهم يمثّلون خطرا على أمن البلاد.
أكّد متابعون ومختصّون في الحركات الإسلاميّة أن المجموعات المتشدّدة في تونس تستعدّ لخوض حرب ضد الدّولة وأجهزتها، بعد أن كان كثيرون يجزمون بأن تونس لا تمثّل إلّا نقطة عبور للأسلحة، فيما اعترفت الحكومة ومكوّناتها الحزبيّة، خاصّة حركة النّهضة الإسلاميّة، بجدّيّة الخطر الإرهابي متراجعة عن استراتيجيّة اتهام كل من يثير موضوع خطر التّشدّد الديني والإرهاب بـquot;محاولة تعكير أمن البلاد وتعطيل عمل الحكومةquot;.
مخازن السلاح
أكدت الحكومة في عدة مناسبات اكتشاف مخازن للأسلحة بمناطق متفرّقة من البلاد أضخمها كانت بمنطقة المنيهلة في العاصمة وفي محافظة مدنين (على الحدود مع ليبيا)، حيث تمّ حجز صواريخ روسية وقذائف وألغام وقنابل يدوية وأسلحة رشاشة.
كشفت وزارة الداخلية التونسية مؤخرا عن وجود عناصر من تنظيم أنصار الشريعة السلفي المتطرّف ضمن مجموعة ارهابية مسلحة مرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، متحصنة منذ كانون الاول/ديسمبر 2012 في جبل الشعانبي في محافظة القصرين (شمال غرب)، على الحدود مع الجزائر.
وقتلت هذه المجموعة في 10 كانون الاول/ديسمبر 2012 عنصرًا في جهاز الحرس الوطني (الدرك)، فيما أصيب 10 من عناصر الحرس الوطني (3 بترت ارجلهم، وآخر أصيب بالعمى)، و6 من الجيش (اثنان بترت ارجلهما) في انفجار 4 الغام تقليدية الصنع زرعتها المجموعة في جبل الشعانبي.
وأعلن الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية ان السلطات اعتقلت بين 10 كانون الاول/ديسمبر 2012 و29 أيار/مايو الماضي 45 تونسيا مرتبطين بمجموعة الشعانبي. وفي 8 ايار/مايو الماضي، أكّد وزير الداخلية لطفي بن جدو ان هذه المجموعة تفرّعت عنها مجموعة أخرى متحصنة في جبال الكاف.
تنسيق واستعداد
يؤكد محمد القوماني المختص في التنظيمات الإسلاميّة لـquot;إيلافquot; أنّ تونس واقعة تحت خطر الإرهاب قبل الثورة، ولكنّه اشتد بعدها بسبب الأوضاع الخاصة التي عاشتها المنطقة من الثورة الليبية والانتشار المكثّف للأسلحة بها، والأوضاع في مالي، إلى الهشاشة الأمنيّة التي عرفتها البلاد ما سمح بانتشار كبير للأسلحة، أثبتته المواجهات المسلّحة العديدة بين المتشدّدين ورجال الامن والجيش.
يعتبر القوماني أن الاغتيال السياسي الذي استهدف اليساري شكري بلعيد واكتشاف عشرات مخابئ الأسلحة واخيرا احداث الشعانبي، كلها مؤشّرات، تجعل التهديد الإرهابي في تونس محدقا وحقيقيا ولابدّ من أخذه على محمل الجدّ والصّرامة.
ليست أرض عبور فحسب
يؤكّد محمد القوماني أن تونس لا تمثّل أرض عبور للأسلحة مثلما ذهبت أغلب التحليلات في السّابق باعتبار حصول عمليّات ميدانيّة في تونس منذ 2006 في ما يعرف بأحداث سليمان، مشيرا إلى أن الفكر الإرهابي لا يستثني أي منطقة ويمكن أن يتوجّه إلى أي نظام ويكفّره ويصفه بquot;الطّاغوتيquot; وبناء على هذا الفكر المتشدّد وتداعياته يتمّ تبرير حمل السلاح ضد الدّولة والمرور إلى الجانب العمليّاتي للفكر عبر تنفيذ عمليّات إرهابيّة.
ويقول المختصّ في التنظيمات الإسلاميّة: quot;تونس لم تتعرّض إلى الساعة لهجمات إرهابيّة مخطّطة ولكن المؤشّرات على الاستعدادات لمواجهة مؤسّسات الدولة تتزايد منها المعسكرات في الجبال ومخازن الأدوية والأسلحة الثقيلة التي يمكن ان تسقط طائراتquot;.
وحسب القوماني، فإن المجموعات السلفيّة التي تتبنّى الجهاد في تونس تتحرّك بالتّنسيق مع التّنظيمات الإرهابيّة في كل من مالي والجزائر وليبيا ولم تنتقل بعد إلى مرحلة التنفيذ إذ لا تزال تقوم بتخزين الأسلحة والأدوية.
ضرورة التنسيق
ناجي الجلّولي، أستاذ الحضارة الإسلاميّة في الجامعة التونسيّة وهو مختص بدوره في الحركات الإسلاميّة يؤكد لـquot;إيلافquot; أن الاوضاع يمكن أن تتفجّر بشكل أوضح، إن لم يتمّ احتواء خطر الارهاب بسرعة خاصّة عبر التنسيق بين السلطات التونسيّة والجزائريّة.
يتّفق الجلّولي مع القوماني بخصوص التنسيق بين التّنظيمات الإرهابيّة في تونس والجزائر وليبيا ومالي واستعدادها للتّمرّد المسلّح على الدّولة، ويقول: quot;منذ اكتشاف مخزن الأسلحة في محافظة مدنين تبيّن أن هناك تنسيقا محكما بين المجموعات الإرهابيّة في كل من تونس والجزائر ومالي وليبيا والأخطر هو تعامل هذه المجموعات، خاصّة في مالي، مع شبكات التهريب في أميركا الجنوبيّة عبر مقايضة المخدّرات بالأدوية والسلاح.. كل هذه المؤشرات تدل على أن السلفيّة الجهاديّة تستعد لإعلان الحرب في تونس والمنطقة عموماquot;.
حرب أهليّة
لا يستبعد أستاذ الحضارة الإسلاميّة في الجامعة التونسيّة ناجي الجلولي أن يؤول الأمر إلى حرب أهليّة، ويقول quot;الحروب الأهليّة والفوضى الإرهابيّة تبدأ بتصفية جسديّة واحدة، ونحن في تونس شهدنا عملّيات قتل عديدة، منها اغتيال شكري بلعيد وإقامة الحدّ على ضابط شرطة إضافة إلى تشكيل شرطة سلفيّةquot;.
وأقام سلفيّان متشدّدان في ماي/مايو الماضي quot;الحدquot; على ضابط شرطة في أحد ضواحي العاصمة بعد اشتباههما بكونه في حالة سكر.
ونشرت الوزارة الداخلية الأسبوع الماضي على صفحتها الرسمية على فايسبوك صور نحو 40 تونسيًا، قالت انهم من العناصر الارهابية المفتش عنهم من بينهم ابو عياض، وكمال القضقاضي (34 عاما)، المتهم الرئيس في اغتيال المعارض اليساري البارز شكري بلعيد في 6 شباط/فبراير 2013 ، إضافة إلى أسماء 6 quot;ارهابيين جزائريينquot; مرتبطين بمجموعة الشعانبي مشيرة الى التنسيق مع السلطات الجزائرية للقبض عليهم.
ويذكر أنّ 11 تونسيّا كانوا من بين منفّذي عمليّة اختطاف الرهائن في موقع عين أميناس لإنتاج الغاز في الجزائر.
التراخي فجّر الوضع
يرى ناجي الجلّولي أن quot;الحكومة أضاعت الوقت وتغافلت عن التّنسيق خاصة مع الجزائر بحكم تنقّل الحركات الجهاديّة بين البلدين، خاصّة أن هذه التنظيمات تمتلك قوّة تنظيميّة محكمة إضافة إلى أن عدد المتمرّسين على القتال فيهم يقارب الألف جهادي قاتل في دول كأفغانستان والعراق والشيشان ما يجعل القبض عليهم صعبا.
من جانبه يقول محمد القوماني: quot;حصل إبان الثّورة نوع من التساهل وعدم إيلاء التهديد الإرهابي الجدّية التي يقتضيها، وإن صح التعبير كان هناك تعامل غير مناسب مع من ينتحلون صفة الدّولة (شرطة سلفيّة، منع تظاهرات فنيّة...) ما جعل الخطاب التكفيري يصبح أكثر عنفا، ومثّلت سياسة الحكومة بشكل ما تشجيعا غير مباشر على تهيئة الأرضيّة المناسبة لانتشار الفكر الإرهابي وتبعاته من تخزين للأسلحة والأدوية إضافة إلى هشاشة أجهزة الدولة خلال السنة التي تلت سقوط نظام بن عليquot;.
يذكر أنه بالتّوازي مع الاعتراف بجدّية الخطر الإرهابي غيّرت حركة النّهضة الإسلاميّة، التي تقود الائتلاف الحاكم، موقفها من التيّار السلفي المتطرّف وصعّدت من لهجتها تجاهه، ما أثار سخط بعض القيادات المتشددّة بداخلها.
ازدراء العامل الديني
يرجع القوماني تصاعد التشدد الدّيني في تونس إلى ما وصفه بالخطابات المعادية للتيّارات الإسلاميّة قائلا quot;الازدراء لأهميّة العنصر الدّيني في المجتمع التونسي من طرف بعض التيّارات الإيديولوجية الاخرى، إضافة إلى تحدّيهم للخصوصيّة الدينيّة الثقافيّة للمجتمع خلق ردّة فعل عكسيّة زادت من تطرّف المجموعات المتشدّدة نظرا لإحساسهم بالخطرquot;.
يضيف: quot;هذه المخاطر تتزايد كلّما كثر الحديث عن أن البلاد يمكن ان تقع مجدّدا تحت طائلة العلمانيّين، الذين يمكن ان يعلنوا الحرب على التيّارات الإسلاميّة ويعيدوها إلى السجون، وهذه الفكرة منتشرة جدا في تونس وتجعل العديد من المتشدّدين يستعدّون لحرب قادمة وهناك أيضا مجموعات أخرى تؤمن باستعمال السلاح لتحكيم الشريعة في المجتمع، وعمليّا ليس له أي حل لفرض رؤيته سوى العنف خاصّة انه يكفّر السلطة الحاكمة بما فيها حركة النّهضة الإسلاميّةquot;.
وأبدى خشيته من إعادة إحياء سياسة بن علي في مواجهة الإرهاب قائلا: quot;أخشى ان تُغيّر أجندة الدولة بعلّة مكافحة الإرهاب، باستعمال سياسة بن علي، على حساب الانتقال الديمقراطي والتنمية ويتمّ انتهاك حقوق الإنسان وأن يتم الخلط بين مواجهة الإرهاب والصّراع مع التيّارات الدينيّة المحافظةما يمكن ان يوسّع دائرة الإرهابquot;.
نقص التجهيزات عائق
مع تفجّر الوضع في تونس وتطوّر العنف السّلفي إلى أن بلغ استعمال السلاح والألغام، ما أسفر عن وفاة وإصابات عديدة في صفوف الأمنيّين والعسكريّين مردّه حسب مختصّين ونقابات أمنيّة نقص التّجهيزات، تصاعدت الأصوات من داخل المؤسسة الأمنيّة بضرورة توفير الظّروف الكفيلة لقيام رجال الأمن بدورهم في وضع يوصف بالدّقيق والصّعب.
النّاطق الرسمي باسم نقابة قوّات الأمن الدّاخلي شكري حمادة قال لـquot;إيلافquot;: quot;كما رأيتم عون الأمن يضطر لالتقاط الحجارة للدفاع عن نفسه كم من عون توفّي وكم من ساق بُترت بسبب نقص المعدّات، ورغم ذلك عون الأمن التونسي لا يزال يضحّي بنفسه في سبيل أمن البلادquot;.
وأشار إلى أن نقابة الأمن الداخلي نادت منذ عامين بتوفير الظروف والوسائل اللازمة لعون الأمن والكفيلة بتمكينه من القيام بواجبه في حفظ أمن واستقرار البلاد.
وتابع حمادة: quot;بعد الثّورة توسّع مجال الحرّيات وهذا إيجابي لكن في المقابل تطوّرت الجريمة وأصبح عون الأمن في مواجهة مسلّحين، وبالتّالي يجب توفير الآليّات اللوجيستيّة والقانونيّة التي تعطي لعون الأمن فسحة أكبر للقيام بواجبه والتدخّل مباشرة في إطار احترام حقوق الإنسان والحرّياتquot;.
وشهدت تونس بعد ثورة 14جانفي عدّة اشتباكات مسلحة بين قوات الأمن ومسلحين يشتبه في انتمائهم إلى تيار ديني متشدد في منطقة الروحية بسليانة وبئر علي بن خليفة بصفاقس والقصرين وجندوبة وغيرها.
التعليقات