تشير الكثير من الشواهد والتقديرات إلى أن نفوذ الولايات المتحدة الأميركية انحسر خارجياً في السنوات الأخيرة بفعل السياسة التي ينتهجها الرئيس باراك أوباما.


يرى مراقبون أن قضية المسرب ادورد سنودن واقعة أخرى، تشير إلى أن نفوذ إدارة اوباما يزداد تضاؤلاً في مجال السياسة الخارجية. فعندما سمعت واشنطن أن سنودن غادر هونغ كونغ إلى موسكو طلبت من السلطات الروسية منعه من مواصلة السفر إلى الإكوادور واعتقاله بعد صدور قرار ظني يتهمه بالتجسس.
ولكن المتحدث باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكد أن حكومته غير قادرة على توقيف سنودن. وقال المتحدث الرئاسي ديمتري بيسكوف إن عمله quot;ليس الموافقة على إصدار تذاكر السفر أو منع إصدارهاquot;.
فشل سياسة اوباما
وعندما كان سنودن في هونغ كونغ رفض مسؤولوها طلب الولايات المتحدة إلقاء القبض عليه قائلين إن الطلب quot;لا يستوفي كل المستلزمات القانونية بموجب قانون هونغ كونغquot;. ويُلاحظ أن سنودن كان في بيت آمن وفرته له الحكومة الصينية قبل أن تعطي بكين أوامرها بتجاهل الطلب الأميركي والسماح له بالرحيل.
ونقلت وكالة رويترز عن البرت هو عضو المجلس التشريعي لمقاطعة هونغ كونغ قوله quot;لم يكن لحكومة هونغ كونغ دور يُذكر بل كان دورها تلقي تعليمات بعدم منعه من السفر في المطارquot;.
في غضون ذلك، أفادت تقارير ان سنودن قد يكون في طريقه إلى العاصمة الكوبية هافانا أو الفنزويلية كراكاس أو الاكوادورية كيتو. وأشار مراقبون إلى أن طريقة موسكو وبكين في التعامل مع طلبات الولايات المتحدة بشأن سنودن تؤكد فشل سياسة الرئيس اوباما في إعادة بناء العلاقات مع روسيا أو غزله مع الرئيس الصين شو جينغبنغ في وقت سابق من هذا الشهر في كاليفورنيا.
quot;عصر العجزquot;
ولكن أياً يكن المآل الذي سينتهي اليه سنودن فان قضيته تبين أننا نعيش في quot;عصر العجز الأميركيquot;، على حد تعبير صحيفة وول ستريت جورنال مضيفة أن ادارة اوباما قررت أن تبقى بعيدة عن التورط في قضايا شائكة على الساحة الدولية ثم تُفاجأ حين تجد أن نفوذها الخارجي آخذ في الانحسار.
وفي هذا الإطار يُنظر إلى المغزى الأعمق للفضيحة الدبلوماسية التي انفجرت الأسبوع الماضي بالارتباط مع المكتب الذي فتحته حركة طالبان في العاصمة القطرية الدوحة. إذ فُتح المكتب باسم إمارة أفغانستان الإسلامية، الاسم الذي اختاره الملا عمر لنظامه في كابل قبل إسقاطه بالاجتياح الأميركي عام 2001. ورد الرئيس الأفغاني على رضوخ الولايات المتحدة لمشيئة طالبان بتعليق المفاوضات مع واشنطن حول التعاون الأمني بعد رحيل القوات الأميركية عام 2014.
الملا عمر فرض شروطه
والآن تجد الولايات المتحدة نفسها في موقف يثير الاستغراب والتساؤل. فإن إدارة اوباما لكي تنال موافقة طالبان على الجلوس إلى طاولة المفاوضات في عملية سلام محفوفة بالمطبات وافقت، بدفع من باكستان، على مجيء الملا عمر إلى طاولة المفاوضات بشروطه هو متمثلة في رفضه قبول الدستور الأفغاني ورفضه وقف إطلاق النار مع قوات التحالف الدولي ورفضه حتى إعطاء تعهد رسمي بألا يسمح مرة أخرى باستخدام أراضي أفغانستان ملاذا للإرهاب الدولي.
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مصادر باكستانية أن الولايات المتحدة وافقت أيضا على حجز مقعد حول طاولة المفاوضات لشبكة حقاني الإرهابية التي من عملياتها فرض حصار على السفارة الأميركية في كابل عام 2011.
وبعد إضفاء الشرعية على شبكة حقاني وإعطاء طالبان كل ما أرادته دون مقابل وجدت الولايات المتحدة نفسها مغضوبا عليها ومرمى انتقادات لاذعة من الحكومة الأفغانية الحليفة على ما يُفترض. وغني عن القول إن كابل تستطيع دائما التوجه إلى إيران للاستعاضة عن الشريك الأميركي. والمحصلة هي لا سلام ولا عملية سلام ولا حليف ولا أداة ضغط، كل ذلك بضربة واحدة، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال قائلة إن وزير الخارجية بدأ بداية لا يُحسد عليها.
ويرى محللون أن ما حدث في أفغانستان يندرج ضمن سياق أوسع واتجاه عام في السياسة الخارجية الأميركية. ففي العراق تنازلت إدارة اوباما عن كل ما لديها من أوراق ثم تُفاجأ حين يرفض رئيس الوزراء نوري المالكي أن يحرك ساكنا لمنع طائرات الشحن الإيرانية من رفد جيش بشار الأسد بالسلاح عبر الأجواء العراقية. وفي سوريا أمضت إدارة اوباما عامين تتفرج على انزلاق النزاع إلى حرب أهلية فأوجدت فراغا تملأه الآن إيران وروسيا وحزب الله.
إيران مطمئنة
وفي إيران أوقفت طهران لفترة وجيزة برنامجها النووي التسلحي السري عام 2003 وعلقت أنشطة تخصيب اليورانيوم لبضعة أشهر. ولكن منذ ذلك الحين باءت بالفشل كل محاولات الولايات المتحدة لوقف تقدم إيران نحو امتلاك سلاح نووي.
ويرى محللون أن السبب قد يكون قناعة راسخة لدى طهران بأن التعامل مع إدارة اوباما بازدراء لا يكلفها إثمانا باهظة. وبعد أن كان شعار القيادة الإيرانية في عهد الرئيس كارتر quot;أن أميركا لا تستطيع أن تفعل شيئا ضدناquot; أصبح شعارها في عهد الرئيس اوباما quot;أن أميركا لن تفعل شيئا ضدناquot;، كما ترى صحيفة وول ستريت جورنال.
حين سُئل وزير الخارجية الأميركي جون كيري في الهند عما يعنيه سماح موسكو للمسرب سنودن بالهروب أجاب quot;انه مخيب للآمالquot;. وأضاف quot;سيكون هناك بلا أدنى ريب بعض التأثير في العلاقة وستكون هناك عواقبquot;. بكلمات أخرى أن موسكو ستواصل عمل ما تراه في مصلحتها بصرف النظر عن رأي واشنطن.