يبدو حي الخالدية في مدينة حمص الذي استعادته القوات النظامية السورية من مقاتلي المعارضة قبل أيام، كمنطقة سحقت بين فكي كماشة لم يترك فيها سوى مبانٍ سويت بالارض وأشجار مقطعة وفجوات كبيرة في مسجد الصحابي خالد بن الوليد.


حمص: بعد مركة طاحنة لا رحمة فيها، استعادت القوات النظامية حي الخالديةالمحوري في شمال مدينة حمص التي يعدها الناشطون المعارضون quot;عاصمة الثورةquot; ضد نظام الرئيس بشار الاسد، وذلك بعدما بقي في أيدي المعارضة لما يقرب من عامين.

ويحمل هذا الحي اليوم ندوب ساحة المعركة التي لم توفر شظاياها أي شقة أو منزل. وقطعت بعض الشوارع في الحي بسواتر ترابية وركام رفع عليه غطاء كبير معلق بين شرفتين، وهي الطريقة التي يعتمدها المقاتلون من الطرفين لتفادي رصاص القنص القادم من الجهة الاخرى.

ويقول ضابط برتبة مقدم في القوات النظامية quot;هذه هي الطريقة التي مكنتنا من التقدمquot;. ويضيف هذا الضابط الذي يتولى قيادة القطاع ويرفض كشف اسمه quot;رفعنا هذه الاغطية لنحمي أنفسنا من الرصاص الذي يطلق علينا من الابنية. لولا وجود القناصة والكمائن المفخخة، لتمكنا من التقدم بسرعة اكبرquot;.

يتابع وهو جالس الى كرسي بالقرب من quot;مقر القيادةquot; في أحد أزقة الحي: quot;الخالدية بات تحت سيطرتنا الكاملة، ونحن نظفناه في شكل تامquot;. لكن المناطق المحيطة بالحي لا تزال تحت سيطرة مقاتلي المعارضة، ومنهم قناصة متمركزون في حي الحميدية الواقع الى الجنوب من الخالدية، ما يعيق حتى الآن الدخول الى مسجد الصحابي خالد بن الوليد.

وتبدو آثار عمليات القصف واضحة على هذا المسجد ذي الهندسة المملوكية والحجارة البيضاء والسوداء، والذي شكل أحد رموز الاحتجاجات ضد النظام لا سيما في التظاهرات التي كانت تخرج منه بعد صلاة الجمعة.

وبفوارق زمنية متقاربة، يمكن سماع اصوات رصاص القنص الذي يطلقه مقاتلو المعارضة، قبل أن ترد عليه القوات النظامية باستخدام رشاشات ثقيلة من نوع quot;دوشكاquot;. وبينما استخدم الجيش السوري سلاح المدفعية والطيران في دك الحي، عمد المقاتلون الى استحداث فتحات في جدران المباني للتنقل، كما حفروا انفاقًا للتمكن من الالتفاف على الجنود المتقدمين ومباغتتهم من الخلف.

ولم يوفر المتقاتلون شيئاً في دربهم: في الصيدلية لم يبقَ سوى الرفوف، في متجر السمانة يمكن رؤية براد للمشروبات الغازية ملقى على الارض، في ورشة النجارة حطمت الطاولات الخشبية، في محل الاقمشة رميت اللفافات على الارض. اما المنازل، فقد حطمت أبوابها الخشبية وتم الدوس على الملابس في الارض وحطمت ادراج الخزائن.

ويروي احد الضباط: quot;تقاتلنا من شارع الى شارع، ومبنى الى مبنى، وطبقة الى طبقة... وفي بعض الاحيان دارت الاشتباكات بالسلاح الابيضquot;. يضيف quot;كنّا قريبين من اعدائنا الى درجة كنا نتمكن فيها من سماع احاديثهم. كنا نطلب منهم الاستسلام، ولكنهم يرفضون ويرددون عبارات ذات طابع اسلاميquot;.

ويقول هذا الضابط إن quot;40 في المئة من المقاتلين كانوا من الاجانبquot;، مشيراً الى أن النسبة كانت تختلف من قطاع الى آخر في الحي quot;احياناً تكون اعلى من ذلك بعض الشيء، واحيانًا اقل، لكننا كنا نتعرف اليهم من خلال لكنتهمquot;.

وتعد استعادة السيطرة على الخالدية الاختراق العسكري الثاني الذي تحققه القوات النظامية السورية خلال الشهرين الماضيين، بعد سيطرتها في الخامس من حزيران/يونيو الماضي على منطقة القصير الاستراتيجية في ريف حمص.

ويقول المقدم السوري إن quot;معركة الخالدية كانت أقسى من القصير، لأن الشوارع ضيقة جداً، وخصوصًا أن المباني اكثر ارتفاعًاquot;. وفي زيارته الاولى الى الحي بعد استعادة السيطرة عليه، ابدى محافظ حمص طلال البرازي ذهوله من حجم الدمار.

وقال لوكالة فرانس برس quot;لم أتخيّل أن الدمار سيكون بهذا الحجم. الارهابيون (في اشارة الى مقاتلي المعارضة) دمروا البشر والحجر. لكننا سنعيد اعمار كل شيء، ما إن نقضي على الارهابيين الذين يطلقون النار في المناطق المحيطةquot;.

والى جانب المحافظ، كان وزير المصالحة الوطنية علي حيدر يتفقد الحي. وقال لفرانس برس quot;ما أراه رهيبquot;. اضاف: quot;لكن رغم كل هذا الدمار، سوريا ستخرج من هذا النزاع عبر المسار السياسي. لا حل سوى المصالحة الوطنيةquot;.

من جهته، يقول الناشط في المدينة يزن الحمصي، والذي بقي في الخالدية حتى اللحظات الاخيرة قبل الانتقال الى حي آخر، لفرانس برس عبر الانترنت، quot;اكيد أن الناس تعبوا لأنهم بعد كل هذا الوقت خسروا حارتهم ومنطقتهمquot;. اضاف: quot;لكن هذا لا يعني أن الثورة خسرت (...) نحن لن نترك المنطقة المحاصرةquot;، في اشارة الى احياء حمص القديمة، آخر معاقل المعارضين في مدينة حمص.