في الوقت الذي يتداول فيه العراقيون أحاديث وداع شهر رمضان وتبادل تهاني عيد الفطر، فإنهم يبذلون قصارى جهدهم للحفاظ على رباطة جأشهم، والصبر على أعمال التفجيرات والقتل التي تروّعهم يوميًا، وتحصد أرواح الكثيرين.


وسيم باسم من بغداد: تمتزج فرحة عيد الفطر في العراق مع مرارة الواقع الناجمة من الاضطراب الأمني ونقص الخدمات. فيقول محمد البهادلي (إعلامي) إن صبر العراقيين صار أقل، مقارنة بالسنوات الماضية، كما إن فرحتهم بالعيد أصبحت ممزوجة بطعم المرارة، بسبب اليأس، الذي يتخلل حياتهم، مؤكدًا أن quot;الوعود الكاذبةquot; وفساد المسؤولين، الذي أصبح سمة الحياة في العراق، يعكر مزاج الإنسان العراقي، ويجعله عصبي المزاج وحادًا حتى في أوقات المناسبات المفرحة والأعياد.

ثماني سيارات مفخخة
وشهد الثلاثاء الماضي مع نهاية شهر رمضان مقتل 47 شخصًا، كما أصيب العشرات بجروح، في هجمات متفرقة نتيجة انفجار ثماني سيارات مفخخة لدى موعد الإفطار، رغم الإجراءات الأمنية المشددة، التي اتخذتها القوات الأمنية في العاصمة استعدادًا لعيد الفطر.

لكن الآباء يسعون إلى إخفاء مخاوفهم عن الأطفال، عبر مساعدتهم على قضاء أوقات ممتعة في زيارة المتنزهات ومدن الألعاب وصعود العربات التي تجرّها الخيول، والتجوّل في quot;الستوتةquot; بيت الأحياء. وفي مدينة الشعب في بغداد، التي لم تكن طيلة الفترة الماضية، في منأى عن التفجيرات، يشير كريم الساعدي إلى بقايا سيارات مفخخة في الشوارع هنا وهناك، كشاهد على العنف الذي يضرب المدينة بين الفينة والأخرى.

وفي الوقت الذي تقطع فيه السيارة التي نستقلها الشوارع، فإن منظر اليافطات السوداء، التي تنعي ضحايا التفجيرات، لا تغفلها العين لكثرتها. ويقول الساعدي إن ارتداء اللباس الأسود متوقع في أي لحظة بالنسبة إلى مواطني المدينة، لأنك لا تعرف متى تنفجر المفخخة.

ورغم القلق، تحرص العائلات العراقية في أول أيام العيد على إعداد وجبات الأكل في أجواء احتفالية، يتجمع فيها أبناء العائلة الواحدة أو المحلة، لكن أحاديث الهمّ الأمني لا تغيب عنها.

مفخخات وأحزمة ناسفة
وكإجراء احترازي، أوصى الساعدي أطفاله بالحذر خلال أيام العيد، وعدم الذهاب إلى أبعد من الأهداف والأماكن التي حددها لهم، بعدما كثرت المفخخات والأحزمة الناسفة التي تستهدف التجمعات المدنية. ويقف الساعدي بالقرب من رصيف متصدّع ولوحة ملونة تشير إلى أسماء ضحايا سقطوا في هذا المكان في العام الماضي، بعدما نجحت سيارة مفخخة من الوصول إلى السوق الشعبية.

وفي وقت يُلقي فيه الساعدي مسؤولية أي خرق متوقع في أيام العيد على الأجهزة الأمنية الفاسدة، فإن ابن أخيه قيس الساعدي يتوقع مثل هذه التفجيرات، بعدما تكررّت الحوادث بشكل متشابه في الأعوام السابقة، وتسببت بفقدان ثقة المواطن بنفسه وبالسلطات السياسية والأمنية على حد سواء.

يقول الساعدي quot;ليس أمام الناس سوى هذا الخيار، وهو الصبر والتنديدquot;. ويشهد العراق موجة عنف متصاعدة، حيث قتل في الأشهر الأربعة الأخيرة أكثر من 3500 شخص، بحسب أرقام الأمم المتحدة. وخلال الشهر الماضي وحده، قتل نحو ألف شخص في أعمال العنف اليومية، وهو أعلى معدل ضحايا في شهر واحد منذ نيسان (إبريل) العام 2008.

تهنئة بالعيد
وفي مدينة الحرية في بغداد، التي كانت مسرحًا لأعمال قتل وتفجيرات طيلة الفترة الماضية، لاسيما في رمضان، تقول الباحثة الاجتماعية رسالة عليوي: quot;إن هناك حزنًا عراقيًا مشتركًا يخيّم على الجميع، والعراقيون يتبادلون رسائل التهنئة بالعيد وسط مخاوف أمنية وكآبة صارت تخيّم على الكثيرينquot;.

تتكلم عليوي عن العشرات من الأرامل ممن فقدن أزواجهن، واللواتي يمثلن حالة خاصة في العيد، لاسيما أنهن من دون عمل يوفر لقمة عيش لأطفالهن.

إحداهن أم تحسين، أم لخمسة أطفال، وفقدت زوجها في العام الماضي، في انفجار مفخخة، حيث تقول: منذ فقدت الزوج أصبت بدوار في الرأس واكتئاب حاد وعدم القدرة على التواصل مع الآخرين. وتعترف عليوي أن هذا العيد يحل والعراقي أقل ثقة في قدرة الجهات الأمنية على القضاء على الإرهاب، مشيرة إلى أن الإرهاب يتصاعد في ظل تزايد حالات الفساد.

وتضاعف عدد العراقيين المحتجين على سياسات الحكومة العاجزة عن توفير الحماية الأمنية لهم مع تزايد أعداد التفجيرات في الأشهر الأربعة الماضية. ويذهب بائع كماليات سالم عبيد إلى أن الحركة الشرائية لشراء ملابس العيد أقل من السنوات الماضية، مرجعًا أسباب ذلك إلى التدهور الأمني طيلة أيام رمضان. وبحسب سالم، فإن الناس تتخوف من أن تُستغل فرحة الناس بالعيد، عبر تنفيذ عدد من التفجيرات الأمنية، لإيقاع أكبر قدر من الضحايا، مشيرًا إلى أن ذلك واضح في الأحاديث اليومية المتبادلة.

يكشف عبيد عن أن ارتفاع أسعار الملابس ومستلزمات العيد وارتفاع أسعار الإيجارات والنقص في الخدمات العامة، مثل الكهرباء والنقل والمستشفيات، هو حديث يومي، لكن يطغى عليه الهمّ الأمني، بعدما شهد رمضان أعمال عنف دامية.

بقايا المفخخات المتفجرة لعب للأطفال
وفي الوقت الذي لا يعبأ فيه الأطفال لما يحدث، إلا أنهم يتحسسون الهمّ الكبير واليأس على محيا الكبار، بل إن في مدينة مثل جبلة شمال بابل (100 كم جنوب بغداد) التي يسكنها خليط طائفي، وشهدت الكثير من أعمال التفجير طيلة السنوات الماضية، لاسيما في شهر رمضان من هذا العام، يلعب أطفال في بقايا سيارات مفخخة، اتخذوا منها مكانًا للهو، لتذوب الحدود الفاصلة بين مخلفات الحرب ووسائل المتعة اليومية للأطفال، مثل دولاب الهواء و(الفرارات) و(المراجيح).

لكن (جبلة) التي هي أقرب إلى القرية منها إلى المدينة تعدّ مثالًا على روح التحدي للإرهاب والطائفية، حيث يجتمع العشائر في (مضيف)، ويتوافد الجميع لتبادل التحية مع أبناء العمومة والأقارب وإلقاء التحية على رئيس العشيرة.

لكن (الثقل) العشائري لا يكفي، بحسب الشيخ رحيم داود، لوضع حد للأعمال الإرهابية، ولا بد من تعاون المؤسسات الأمنية مع العشائر لتأمين المنطقة والتصدي للجماعات المسلحة، التي تجد في الأعياد فرصة لإشغال الجهات الأمنية وتنفيذ مخططاتها.