يحشد باراك أوباما مؤيديه في الكونغرس، ويسعى إلى كسب تأييد من لا يؤيد ضربته لسوريا، فيسوق الحجج الدامغة، ويثير مسألة أمن إسرائيل، التي يعرف أنها حساسة للغاية.

حين اتخذ الرئيس الأميركي باراك أوباما قراره بتوجيه ضربة عسكرية للنظام في سوريا، كان متأكدًا من أن خطوته هذه ستحظى بدعم دولي يتخذ شكل التحالف الذي خاضت به الولايات المتحدة حروبها السابقة، من أفغانستان والعراق إلى ليبيا. لكنه لم يجد بجانبه إلا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند. لم يشأ التراجع، بل أراد إضفاء الشرعية الأميركية على الضربة، إن لم يتم له إضفاء أي شرعية دولية، في ظل الفيتو الروسي ndash; الصيني الذي يقف له بالمرصاد في مجلس الأمن الدولي.
خطر على الأصدقاء
قذف أوباما كرته النارية إلى ملعب المشرعين الأميركيين، وأتبعها بحملة أطلقها لإقناع أعضاء الكونغرس بإعطائه الضوء الاخضر لتوجيه ضربات لسوريا. واليوم الثلاثاء، تدخل مسألة مباركة الكونغرس مرحلة حاسمة، مع مثول وزيري الخارجية جون كيري والدفاع تشاك هيغل امام مجلس الشيوخ في جلسة استماع تتناول القضية السورية. كما يغادر أوباما مساء اليوم أيضًا إلى السويد، بعد أن يجتمع صباحًا مع مسؤولي اللجان الاساسية في الكونغرس في البيت الابيض، ليعرض عليهم مبررات التدخل في سوريا، تحت شعار حماية المصالح الوطنية الاميركية، وليحذر من عواقب عدم التحرك في سوريا بالنسبة إلى مصداقية الولايات المتحدة على الساحة الدولية، وتداعيات ذلك على الملف النووي الايراني.
وأوضح مسؤول كبير في وزارة الخارجية، طلب عدم كشف اسمه، أن كيري سيشرح ان عدم التحرك ضد الاسد سيقضي على المفعول الرادع للقوانين الدولية التي تحظر استخدام الاسلحة الكيميائية، ويعرض اصدقاء الولايات المتحدة على طول حدود سوريا للخطر، وقد يشجع الاسد وحلفاءه الأساسيين، حزب الله وايران.
غالبية بعيدة
بانتظار عودة أعضاء الكونغرس الأميركي من إجازاتهم الصيفية في 9 أيلول (سبتمبر) الجاري، يتوالى ظهور برلمانيين أميركيين في الاعلام، لانتقاد العملية التي يقترحها اوباما باعتبارها واسعة النطاق اكثر مما ينبغي، ومن بينهم حتى ديمقراطيون مثل السناتور باتريك ليهي، يرون استحالة السماح لأوباما بتنفيذ أي عمل عسكري في سوريا، وإن كانوا سيساهمون في تحمل مسؤولية ضربات عسكرية محتملة، فإنهم يريدون وضع محاذير وحدودًا حتى لا يتحملوا ايضًا مسؤولية غرق الولايات المتحدة في مستنقع سوريا. وأعلن عددٌ ضئيل من البرلمانيين الأميركيين دعمه رسميا للوثيقة التي تقدم بها أوباما، وستكشف جلسة الاستماع اليوم الثلاثاء عن موقف اعضاء اساسيين مثل السناتور المحافظ ماركو روبيو، الذي يرد اسمه كمرشح جمهوري محتمل للانتخابات الرئاسية المقبلة في العام 2016، والذي يتأرجح بين التصويت مع الصقور على القرار واعطاء الرئيس الديمقراطي انتصارًا سياسيًا، أو رفض القرار وضرب مصداقية الولايات المتحدة في العالم. لكن برلمانيين كثيرين يريدون إدخال تعديلات جوهرية على القرار الذي اعده البيت الابيض، للتأكيد فيه انه لن يتم نشر أي جندي أميركي على الارض السورية. وكان السناتوران الجمهوريان جون ماكين وليندسي غراهام، الداعيان الى التدخل في سوريا، حذرا أمس الإثنين من أن رفض القرار سيكون بمثابة كارثة، فبدا السناتوران النافذان وكأنهما يعلنان دعمهما لاوباما، لكن ماكين أقر: quot;ما زلنا بعيدين عن تحقيق غالبية حول القرارquot;.
أمن إسرائيل
ولأن تحقيق الغالبية ما زال في غير متناول يد أوباما، يبدو أنه يأخذ طريقًا أخرى، في الضغط على الكونغرس. فحين يتكلم أوباما عن شركاء الولايات المتحدة المجاورين لسوريا، فإنه يعني بلدًا واحدًا بالذات، أي إسرائيل لا غيرها. ويقول مراقبون أميركيون إن التأكيد على أن أمن إسرائيل فوق كل اعتبار يأتي حضًا للكونغرس أولًا على النظر إلى الضربة التي يريدها أوباما لنظام الأسد في سوريا على أنها ضربة إستباقية لضمان عدم ضرب إسرائيل بسلاح كيميائي محرم دوليًا، ولضرب الأفعى التي تهدد إسرائيل في رأسها، لأن ذلك سيوهن حزب الله، المؤتمر بأمر الأسد، ويخفف الضغط عن الحدود الشمالية لإسرائيل، كما أن العودة عن الضربة توقع إسرائيل في مأزق، كون أعدائها سيستضعفونها بسبب عجز راعيتها الدولية أميركا. كما يأتي ذلك ثانيًا إرضاءً للإسرائيليين، خصوصًا بعدما سمع أوباما quot;شتيمتهquot; بأذنه من الصحافة العبرية، التي يعرف أنها شديدة التأثير في الرأي العام الإسرائيلي، واليهودي العالمي أيضًا، حين اتهمته بأنه متردد وجبان، وحين نقلت عن مسؤولين إسرائيليين قولهم: quot;قرار أوباما يعكس ترددا وافتقارا للقدرة القيادية، كما يؤثر سلبًا في إسرائيل وأمنها على أكثر من صعيد، إذ يوحي بأنها ستكون متروكة وحيدة من دون السند الأميركيquot;، وعن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قوله: quot;توجيه ضربة عسكرية محددة ضد سوريا من شأنها أن تعيد الردع الأميركي إلى المنطقةquot;.