تعرّضت المدرسة في تونس والقطاع التعليمي عموما، الى ضربة موجعة منذ الاطاحة بنظام زين العابدين بن علي، وغادر مائة ألف تلميذ فصولهم بسبب الفقر والانحراف، فيما زادت الاضطرابات السياسية وانهيار الاقتصاد الوضع تأزما.


محمد بن رجب من تونس: أثار تصريح الهادي السعيدي المدير العام للدراسات والتخطيط ونظم المعلومات بوزارة التربية والذي أعلن فيه أن 100 ألف تلميذ تونسي انقطعوا عن الدراسة خلال العام الدراسي 2012-2013 جدلا واسعا وخوفا من الانقطاع المبكر لتلاميذ المدارس في تونس.

وطرح التصريح أسئلة حول أهمية و جدوى المنظومة التربوية و قدرتها التشغيلية مع الدعوة الى الاسراع بإدخال إصلاحات على النظام التربوي الذي يعد مطلبا رئيسيا من مطالب الثورة باعتباره القاعدة التي تبنى عليها جميع القطاعات الأخرى.

غياب المرافق النفسية والاجتماعية

قال الهادي السعيدي المدير العام للدراسات والتخطيط ونظم المعلومات بوزارة التربية التونسية إنّ عدد التلاميذ في المرحلة الابتدائية سيرتفع خلال السنة الدراسية 2013-2014 إلى حدود مليون و45 ألف تلميذ.

واعتبر الخبير التربوي الدكتور رضا ساسي أنّ عدد المنقطعين يرتفع من سنة إلى أخرى وقد بلغ في نهاية السنة الدراسية 2013-2014 نحو 100 ألف مشيرا إلى أن أسبابه عديدة ومتشعبة ومتشابكة وقد زاد الوضع الاستثنائي الذي تمر به البلاد الطين بلّة، وجعل صورة المدرسة تهتزّ بعد تنامي معضلة البطالة وانسداد الأفق.

عزا الخبير ساسي في تصريح لـquot;إيلافquot; ذلك إلى غياب المرافق النفسية والصحية والاجتماعية التي يفترض أن تتابع الطفل في مساره في المدارس الابتدائية والإعدادية و المعاهد الثانوية، مشيرا إلى استقالة العائلة التي وجدت نفسها متفرغة للعمل فبقي الطفل في الشارع في ظل غياب الأنشطة الثقافية الدافعة والمحركة للاهتمام.

الحكومة تتحمل المسؤولية

من جانبه، حمّل الكاتب العام لنقابة التعليم الثانوي الأسعد اليعقوبي وزارة التربية مسؤولية انقطاع 100 ألف تلميذ 90% منهم من التعليم الإعدادي والثانوي مؤكدا على ضرورة التسريع بتشخيص المنظومة التربوية وإصلاحها.

وأبرز اليعقوبي في تصريح لـquot;إيلافquot; تخوفه من انسداد الأفق أمام الشباب التلمذي التونسي وهو ما يجعل هؤلاء المنقطعين عن الدراسة لا يجدون غير حلول ظرفية لخلق فرص للتشغيل من ذلك الهجرة غير الشرعية وما يكتنفها من مخاطر.

وأشار الحبيب السباح متفقد المدارس الابتدائية إلى وجود عديد العوامل الذهنية والنفسية والاجتماعية والصحية تقف وراء الانقطاع عن الدراسة إلى جانب ما دخل على منظومة القيم من تغييرات وتراجع مكانة التعليم ودوره في صفوف الشباب وظهور قيم اجتماعية جديدة.

دور الأسرة

شدد السباح في إفادته لـquot;إيلافquot; على دورة الأسرة من خلال الشراكة بين المدرسة والعائلة ومراقبة الأبناء وتشجيعهم على الدراسة وتوفير الإحاطة النفسية والاجتماعية مؤكدا ضرورة تدعيم الشراكة بين المؤسسات التربوية وبقية المؤسسات الشبابية والثقافية والصحية وذلك بدعم التنشيط الثقافي والرياضي.

تكوين المدرسين

أشار الدكتور رضا ساسي إلى إشكالية تكوين المدرسين قائلا:quot; منذ عشرين سنة يخضع تكوين المُدرسين وانتدابهم للعشوائية قبل الانطلاق في عملهمquot;.

وأوضح ساسي بأنّ هناك من ينقطع بسبب الفقر، أو أنّ المعهد أصبح طاردا فاقدا لما يُرغّب لأن التوجيه على مستوى التعليم الثانوي لا يستجيب للحاجات والطلبات، فعدد كبير من تلاميذ الأولى ثانوي يغادرون مقاعد الدراسة لأنه تم توجيههم إلى الشعب المستحدثة كالإعلامية والتجارة الرقمية وغيرهما ويبقون في المنزل للتعاطي والتدرب لافتقار المؤسسة التربوية إلى ذلك وبالتالي فالإشكال في المدرسة وبرامجها وأساليبها وطرائقها، على حدّ تعبيره.

ويرى اخصائيون اجتماعيون أنّ الانقطاع عن الدراسة شديد الارتباط بعوامل اجتماعية واقتصادية ذلك أنّ العائلات الفقيرة تجبر أبنائها على مغادرة مقاعد الدراسة من أجل مساعدة العائلة بالبحث عن عمل.

مقاومة الفشل

دعا الخبير التربوي رضا ساسي إلى ضرورة التنسيق بين وزارات التربية ووزارة شؤون المرأة والطفولة ووزارة التشغيل ووزارة الشؤون الاجتماعية، مع مؤسسات المجتمع المدني في ندوة وطنية للمساءلة والمتابعة وإعطاء البدائل بخصوص المائة ألف من التلاميذ المنقطعين عن الدراسة.

ودعا إلى ضرورة مراقبة وزارة التربية لهؤلاء المتسربين قبل الرسوب أي متابعة مقاومة الفشل قبل حدوثه منذ الملاحظات الأولى التي تؤكد عدم التكيف إلى جانب حالات الانحراف وتعاطي المخدرات وغيرها مستفسرا عن غياب دور الأسرة وضرورة العمل على التفكير في إعادة ترتيب البيت.

وقال المدير العام إنّ وزارة التربية أجرت عدّة لقاءات مع الأطراف المتدخّلة لتجنّب العوامل المؤدية لتفاقم ظاهرة الانقطاع المبكر عن الدراسة مشيرا إلى أنها :quot;ركزنا على أربعة عناصر أساسيّة تشمل البعد التربوي وبرامج التكوين والانتداب وكذلك الحوكمة إلى جانب إبلاء أهميّة إلى البعدين الاقتصادي والاجتماعي من خلال متابعة أوضاع التلاميذquot;.

معالجة المنظومة التربوية

العدد المرتفع من المنقطعين عن الدراسة من التلاميذ جعل الأصوات تتساءل عن جدوى المنظومة التربوية وقدرتها على استيعاب كل التلاميذ وتأهيلهم للحياة العامة.

يقول الدكتور ساسي :quot;فكرت وزارتا التربية والتعليم العالي بعد الثورة مباشرة بالتعاون مع جمعيات المجتمع المدني في إثارة المسألة وتشخيصها كما أن وزارة التربية عقدت ندوة وطنية في مارس/ آذار 2012 وخرجت بمجموعة من التوصيات وأعطينا بعض الحلول وكل المقترحات العاجلة لمقاومة هذا التيار وكل قضايا التكوين لكن الوضع الاستثنائي في تونس وما حصل بعد اغتيال محمد البراهمي واستقالة وزير التربية وعدم التقاء الفرقاء على مشروع وطني واحد، كلها عناصر عطلت كثيرا هذا المسار... كان عليها الانطلاق من الجهات أي على المستوى المحليquot;.

من جهته شدّد الحبيب السباح متفقد المدارس الابتدائية على ضرورة وضع حدّ لهذا التسرب من المدرسة التونسية مؤكدا على ضرورة التسريع بتشخيص المنظومة التربوية والتفكير في العلاج المناسب وذلك باعتماد سياسة ناجعة ومتكاملة لتجاوز الانعكاسات السلبية التي تخلفها هذه الظاهرة صلب المجتمع التونسي والعمل على استرجاع ثقة المواطن في المدرسة.