يعيش السوريون على وقع أزمات يومية متلاحقة، فمن الضغط النفسي بسبب الحرب وأعمال العنف إلى الارتفاع الجنوني في الأسعار، يبدو أن السوري بات مجبرًا على الاختيار بين الدوار أو الغذاء في بعض الأحيان.


lrm;دمشق: لم يخيل لمعتز (46 عامًا) انه سيضطر في يوم من الايام الى الاختيار بين quot;الدواء او الغذاءquot; لابنه المصاب بمرض السكري، لا سيما بعد ان دفعه الارتفاع الجنوني للاسعار الناتج عن تداعيات الأزمة المستمرة منذ ثلاثين شهرا في سوريا، الى شراء حقن الانسولين باسعار مضاعفة من لبنان المجاور.

ومعتز هو واحد من السوريين الذين، الى جانب الضغط النفسي الذي يعيشونه بسبب الحرب، يعانون هم او احد افراد عائلتهم من امراض مزمنة يجدون صعوبة بالحصول على دواء لها بسبب توقف المصانع السورية عن تصنيعه.

ويقول معتز الذي استنفد مدخراته quot;اني مضطر الان لتقليص حجم مشترياتي، وخصوصا بعد ان التهم علاج ابني من تحاليل وشراء حقن الانسولين باسعار مضاعفة من لبنان جزءا كبيرا من راتبيquot;.

ويضيف الاب الذي يعمل موظفا في مؤسسة خاصة انه يصعب عليه حرمان اطفاله الثلاثة من امور اعتادوا عليها مثل الحلوى والنزهات، quot;لكن اليوم هناك اولوية تقضي بمعالجة ابني ذي الاثني عشر عاماquot;، مشيرًا الى ان هذا الاخير quot;يعاني من مضاعفات جانبية عند استبدال الابر التي اعتادها بعقار بديل، ان وجدquot;.

وتنبه ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا ايزابيل هوف من ان نقص الادوية في ظل استمرار النزاع في سوريا هو امر quot;بغاية الخطورةquot;. وتقول إن معامل الادوية quot;اصبحت تنتج بين 20 و30 في المئة فقط من حاجة السكان بعد ان كانت تغطي نحو 90 في المئة منهاquot;. وتلفت المسؤولة الاممية الى ان quot;اغلب المعامل الدوائية تقع في حمص (وسط) وحلب (شمال) وريف دمشقquot; التي شهدت عمليات عسكرية واسعة.

وتوقف نحو 18 مصنع ادوية من 73 عن الانتاج في سوريا، بسبب تضررها باعمال العنف او لصعوبة الوصول اليها نظرا لتردي الحالة الامنية على الطرق او عدم تمكنها من استيراد المواد الاولية الضرورية للانتاج بسبب العقوبات الغربية المفروضة على البلاد.

وانخفضت قيمة العملة المحلية بشكل غير مسبوق، اذ بلغ سعر صرف الدولار الاميركي مئتي ليرة سورية بعد ان كان سعره 45 ليرة قبل اندلاع الاحتجاجات المناهضة للنظام السوري منتصف اذار (مارس) 2011. وتواجه الصناعة الدوائية مشاكل في استيراد موادها الاولية بسبب الحظر المفروض على التحويلات المصرفية لشراء المواد الاولية.

وتعبر هوف عن خشيتها من عدم امكانية الاستمرار بتقديم الرعاية الصحية اللأزمة لهؤلاء او لجرحى اعمال العنف الذين quot;سيموتون ان لم يتمكنوا من الحصول على الدواءquot;. وتقول ام ماهر (75 عاما) انها تطلب من صديقة مقيمة في اوروبا ان تزودها بدواء ارتفاع الضغط الذي يفترض ان تتناوله باستمرار، quot;الا ان سعره يعادل ثلاثة اضعاف الدواء المحليquot;.

ولا تجرؤ على تناول ادوية مهربة من الخارج، حتى لو كانت اسعارها متدنية ، quot;لان ظروف تخرينها قد لا تكون مناسبةquot;. ويروي سوريون ان ابر الانسولين التي يجب ان تنقل في مستوعبات مبردة، باتت تصل الى سوريا عن طريق التهريب في ظروف تخزين مشكوك فيها.

وتقول منظمة الصحة العالمية ان الكثير من مصابي الامراض المزمنة يعتمدون على الادوية المحلية quot;التي لم يعد بمقدورهم الآن الحصول عليهاquot;. وتشير هوف الى ان الاولوية تكمن في معالجة الأمراض المعدية quot;حتى لا تنتشر في جميع أنحاء سوريا أو خارج سورياquot;.