طائفة من الكتاب العرب وقفوا ضد مسألة المضي في بناء مسجد ما يدعى بـquot;غراوند زيروquot; في نيويورك، باعتبار أن هذا المسجد استفز الأميركيين وقامت ضده المظاهرات في أميركا. حديث هؤلاء يأتي وكأن القضية هي قضية مسجد واحد، بينما الواقع يخبر أن هذا المسجد يقع ضمن سلسلة طويلة من المساجد التي تم التظاهر ضد بنائها في الولايات المتحدة، أو التي يتم تعطيلها وإنهاكها بدعاوى قضائية، مثل مسجد (روكسبيري) في إحدى ضواحي بوسطن؛ الذي تم افتتاحه العام الماضي بعد أن تم تعطيله لسنوات.. فعلى ما يبدو أن مسألة خلق ارتباطات بين الإرهاب وبين أي مشروع إٍسلامي كبير في الغرب ليست بالمسألة الصعبة.
من أواخر هذه المظاهرات ضد بناء المساجد والمراكز الإسلامية في الولايات المتحدة، ما حدث خلال الشهرين الأخيرين ضد بناء مسجد تيميكولا في كاليفورنيا، وبناء مسجد مورفريسبورو في تينيسي، وقد علق أحدهم بسخرية في قناة إخبارية أن مسجد تينيسي يقع على بعد quot;18000 تقاطعquot; من أنقاض مبنى التجارة العالمية (غراوند زيرو)، ومع ذلك لا تزال هناك مشكلة!!..
تعليقات المعارضين ضد بناء المساجد، من سياسيين ومواطنين، حسب ما وردت في الصحف الأميركية تأتي على شاكله: quot;هؤلاء تمويلهم يأتي من مصادر إرهابية.. مساحة المركز الإسلامي واسعة وهم يستخدمونها للتدريب على الجهاد.. هذه أرض مسيحية.. هؤلاء عسكريون إسلاميون يريدون الانقلاب على الحكومة الأميركية.. الخ..quot; ولو كانت التعليقات معتبرة فهذا بالطبع مما يستدعي تدخل القانون وليس تدخل من يمارس (الزعيق) في الشوارع.. لكن هذه التعليقات إنما تخفي أسفل منها عداوة ثقافية.
عداوة المساجد هذه، انتقلت من أميركا كعدوى لتصل إلى أماكن متفرقة في العالم؛ كمظاهرات حدثت مؤخرا في روسيا وبولندا ضد بناء مساجد جديدة هناك. لهذا لا يفترض أن ينظر لقضية مسجد جروند زيرو إلا في سياق quot;حرب ثقافيةquot; ممنهجة. الممانعة الثقافية ضد الوجود الإسلامي، التي عبرت عن نفسها في أماكن مختلفة، كان من المناسب لها أن تجد قضية توصل صوتها بقوة، وقضية مسجد نيويورك مثلت تجسيداً بارزاً للقضية، وفرصة مناسبة تتواكب معها حملة واسعة لسكب وترويج أنواع التعبيرات المضادة للوجود الإسلامي.
في كتابه (هذه الأميركا) يرى الكاتب الأميركي (جوناثان كورييل) أن هناك عقبتين وقفتا أمام نجاح العلاقة الثقافية بين العرب وأميركا: أن هذه العلاقة مسيسة للغاية، وأن الثقافة العربية والإسلامية هي ثقافة غير مألوفة في أميركا (ص280). وهو الكتاب الذي تقصى كورييل فيه الجذور العربية والإسلامية المنوعة في الثقافة الأميركية؛ فيصل إلى أن المجتمع الأميركي ليس مسيحي/ يهودي فقط..
هذه الوحشة -الغير مبررة- من الثقافة العربية تم استغلالها بشكل إجرامي من قبل الجماعات المعادية للوجود الثقافي العربي و الإسلامي. يتجلى هذا الاستغلال في الجهد المستمر والمتنامي على خلق ارتباط مباشر بين العرب والمسلمين و بين (الإرهاب)، ومحاولة جعل العلاقة بينهما مسلّمة يتم التحكم بحقوق المسلمين من خلالها، مع أن الواقع لا يصادق على ذلك. فبحسب مكتب التحقيقات الفيدرالي فإن الهجمات الإرهابية التي تم تنفيذها في أميركا بين عامي 1980 و 2005 كان 6% منها فقط قد أتى من قِبل مسلمين!.
بعد تفجيرات سبتمبر عمل المسلمون في أميركا بجهد كبير من أجل عكس صورة مناسبة لوجودهم، ولتحسين علاقاتهم مع مجتمعهم الأميركي. الشهر الماضي استطلعت صحيفة (النيويورك تايمز) آراء بعض المسلمين الذين قاموا بخدمات اجتماعية تصب في هذا المجال. يخبر أحد المسلمين أنه خائف اليوم أكثر من أي وقت مضى، نتيجة ما جد من ضغط جديد ضد المسلمين، وتزايد للكراهية تجاههم. لم يكن من المتوقع بعد مرور هذه السنوات أن يتجه الوضع إلى تأزم أكبر!. خصوصا أن الأزمة لم تأت بسبب هجمة جديدة على أميركا من قِبل أفراد مسلمين، بل من أنشطة إسلامية ثقافية طبيعية، كبناء المراكز الإسلامية الكبيرة. وهذا يدل على أن هذا الضغط إنما تراكم ضد المسلمين من قبل ثقافة مغايرة.
أميركا ولفترة طويلة مثلت البلد الأنسب لكثير من المسلمين، فهي بلد مفتوح ومنظم ويكفل الحريات التي حرم منها بعض المسلمين في بلدانهم، والأهم من ذلك كله أمر سيادة القانون وتطبيقه. والقانون هو الذي يرسم الحدود التي يقف عندها المرء. وهذا ما يفترض أن يعرفه المسلمون جيدا... فلا يعقل أن تقوم ثقافة بتحجيم وتقليل وجودها عبر مطالبات وضغط ثقافة أخرى!!..

[email protected]