اجتمعت أمراض العالم في باكستان. فيضانات، أوبئة، إرهاب، فساد، اعتداء خارجي، أزمات مدنية وتعليمية، طائفية وتنافر اثني وإقليمي. الحكومة الباكستانية quot;النوويةquot; التي طالما هلّل لها الإسلاميون والعسكر، تتوارد الأنباء عن فشلها وتقصيرها المريع تجاه إنقاذ إنسانها من كارثة quot;الفيضاناتquot;، والتي هي أعظم كارثة في تاريخه. هذه الحكومة النووية لا تمنع القوة الغربية من تنفيذ ضربات داخل حدودها، وتنقل التقارير أن الكثير من الباكستانيين لا يثقون في المحاكم ولا جهاز الشرطة.. قتلى العنف الطائفي في باكستان في العقدين الأخيرين زادوا عن أربعة آلاف، إضافة إلى أضعافهم من الجرحي. والعدد يتنامي بالطبع تحت ظل الحكومة النووية، فعدد قتلى العنف الطائفي في 2010 يقارب 430 قتيلا، وهو الرقم الأعلى خلال عقدين، مع أن هذا العام لم ينته بعد!

في فاجعة جديدة حدثت في باكستان، تم قتل أخوين مراهقين من قبل حشد من الجماهير في وسط الشارع، وفي وسط النهار، وبحضور رجال الشرطة! تم ضربهما بالعصي والحديد، ثم رجمهما بالحجارة قبل سحبهما في الشارع وتعليقهما في أحد الأعمدة، ومشهد الفيديو الذي تم تداوله عن هذه الحادثة يعتبر من أبشع ما يمكن أن يراه إنسان في حياته.

تم ذلك في أحد أيام شهر رمضان، شهر الرحمة والمغفرة، وحدث هذا في إحدى ضواحي مدينة quot;سيالكوتquot;، في إقليم البنجاب. وهي المدينة التي ولد فيها محمد إقبال أحد أعظم مفكري العالم الإسلامي، والذي عمل جاهداً بروحه وجسده على ولادة هذه الدولة؛ التي أرادها شعلة يستضيء بها الشرق.

هناك حكايات مختلفة حول هذه الواقعة، لكن مراسل وكالة (رويترز) ووكالة (فرانس 24) يؤكدان عبر تقصيهما للحكاية أن الأخوين مغيث (19 عاماً) و منيب (15 عاماً) كانا قد خرجا للعب الكريكت حين أوقفهم الحشد الذي ظن أنهما لصين فتم ضربهما حتى الموت. يقول مايكل جورجي من رويترز quot;فاز مغيث بوت بجوائز في حفظ القران الذي علمه العطف والرحمة.. لكن الغوغاء الذين قتلوه هو وأخاه في باكستان لم يظهروا أيّا منهماquot;.

في حال القتل الغوغائي للجماهير لا يمكن لأي عاقل أن يقف ليتساءل هل القتيل مذنب أم لا! فمنذ متى والجماهير الغاضبة تنتظر الدليل. المسألة هنا أكبر من مجرد قتل وتعذيب، هي هنا مسألة غياب عدالة، وانتشار لشريعة الغاب، تفجير لطاقات الحقد والتشفي، وفقدان للثقة في القانون والنظام، والذي يكون السبب الرئيس لأي بلاء آخر.

الحكومة النووية التي هي ندّ قوي لجارتها اللدود، قد استحوذ العسكر القافزون على نصف عمرها البالغ ستون سنة. عمروه دوما بالانقلابات، وإلغاء الانتخابات، وتعطيل الدساتير، وإشعال الطوارئ!. لكم تواطأ فيها الإسلاميون والعسكر والقوى المحلية، ولكم تشابكت فروع هذه النخب في الأعلى، وجعلوا الأفراد من دونهم مطمورين في الأسفل كزواحف غابة موحلة.

شعلة إقبال التي راهنت في بداياتها على اللغة والدين كعامل موحد للبلاد، لم تنجح في احتواء تنوعها الإقليمي والعرقي، وإثراء نفسها منه، حين استمرت النخبة المسيطرة من قبل إقليم وعرق معين، والتي دعمتها بريطانيا في البدايات، في الاستفراد بسلطة وامتيازات البلاد، وصنعت الحواجز والعراقيل تجاه انتشار الحس الوطني، ومهدت الطريق لاشتباكات عرقية وطائفية لا تنتهي. انعزلت الأقاليم، والحكومة القاصرة دوما ما تعطي الفرصة لغيرها من القوى المحلية والقبلية لسد الفراغ، فهي على ما يبدو منشغلة بأمور أخرى!

هذا خلل بنيوي في باكستان هو أيضاً مهدد لغيرها من الدول الإسلامية، فهي حالة تنعدم فيها المشاركة من الأسفل، والبناء من الأساسات، وتتعزز فيها فرص الاستبعاد والعزل الاجتماعي. الاستفراد والفساد النخبوي الذي أدمنته العوالم المسلمة، ينتقل بصورة تراتيبية مُعدية من الأعلى إلى الأسفل، حتى يصل إلى شك الناس برجل الأمن، وحين يفقدون الثقة به وبقدرته، ماذا يبقى لديهم؟!

ألم نسمع أكثر من مرة عن قتل وتمثيل جماعي علني من قبل حشود في بلدان عربية وإسلامية؟! ولماذا المقتل الشنيع لمغيث ومنيب لا يكاد يذكر في وسائل الإعلام العربية، وأبعاد هذه القضية لا تثير أية متابعة أو نقاشات كما يحدث في المواقع الغربية؟.. أم أن مسألة اختلال الأمن، وصورة رجل الأمن الذي يقبض منك الرشوة في الشارع، هي فقط إحدى الظواهر المرضية التي تهادنت معها مجتمعاتنا حتى أصبحت جزءاً من شخصياتها!. يعلق أحدهم quot;ويريدون أن لا يكون هناك أسلاموفوبيا!!quot;.
[email protected]