من محاولة منع الفنانين العرب من العمل في مصر إلى عدم المشاركة في معرض الجزائر الدولي للكتاب، إلى مشكلات مع معرض الكويت الدولي للكتاب، إلى التوتر مع تونس والجزائر من قبل بسبب كرة القدم، وأخيرا اتهام أبوظبي بالتطبيع من قبل نقابة المهن التمثيلية وتهديد الفنانين المصريين والإعلاميين وغيرهم من العاملين بالشأن السينمائي من التعامل مع مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي لعرضه فيلما ينصف العرب والقضية العراقية وهو فيلم لعبة عادلة لمشاركة فنانة إسرائيلية (وهي ليست إسرائيلية وإنما أمريكية يهودية الديانة) ومنح الفيلم الوثائقي الغرب غربا جائزة الجمهور لأن منتجته أمريكية يهودية، حتى لتبدو الأمور في مجملها دعوة لعزل مصر والمصريين بالقطيعة تارة مع الجزائر وتارة مع تونس وتارة مع أبوظبي وتارة مع الكويت، ولا نعرف على من الدور، المهم أن المسئولين ينساقون وراء الشائعات وإصدار قرارات إدانة ووصاية وقمع دون تحري الدقة وتثبت من حقيقة ما جرى ويجري.
كنت هناك وكان إعلاميون مصريون ونقاد وفنانون مشهود لهم بالوطنية والدفاع عن القضية الفلسطينية وإدانة إسرائيل ومجازرها الوحشية ضد أشقائنا الفلسطينيين، ولم ير أي منهم وجودا إسرائيليا داخل المهرجان، أما كون هذا أو ذلك ينتمي إلى الديانة اليهودية، فليس لنا أو لغيرنا أن يتدخل في عقيدة الآخر، أنا مسلم وهذا مسيحي وهذا يهودي، لنفترض أن هناك يهوديا عربيا، ويهوديا أمريكيا ويهوديا إيرانيا وآخر بريطانيا، وأخر مصريا، هل علىّ أن أقحمه في عصابة الصهيونية، وهو جاء يقدم رؤيته الفنية السينمائية، ثم إن هؤلاء الفنانين والإعلاميين وصناع السينما ليسو أجهزة استخبارات، وليس دورهم التصنت والتجسس على انتماءات هذا وذاك.
ثم إن هناك التزاما عربيا بعدم التطبيع مع إسرائيل، والجميع يلتزم به، والسؤال هل استقبل مهرجان أبوظبي فيلما إسرائيليا، لم يحدث حسب متابعتي البسيطة، وكوني مثلي مثل غيري ممن يتابعون المهرجانات العربية فنية أو ثقافية، هنا كنت معنيا بالدرجة الأولى بهدف المهرجان الأساسي quot;صناعة السينماquot;.
لقد تبني المهرجان في دورته الرابعة هذه 13 ـ 24 أكتوبر 2010 القضايا العربية في العراق وفلسطين ولبنان، وشهد عرضا لأفلام لا أعتقد أن مهرجانا عربيا يجرؤ على عرضها كونها تدين التوحش الإسرائيلي وتفضح ممارساته الإجرامية بحق الفلسطينيين، مثل دموع غزة، وأطفال الحجارة أطفال الجدار، ومملكة النساء في عين الحلوة، والنساء بطلات، وميرال وغيرها، وتدين الاحتلال الأمريكي للعراق وآثاره المروعة على المجتمع العراقي مثل كرنتينة وفي أحضان أمي ولعبة عادلة الذي يدين الإدارة الأمريكية ممثلة في إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن وأجهزتها الاستخباراتية، وهذا الأخير هو الذي شاركت فيه ممثلة إسرائيلية وممثل مصري، وأفلام تدين الصراع الطائفي والقتل لاختلاف العقيدة الدينية مثل فيلم quot;حرائقquot; هذا الفيلم المروع قصة ومعالجة وفنية سينمائية، وكذا فيلم quot;شتي يا دنيquot; والذي كشف عن الخراب الذي أوقعه الصراع السياسي في لبنان من خلال قضية الاختطاف، اختطاف آباء وأبناء وأطفال، حتى على المستوى الإنساني شهد المهرجان عددا كبيرا من الأفلام التي تدين التخلف الاجتماعي والعادات والتقاليد البالية التي تقمع المرأة العربية وتسلبها الحق في الحياة الآمنة.
وعلى ذكر الأفلام ماذا عن فيلم quot;القنوات الخلفية ثمن السلامquot; الذي أتمنى على هؤلاء الطاعنين في أبوظبي بالتطبيع، أن يعرضوه في مصر، ليتعرفوا على تفاصيل ما قبل الرحلة التاريخية للرئيس السادات للقدس، ليعرفوا من أين كانت البداية وكيف سارت وإلى ماذا انتهت؟ الفيلم يوثق التفاصيل الخفية عبر المشاهد الفيلمية والشهادات الحية لشخصيات حية مصرية وإسرائيلية وأمريكية، لماذا لا يتهموا الشخصيات المصرية المشاركة في الفيلم بشهاداتها وعلى رأسها وزير الخارجية المصري والأمين العام للأمم المتحدة الأسبق بطرس غالي بالتطبيع كونه يقدم شهادة في فيلم يشارك فيه إسرائيليون.
إن أحدا لم يعد يحتمل المزايدة على وطنيته، فزمن المزايدات انتهى إلى غير رجعة، والجميع يعلم ذلك، حيث لم يعد هناك ما يمكن أن يتم إخفاءه أو مداراته، وهذا للأسف ما لا يدركه الكثيرون من هؤلاء، كل وكالات الأنباء العالمية والعربية وممثلي الصحف العالمية والعربية كانت هناك، فهل كل هؤلاء أصيبوا بالعمى في حين من لم يحضروا رأوا إسرائيلية في المهرجان.
ثم أين كان ممدوح الليثي وأشرف زكي عندما دعا وزير الثقافة المصري المايسترو الإسرائيلي دانيال بارنبويم لإحياء حفلٍ بدار الأوبرا في تحدٍ خطير لمشاعر المصريين، أين كانت نقاباتهم حين حضر عدد ضخم من الفنانين والمثقفين والكتاب المصريين المشهورين والمعروفين بالاسم حفل دانيال بارنبويم، أين كانت نقاباتهم حين طبع حسني وقال مبررا أن quot;المايسترو الإسرائيلي دانيال بارنبويم يحضر إلى مصر بدعوة من السفارة النمساوية ليقود الأوركسترا في هذا الحفل الخاصquot;
لماذا لم تخرج قرارات النقابات المهنية لتدين الحضور من الفنانين والمثقفين والكتاب والإعلاميين وهم بالطبع من الكبار الذين يحتلون مواقع مرموقة على الساحة الفنية والثقافية والفنية المصرية؟ لماذا على الرغم من الإعلان الصريح والمباشر لم نسمع صوت الليثي وزكي، وهؤلاء الصحفيون المجهولين، ولماذا نسمعهم الآن لمجرد عرض فيلم سينمائي تشارك فيه فنانة إسرائيلية وفنان مصري، لكن هذه الفنانة لم تأت بشحمها ودمها إلى أبوظبي ولم يتم استقبالها، هل استقبل مهرجان أبوظبي إسرائيليا، لا، لكن الأوبرا المصرية ووزير ثقافة مصر ومثقفيها استقبلوا إسرائيليا؟.
إذن الأمر ليس له علاقة بالتطبيع ولا إسرائيل ولا بوطنية مهرجان أبوظبي السينمائي ولا القائمين عليه ولا الفنانون المصريون الذين شاركوا فيه ولا أي شيء من هذا القبيل، ولنا أن نفسر ما وراء ذلك كما يحلو لنا، بل كما يحلو لأي منا، ولكن كوننا لا نحاكم أحدا نرجو من يريد تفسيرا واضحا أن يطالع الأرشيف الصحفي المنشور لبطلي الحملة وهو متواجد في كافة المؤسسات الصحفية المصرية والعربية وللجميع أن يرجع إليه ليرى تاريخ وعمل ومواقف هذا أو ذاك.