بعد الإشتعال المستمر للأوضاع العسكرية و الإرهابية في الشرق الأوسط المستعرة منذ عقود تحول المشهد بإنتقالة سريعة لأقصى الغرب العربي وحيث إشتعل من جديد الملف المؤجل حول الصحراء المغربية.
تلك القضية التي ظلت منذ أواخر عام 1975 تشتعل حينا و تهدأ في أحايين كثيرة و التي أخذت من الجهد الدبلوماسي و العسكري و المالي الشيء الكثير من الجانب المغربي خصوصا و التي كنت إحدى أهم العقبات المعرقلة لوحدة المغرب العربي الكبير، كما كانت إحدى أهم نقاط الخلاف و الصراع المغربي/ الجزائري و العلاقات الفاترة بين الجارين الكبيرين اللذين رسمت علاقاتهما المتذبذبة الصورة الميدانية للصراع الإقليمي الحائر هناك، فمنذ الحرب المغربية / الجزائرية الأولى عام 1963 و التي أمر الملك الراحل الحسن الثاني جنرالاته وقتذاك ومنهم الجنرال بن عمر العلمي و كذلك أوفقير بالتوقف عن التغلغل في العمق الجزائري في منطقة ( حاسي بيضا ) و العلاقات كانت متوترة على الدوام رغم فترات الإنفراج الحذر خلال حكم الرئيس الهواري بومدين الذي إتبع سياسة مهادنة نحو المغرب رعم إختلاف الرؤى و التوجهات و الآيديولوجيات.
وكانت منطقة الحدود المشتركة ملتهبة وحساسة على الدوام، ومؤخرا و بعد إشتعال الموقف في مدينة العيون بسبب تداعيات تفكيك مخيم ( أكديم إيزيك ) في ضواحي المدينة و الإشتباكات العنيفة التي رافقته يوم الثامن من نوفمبر المنصرم و أدت لمصرع عدد من رجال القوات المساعدة و الدرك المغاربة و إمتداد الإضطرابات و الحرائق لداخل المدينة و إكتفاءالسلطة المغربية بمحاولات السيطرة على الموقف دون اللجوء للقمع أو التدخل العنيف تدهور الموقف بعد تصميم جبهة البوليساريو ( منظمة تحرير الصحراء و الساقية الحمراء ووادي الذهب ) على نقل المعركة للساحة الإعلامية و القيام بحملة إعلامية شابهها التضليل و الصور المفبركة و المزيفة لتشويه صورة المغرب و إظهاره بمظهر المعتدي رغم أن معركة العيون الأخيرة إلتزم بها الجانب المغربي بأقصى درجات ضبط النفس وقدم خسائر و تضحيات ما كان من الممكن تقديمها أصلا لو أن القوات المغربية تصرفت بعنف ووفقا لقواعد الإشتباك المعروفة!، فتلك المعركة قد حفلت بصور عدوانية مؤسفة كذبح عتاصر القوات المساعدة ومن ثم التبول على جثثهم مع ما رافق ذلك من حملة إعلامية تشويهية تورط معها الإعلام الإسباني في تسويق الأكاذيب وقد حدثت كل تلك التطورات بالتزامن مع محادثات نيويورك التي ضمت المغرب و البوليساريو؟ من الواضح إن ما حصل كان أمرا مخططا له بدقة و إمعان وقد ترافق مع الضجة التي أثيرت حول إعتقال البوليساريو أحد قادتها وهو مصطفى بن سلمى ولد مولود الذي زار المغرب و اعلن صراحة عن رأيه الداعي لتبني خيار الحكم الذاتي الموسع للصحراء وفقا للرؤية الرسمية المغربية وهو ما أثار ضجة كبرى كان واضحا أنه سترافقها تداعيات و مناورات و تحركات ستسخن المشهد المتجمد طويلا في الصحراء.. و لعل من نافلة القول الإشارة للتصريح المثير للجدل الذي أعلنه الزعيم الصحراوي محمد ولد عبد العزيز الذي لمح لإحتمال عودة البوليساريو لإعلان الحرب في الصحراء ضد الجيش المغربي!!؟
وهو تصريح بيس سوى مناورة و لاعلاقة له أبدا بطبيعة الحالة الميدانية القائمة في الصحراء لأن إعلان الحرب سيؤدي في النهاية لتورط أطرؤاف إقليمية أخرى و لربما سيؤدي ذلك لإندلاع نيران حرب مغربية / جزائرية بات واضحا اليوم أن بعض الأطراف الدولية لربما تسعى إليها ! وهي حرب إن إشتعلت شتشعل معها المنطقة بأسرها التي سيلفها حزام ناري فظيع من الأزمات المؤجلة و التي لم تحسم ملفاتها بعد، المغاربة وهم يخوضون اليوم حرب الدبلوماسية و العلاقات العامة و يمدون يد السلام لفرقاء الصراع سواءا نحو إسبانيا أو الجزائر أو حتى البوليساريو و يحاولون تجنب توسيع مديات الصراع لا يستعبدون أبدا إحتماليات الحرب و التي ستكون نتائجها بالطبع مختلفة بالمرة عن كل نتائج الحروب السابقة، في المغرب هنالك مرارة كبيرة مما حصل من تداعيات رغم أن النظام المغربي لم يتوان أبدا في بذل الجهود من أجل تنمية الصحراء و تقديم المبادرات السلمية و التوافقية إلا أنه على ما يبدو فإن هنالك أطراف تريد التصعيد، وهو تصعيد لا يخدم أبدا السلام الإقليمي في شمال إفريقيا و طبول الحرب التي تقرعها قيادة البوليساريو ليست وفق قدراتها و لا إمكانياتها و إنما وفق الأجندة المرسومة لها من أطراف معلومة تستفيد من إستمرار التوتر و بالشكل الذي يضر بمصالح الشعب الصحراوي و بالمغاربة على حد سواء؟ المواحهة العسكرية سيحسمها المغرب لصالحه وفقا لجميع المقاييس رغم أن السياسة المغربية لا زالت تراهن على الخيارات الدبلوماسية و لكن إن فرضت الحرب فلا يلوم المتسبب بها بعد ذلك إلا نفسه!
و من السهل الدخول في الحرب كما علمنا التاريخ و لكن من الصعب الخروج منها دون أثمان قاسية واجبة الدفع تدفعها الشعوب أولا و أخيرا.. خيار السلام المغربي و طروحاته واضحة جدا و لا تحتاج لترجمة، و السباق بين الحرب و السلام على تخوم الصحراء المغربية سيؤشر لمرحلة جديدة و مختلفة من مراحل الصراع في الشمال الإفريقي..!
التعليقات