quot;لم يمر على البلاد مثل هذا العنف من قبلquot; (زهرا رهنورد)

مصادفة زمنية جمعت بين اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، وعيد غدير خم في إيران. فبينما يحاول العالم أن يحتفي ببعض انجازاته الحضارية، تكرس إيران للحظة المقدسة الأولى، التي امتزج فيها الدين مع الدولة بشكل أبدي طبقاً للفكر الشيعي. عمق المأساة لا يكمن في دينية المشهد التاريخي الأشهر الذي تم بين النبي وعلي (من كنت مولاه فعلي مولاه)، ولكن فيما تلى ذلك من توظيف للمقدس الديني لصالح الدولة الدينية التي تفرض سياج من المعصومية والقداسة المطلقة ضد كل محاولات التغيير أو الإصلاح.
فحينما تكتسب الدولة مشروعيتها من الدين، يصبح لا مكان لحقوق الفرد، أمام هيبة المجموع المؤمن بضرورة القطيع المساق إلى مذبح الدولة المقدسة، وتتحول المعارضة إلى فتنة ، والديمقراطية إلى تجربة تنتظر مباركة الولي الفقيه كي تتحقق ، والاختلاف إلى كفر و مقاتلة لله تعالى ، كما صرح بذلك رموز الثيورقراطية الإيرانية. ويصبح العنف هو الحل الأقرب والأسهل، خاصة إن كان عنفاً مباركاً بقوة الحرس الثوري الذي يتلقى أوامره من الإمام المهدي مباشرة، كما وقع في المصادمات التي تلت انتخابات الرئاسة الإيرانية العام الماضي، الذي صنف أكثر سنوات الثورة دموية وعنف.
القضية لا تكمن فقط في تقرير الأمم المتحدة عن العام الماضي الذي أدان إيران لانتهاكها حقوق الإنسان، فتلك التقارير غالباً ما تكون ذات طابع سياسي أكثر منه حقوقي، وتعتمد على الإحصائيات المجردة دون البحث في الخلفيات الحقيقية للصورة. فإيران ليست الدولة الوحيدة التي تعاني من اضطهاد سياسي أو تمييز ديني، فهذه سمة عامة في أغلب مجتمعات الشرق الأوسط. ولكن الفكرة الأعمق، أن الاضطهاد أو التمييز أو العنف الموجه والمنظم، يكتسب مشروعية دينية في الدولة الإيرانية، وبالتالي يصبح من المستحيل تغييره أو إصلاحه، فتكفي فتوى تصدر عن أحد رؤوس النظام، ليتحول الشارع إلى حالة هستيرية من الدموية، فالخلاف ليس بين المعارضة أو النظام، ولكن بين الله والشيطان، بين الإيمان والكفر. فقد امتلأت السجون بما يزيد عن 700 معتقل سياسي خلال عامي 2009 / 2010، غير معلوم مصير معظمهم، بعد خروج آيات الله بفتاوى مثل تكفير المتظاهرين أو دعوى اعتقال رؤوس الفتنة كما صرح بذلك (آية الله أحمد جنتي) في صلاة الجمعة، أو غيره من رموز النظام، بل أن المعارضة نفسها تكتسب مشروعيتها من رجال داخل الحوزة الدينية مثل (آية الله صانعي) الذي كان مرشحاً ليأخذ مكان (آية الله منتظري) بعد وفاته، لولا تدخل النظام بقوة ضد أي محاولة لشرعنة المعارضة، فالخلاف على امتلاك الشرعية الدينية، التي تمنح صاحبها أحقية التواجد السياسي في المجتمع الإيراني.
تلك الشرعية لا تستخدم فقط في الصراع مع (مير حسين موسوي) أو (مهدي كروبي) أو غيرهما من رموز الإصلاح السياسي، ولكنها تنسحب على كل مجالات الحياة، ففي مجتمع أصبح يعاني من كل أشكال الضغوط الاقتصادية، التي يفسرها المراقبون بفساد الحكومة والجهاز الإداري، وترتفع فيه نسب الطلاق بشكل ملحوظ خلال العام الماضي، مما أدى لازدياد معدلات الدعارة، بسبب العنف الاجتماعي ضد المرأة وهروب الفتيات من بيوتهن ، نتيجة لارتفاع أسعار السلع الأساسية لأربعة أضعاف تبعاً لأخر إحصائيات البنك المركزي الإيراني. بل أن حالات الاعتقال والسجن ازدادت بنسبة 35% كما صرحت العديد من المراكز الحقوقية الإيرانية. أصبح من الطبيعي أن تسعى الدولة لمزيد من المشروعية الدينية والسياسية، لتزيد من مساحات السلطة المجتمعية، وبالتالي ترتفع معدلات العنف ضد المطالبين بالحقوق الفردية.
فالعنف في حالات الرجم، أو إعدام الفتيات الأقل من أربعة عشر عاماً، أو الإعدامات الجماعية كما حدث في سجن (وكيل آباد) من إعدام 23 شخص، تصر المعارضة أن من بينهم بعض المعتقلين السياسيين. أو مقتل ما يزيد عن إحدى عشر امرأة في أحداث مصادمات الانتخابات الأخيرة، وقمع للحقوقيات أمثال (نسرين ستوده) التي أضربت عن الطعام لمدة 25 يوماً الشهر الماضي، احتجاجاً على اعتقالها بدون أسباب جنائية واتهامها بإثارة الفتن ضد الدولة والمجتمع. وكذلك أشكال التمييز الديني ضد السنة والبهائيين. تُكوّن في النهاية مشهد دموي لا يمكن أن يتحقق إلا تحت مظلة الدولة الدينية، التي اعتادت أن تسمع صوتاً واحداً تظن أنه يأتي من السماء لها وحدها، ليرشدها إلى الحق، ويبارك أفعالها.
بل أن التمييز قد انسحب على القانون ، فقد تم أثناء هذا الشهر، تعديل قانون الأحوال الشخصية بما يعطي للرجل أحقية الزواج الثاني دون أي يُعلم زوجته الأولى كما كان ينص القانون قبل ذلك، مما أعتبره بعض الحقوقيون ، أنه شكل أخر للتمييز الجنسي ضد المرأة، ومحاولة للقمع الذكوري إضافة لكل ما تعانيه المرأة في إيران من اضطهاد اجتماعي وسياسي.
وفي نفس التوقيت الذي يتم فيه إغلاق العديد من الصحف والمواقع التي صُنفت في مجملها معارضة للنظام الإيراني، منها جريدة (اعتماد ملي) التابعة للحزب الذي يرأسه (مهدي كروبي) واعتقال العديد من المراسلين والصحفيين، يغدق الرئيس الإيراني أحمدي نجاد من المال العام، حوالي خمسة مليارات تومان على مجموعة من صحافي الحكومة بمنح غير مبررة، بواقع 400 ألف تومان، لحوالي تسعة ألاف صحفي في المواقع والصحف الرسمية وشبه الرسمية، بحيث يصبح الولاء التام للنظام، أو لشخص أحمدي نجاد ذاته، خاصة في ظل ما تواجهه حكومته من أزمات سياسية واقتصادية مع البرلمان. أي أن السياق الإعلامي الإيراني أصبح ذا صوت واحد يتسق مع طبيعة الدولة التي لا تقبل إلا الأصوات المألوفة والمعتادة. بل أن زيارات آية الله خامنئي مرشد الثورة ، المتكررة لمدينة (قم) المقدسة خلال الشهر الماضي، كان الهدف منه منع أي انقسامات كانت وشيكة الحدوث داخل الحوزة الدينية، لتظل المشروعية متوحدة و موحده أسفل العباءة المقدسة، خاصة في ظل الأزمات الخارجية والداخلية التي قد تمثل خطراً إن تمكنت المعارضة من استغلالها.
فرغم كل ما تعانيه الدولة الإيرانية من معارضة وانشقاقات داخلية، وكأنها دولة تتحرك فوق صفيح ساخن، إلا أنها ستظل أكثر عنفاً وقوة، بما تملكه من مشروعية، يحول كل سياقها الاجتماعي إلى أرضية المقدس، حيث يملك رجال الدين الزمام. وعلى حقوق الإنسان أن تحيا وهم انتظار المخلص بعد أن يأذن له رجاله في الظهور.

أكاديمي مصري
ahmedlashin@hotmail. co. uk