التقنية المزدوجة في مزج هندسة الخلايا مع تقنية الخلايا الجذعية

قبل حوالي عشر سنوات تقدم الأخوان فاكانتي Vacanti(جوزيف وشارلس) وهما طبيبان في أمريكا من أصل صقلي، بمنظر مفزع، من فأر قد نبت على ظهره صيوان أذن إنسانية؟
انتشرت الصورة مثل الكابوس المخيف عبر الأروقة العلمية، والكل يتساءل ماذا أرادوا بهذا مثلا؟ يضل به كثيرا ويهدي به أكثر؟

إنه عصر الهيبريد Hybrid؟
عصر مزج الكائنات، كما في خرافة قصة (نيسوس Nesus) من الأساطير اليونانية؛ فقد أرادت امرأة هرقل من هذا الكائن الأسطوري، جسمه فرس ورقبته جذع إنسان والرأس رأس إنسان، أن يذهب بقميص نسجته؛ فيرويه من نبع الحب، فيزداد هرقل تعلقا بزوجته، فعمد نيسوس إلى نبع الكراهية والشيخوخة فأشبعه نقعا، ورجع إلى هرقل، فلبسه فمات به؟
قال (أوري أفنيري) الصحفي الإسرائيلي في التعليق على هذه القصة سيكون مصير بني صهيون مع فلسطين مثل قميص نيسوس وهرقل وزوجته فنموت هنا.
والأخوان فاكانتي أمام الحاجة الملحة للتبرع بالأعضاء من قلب وكلية وكبد، فكروا في استنبات أعضاءً وليس أنسجة، تغطي حاجة الناس المصابين، بفشل كلوي واعتلال قلب وانهيار كبد؟
ولكن المشكلة كانت أنها فكرة جيدة من الناحية النظرية ولكنها اصطدمت بعقبات عملية.
وفي خريف 2008م وبعد عشر سنوات من اختراقات الأخوان فاكانتي (التي تحتاج لمقالة مستقلة)، باشر طبيب جراح تحت التدريب، من أصل نمساوي من منطقة التيرول، هو (هارالد أوت Harald Ott) الذي يعمل في المشفى العام ـ ماسوشيست، في بوسطن، مع زميلته (دوريس تايلور Doris Taylor) من جامعة مينيسوتا، من الوصول إلى مزج تقنيتين، هندسة الخلايا القديمة من الرواد فاكانتي، مع إضافة خلايا جديدة للعضو الميت، بعد الوصول إلى مركب سحري، لتنظيف العضو من كل خلية، وهو ما عرف بتقنية (اللاخلوية أو نزع الخلايا Decllularization) بحيث استطاعا أن يجعلا قلبا يخفق مما عقد لسانهما عن التعبير فضلا عن دهشة الجو العلمي.
قال الجراح النمساوي أوت: لقد قمنا بنزع الخلايا من قلب جرذ، بحيث أصبح قطعة ميتة من الكاربوهيدرات والبروتين ثلاثية الأبعاد، ثم حقناها بالخلايا من نفس أنابيب الأوعية وراقبنا ما يحدث؟ لم نصدق عيوننا حين رأينا أمامنا قلبا بدأ بالخفقان؟
وحين أبصرنا التقلصات الأولى وقفنا وقد عقدت الدهشة ألسنتنا؟
ولفهم هذه التقنية أعمق يقول الطبيب (ستيفان باديلاك Stephan Badylak) من معهد الطب الترميمي من جامعة بيتسبيرج (Institute for Regeneration Medicine of Uni.Pittsburgh) إن مبدأ النزع الخلوي هام لأن ما يتبقى هو (سقالة) ما يذكر البناية على العظم بدون أي ديكور من خلايا، تحوي كولاجين وبروتينات شتى، وهي تتشابه بين الإنسان والعجل والخنزير، كما هو الحال في الأنسولين مثلا فهناك تشابه إلى حد كبير في تركيب الأحماض الأمينية.

الطبيب أوت يصنع قلب جرذ وبالأيسر صيوان أذن بشرية على ظهر فأر

وهذا التشابه يساعدنا في التغلب على ظاهرة الرفض عند من زرع عنده العضو التالف.
وفي الوقت الحالي فقد تمكن الجراح أوت من إنتاج قلب جرذ يعمل بقوة 2 ـ 5 % وهو جيد كبداية، ويذكر بأول طيران للأخوين رايت فقد طارا إلى مسافة 100 متر فقط عام 1903 م ونحن الآن نرسل مسابر إلى بلوتو على بعد ثلاث مليارات كم؟
ولكن الباحثين كانوا مسحورين حين رأوا القلب بعد عدة أيام من عمله أن يقوم بضخ السوائل عبر الأوعية الكبيرة إلى الجسم.
وهذه التقنية أي أخذ مخلفات وباقي الأنسجة من مادة الكولاجين وما شابه استخدمت بنجاح في عدة مجالات، فقد تم استخدامها عند العديد من المرضى من نسيج المثانة منزوع الخلايا.
كذلك استخدمت أمعاء الخنازير، وعرف أنها تفيد في معالجة الجروح والقروح المزمنة المعندة.
واستطاع باديلاك في بيتسبرج أن يستفيد من أنسجة أمعاء الخنازير في تصنيع الحالب المخرب بالسرطان، وكذلك في دعم أنسجة المثانة تلك التي تضعف في الاحتفاظ بالبول عند المسنين.
كذلك ظهرت إمكانية لتطبيق هذه التقنية على المصابين بتكلس الشرايين، فقد تم استخدام هذه التقنية من قاعدة عضوية من الخنازير، بعد رفع الخلايا منها، و عاملوا بها 13 كلبا، فقطعوا في مكان شريان الأبهر منطقة 5 سم، ثم وضعوا محلها القطعة بدون خلايا من نسيج ميت، فلاحظوا بعد فترة أن الخلايا زحفت إلى الجدار الداخلي فطلته مثل الطينة الداخلية في بناء البيوت بعد العظم، وكذلك غزت الخلايا من الدم المتدفق في المنطقة فحولت القطعة الجديدة إلى نسيج حي بخلايا حية وبدأ بالتقلص والارتخاء مثل شريان طبيعي تماما.
وهذا الحلم لم ينجح في كل مكان، فقد حاول تحقيقه الطبيب (اندريس هيلفيكر Andres Hilfikir) من جامعة هانوفر في ألمانيا محاولة استنبات أعضاء عبر المخبر، ولكن جهوده خابت، ويحصل هذا دوما مع كل خطوة ريادية، بأخطاء فنية بسيطة، فهذا هو سر المهنة كما يقولون؟
إن نجاح جامعة بوسطن بث الحماس في قلوب الكثيرين لدخول عتبة إنتاج أعضاء بدون رقم وحدود، بقدر حاجة المشفيات له، وبدون انتظار رحمة وظروف وموتى المتطوعين ليستفيد منه طوابير المنتظرين؟
ومن لم ينجح في استنبات الأعضاء فمرده ربما إلى طبيعة المواد الكيماوية المستخدمة لنزع الخلايا القديمة؟
فمن أجل الوصول إلى السقالة (مثل على العظم في البنايات والفيلات) لابد أولا من نزع الخلايا وبصورة شاملة، ومن أجل هذا يجب وضع أنبوب في وعاء رئيسي في القلب مثلا، كما فعل النمساوي أوت، ثم حقن المادة الكيماوية بحيث تتخلل كل العضو عبر أنابيب الأوعية، فتصل من خلال الشريان والشرينات الصغيرة كما يصل الدم بالحالة الطبيعية إلى كل خلية، هذه المرة سائلا قاتلا يفجر الخلايا جميعها، فتنزلق وتتزحزح من مكانها وتتحول إلى أنقاض تجرف بالسائل المتدفق المتتابع عبر الشريان الرئيسي، وهكذا حتى يتم جرف كل الخلايا، (مثل تدمير البنايات قبل وضع أبراج جديدة محلها)، فلا يبق في النهاية إلا كتلة ميتة من كولاجين وسكر وبروتين ودسم من مواد عضوية، بدون أية حياة.... بدون أي خلية؟
لقد جرب (أوت) حين عرف أن السر هو في الوصول إلى هذه المادة الكيماوية الساحرة من أجل تدمير وجرف كل الخلايا والحفاظ على شكل ثلاثي الأبعاد من مواد جامدة، ولقد عثر على السر بعد تجارب كثيرة فاهتدي إلى مادة هي نوع من أنواع كبريتات الصوديوم (Natriumdodecylsulfat) وصفه الجراح أوت: إنه مركب يشبه مزيج معجون الأسنان والشامبو!؟
وبعد أن يتنظف النسيج من كل أثر خلوي تبدأ المرحلة الثانية من حقن المكان بنفس الأنابيب التي أصبحت رائقة، والعضو مثل البلور، بحيث يمكن رؤية هذه الأنابيب الوعائية بالعين المجردة بعد زوال كل نسيج، وبعد حقن الخلايا ويجب أن تكون بالكمية الكافية للقلب، فكل غرام من نسيج القلب يتطلب زرع 40 مليون خلية عضلية.
ومن أجل الوصول إلى هذه المادة فقد عمد أوت إلى أخذ قلب من جرذ حديث الولادة فقطع وطحن القلب فتحول إلى مستحلب يضم خلايا عضلية حديثة العهد، فقام بحقنها في بقايا القلب السابق المأخوذ من الجرذ والذي نزعت خلاياه وتحول إلى قطعة من البلاستيك الجامدة بأنابيب وعائية تصل لكل مكان.
بعد حقن المستحلب الخلوي الجديد، تم الانتظار لرؤية ما ذا تفعل الخلايا الجديدة؟
ولم ينس الفريق من ضخ الأكسجين الكافي والغذاء المناسب للخلايا الجديدة وكأنها في موضعها في قلب الجرذ البيبي (Baby)؟
كانت النتيجة صاعقة فقد (تعمشقت) الخلايا وغرست نفسها في بقايا النسيج وبدأت في التكاثر في كل مكان.
إنها تجربة تذكر بقصة الدكتور فرانكنشتاين؟
بعد أربعة أيام بالضبط بدأ القلب بالخفقان، وبعد أربعة أخرى بدأ بالتقلص والفريق العلمي لا يصدق.
وسبحان من يخرج الحي من الميت، ومخرج الميت من الحي، ذلكم الله فأنى تؤفكون.
لقد رأوا تجربة الحمار الميت عيانا كيف ينشز، والرجل الذي غاب عن الزمن قرنا، وتجربة إبراهيم وهو يرى طيران الطيور المقطعة باتجاهه، فقال أعلم أن الله على كل شيء قدير..
وهنا سبَّح الفريق العلمي على قوانين الله التي رأوها وهم لا يعرفون كيف تحدث وأين سر الخلق والخليقة...
بعد ذلك ضربوا القلب بالكهرباء حتى ينتظم في خفقانه فاستقام أمره، ومضى إلى أربعين يوما على هذه الشاكلة، يخفق، وبشكل منتظم مثل قلب أي جرذ، وبنفس السرعة والانتظام، مع قدرة ضخ السوائل بقدرة العليم اللطيف الخبير..
إن هذا الفتح المبين في إنتاج قلب جرذ، وصناعيا، ومن المواد العضوية ذاتها، تفتح الطريق لإنتاج كبد وكلية وسواها، فهي أسهل بناء، من تركيب القلب، لخلوها من العضلات، التي تدفع القلب للتقلص، ففي الكبد مجاري صفراوية تفرز، وفي الكلية أنابيب للبول تتدفق، وليس من عضلات.
كما أن حجم قلب الجرذ يعتبر صغيرا، ولكن قلب الخنزير يقترب من حجم قلب الإنسان؛ فيمكن تطبيق نفس التقنية لاستنبات قلوب بشرية.
والسؤال الذي يحوم حوله الباحثون أين مصدر الخلايا ومن أين الحصول عليه؟
والجواب السريع يبدو أن ينبوع الشباب سيكون من الخلايا الجذعية التي هي أم الخلايا، وعندها قدرة التشكل على أي نوع؟ وهي متوفرة في نقي العظام والحبل السري، فلا يقطع ويرمى من كل جنين بل يحتفظ به ليوم الفصل؟ كما عثر عليها في الخلايا الشحمية فليفرح البدينون بطول سلامة ومدخرات لا تعرف النفاد.
إن التقنية المقترحة الحالية هي التالي:
(1) المرحلة الأولى: أخذ قلب خنزير مثلا، فتح الوعاء الرئيسي بعد قتل الخنزير وانتزاع القلب منه. تضخ المادة الغاسلة والمدمرة للخلايا عبر الأوعية، حتى يتم التخلص كلية من الخلايا، ويبقى لدينا كتلة ثلاثية الأبعاد، من مادة هامدة لا حياة فيها، من الكولاجين والسكر والبروتينات وما شابه، ما تعرف باسم الماتريكس (Matrix) ـ آسف لعدم وجود كلمة مرادفة باللغة العربية المتوقفة عن النمو منذ أيام ابن خلدون؟ ـ....
(2) المرحلة الثانية: يتم انتزاع قلب خنزير من صدر خنزير حديث الولادة، يقطع ويفرم ويطحن إلى حين وصوله إلى شكل مستحلب خلوي!!
(3) المرحلة الثالثة: يتم ضخ المواد السائلة على شكل مستحلب تحوي الخلايا من خنزير حديث الولادة كما ذكرنا، بحيث تتسرب إلى كل مكان في المادة الهامدة الماتريكس..
(4) المرحلة الرابعة: يتم ضخ الأكسجين والمواد الغذائية المنعشة للخلايا المحقونة تتغذى وتتنفس وتعيش منها
(5) المرحلة الخامسة: خلال أيام قليلة يبدأ القلب بالخفقان من وراء الخلايا التي شكلت قلبا جديدا، بعدها بالتقلص لاحقا وضخ السوائل.. يتم نفض القلب بالكهرباء، كونه يحوي نقاط عصبية لتنظيم ضربات القلب.. فيكون لدينا قلبا منتظم الضربات، يعصر الدم إلى الأوعية، ويصبح قلبا جاهزا للزرع في صدر إنسان، أخذت الخلايا من خلاياه الجذعية بالذات، فيزرع محل القديم التالف، مثل تغير شيكمان سيارة أو تنزيل موتور (عفوا) فلا رفض ولا إزعاج بل تحمل كامل، وقلب جديد يسبح بحمد الخالق الذي يعلم السر وأخفى..
كل قد علم صلاته وتسبيحه...