يوم الثامن من آذار للعالمين يوم المرأة والرحمة، وهو في ذاكرة الشعب السوري يوم نعيق ولعنة!
ففي مثل هذا اليوم الحزين دخل الشعب السورية نفق الديكتاتورية إلى أجل غير مسمى؛ قد طال اليوم وتطاول حتى دخل مع كتابة هذه المقالة 47 سبعا وأربعين سنة، أي نصف قرن من المترعات من الليالي الحزانى، دفعت أنا شخصيا من آلامها أربع دخلات إلى الحبوس، ودارت الدورة على مئات الآلاف أن يكونوا ضيوف الموت والزنازين المظلمة وحدائق التعذيب العامرة.
واليوم مع هذه الذكرى الحزينة التي يتوهم الكثيرون أنها للمرأة، هي للشعب السوري ذكرى الديكتاتورية العسكرية التي ما يزال مرهونا في قبضتها إلى يوم الزلزلة...
ابتدأ سفر المصايب والرزايا في خط صفحات من الألم والعذاب والحبوس والفلق، بل وتحول مصائر شعوب وأمم من الحرية إلى الأغلال والعبودية، كما يقول هيرقليطس عن الحرب..
ابتدأ سفر العبودية بتخطيط من الماكر ثعلب سوريا الحوراني الحموي في دفع ضباطه إلى الانقلاب، واليوم تدفع ابنته الثمن عنه بعد وفاته في حبوس البعثية، وانتهت بيد زعيم القراصنة بخنجر مسموم وجمجمة وعظمتين على علم أسود..
فما هي القصة التي يجهلها اليوم الكثيرون بعد مرور نصف قرن على بدايتها الحزينة؟
قبل سبع وأربعين سنة، وفي مطلع الربيع ولد الشتاء، ولعلع البلاغ رقم واحد صباحاً، وكنا نسمع الراديو، وظننا أنه حدث عابر، وسحابة صيف قائظ، ولم يكن يخطر في بالنا أن الحوت البعثي، سيلتقمنا في بطنه إلى يوم يبعثون، بعد أن لم نعد مسبحين؟
ومع هذا اليوم المشئوم، كتب لعديد من تعساء الحظ، قبل أن يخرجوا من أرحام أمهاتهم، في سجلاتهم، أنهم من المعتقلين، بين مئات الآلاف من المعذبين والمقتولين في مغامرات لبنان ومخيم الزعتر وحي الشارقة وحماة المنكوبة وصحراء تدمر مع الغربان!
ومع دخول هذا النفق المظلم، بدون أمل في الخروج، أكتب هذه الأسطر بعد مرور قريبا من نصف قرن على هذا الحدث الجلل.
كانت سنتان فقط أتذكرها جيدا بين عامي 1961 و 1963م، التي سميت بالانفصال، شعرنا فيها بنسمات من الحرية..
ثم أطبق الظلام، وسكت الأنام، وبلع الخوف الجميع، في ظل حارس مسلح بكلاشنكوف؟
أكاد لا أصدق أن يصل الأمر بنا إلى هذا الدرك الأسفل من النار؟
كيف خسرنا وطننا، وضاع شرفنا، وهلكت حريتنا، وبارت عملتنا، وامتلأت الحبوس، وأزهقت النفوس، وتحول البشر إلى تيوس؟...
كوتنا غربتنا فرحلنا إلى أرض الدببة القطبية في كندا نجمد فيها من البرد هربا من لسع جحيم الشرق الأوسط؟
واليوم يعيد الأبناء الدورة من جديد، على يد المجرمين، فيدخلون السجون، ويعيشون كالعبيد، وينالون قسطاً من العذاب في أقبية المخابرات، لا تشفع فيها شيخوخة المالح أن يزج بالسجن لكلمتين، أو لشاب قروي أن يقرأ مقالتين ونصف فيرسلها الى شخصين ونصف، فيسجن سنتين ونصف، فالكل مشبوه، والكل مطلوب للعدالة بدون عدالة، والكل يخاف من الكل في جمهورية الخوف؟
وكأن شيئا لم يتغير، وكأن العالم لم يتقدم شعرة. وخلال عشرين رجع العالم العربي 400 سنة إلى عصر المماليك البرجية أيام سعيد جقمق وبرقوق؟
عجيب هذا العالم الذي نعيش فيه، من حيث السرعة، فيمكن أن يتباطأ الزمن فلا يتحرك، ويمكن أن يسرع فلا يحس به من أحد، أو يسمع لهم ركزا؟
ونحن توقف الزمن عندنا، أيام دولة الحمدانيين الثانية بدون متنبي.
وتلك الأيام نداولها بين الناس.
بدأ سفر الخروج لي يوم 13 يناير 1975م، فعشت في ألمانيا، ثم دخلت العالم العربي، بدون أن أدخله، ثم يممت وجهي شطر الغرب، وقلت إني مهاجر إلى ربي، كما قال إبراهيم من قبل، صاحب الحجة البالغة. فودعت ديار البعث إلى يوم البعث، بدون أسف على أرض الفراعين الجدد.
وقلبت وجهي في سماء كندا، فاتخذت منها وطنا جديدا، كما وقع لنبي الله أيوب، حينما أبدله الله أهله ومثلهم معهم، رحمة من عنده وذكرى للعابدين.
لم تكن الأحداث الدامية قد وقعت، ولكن مؤشراتها كانت واضحة؛ فالتوتر يرتفع، والاحتقان يزيد، والنفوس تغلي، والطائفية تضرب بريح صفراء، ثم كانت نكبة مدينة حماة، حينما ذبح من أهلها عشرون ألفا أو يزيدون؛ أكثر من حلبجة صدام، ولكن الإعلام شيطان أخرس، فهو يرفع أقواما ويذل آخرين، حسب التبعية والرضا، وتبقى ملفات الطاغية محفوظة حتى يوم الغضب عليه.
وسبحان الله، فقد يموت طاغية في عزة وشقاق، محمولاً على عربة حربية، وعباده الوثنيين من حول قبره يلطمون الخدود ويبكون، كما كان يفعل أهل مصر القديمة مع جثة الفرعون بيبي الثاني.
ونحن نتأمل ونتألم. وسبحان مجري السحاب وهازم الأحزاب.
لقد كنت يوما في حارة عتيقة، في دمشق العتيقة، المملوءة بالغبار والفقر والوسخ والفوضى وجزيئات الأمن، فدخلت مسجداً أصلي؛ ففوجئت بقبر (أم) صلاح الدين الأيوبي فيه، فتأثرت جدا؛ ولكن المفاجأة الحقيقية كانت خارج المسجد، حيث وقعت عيني، على أثر تاريخي للأمراء الأيوبيين، وقد تحولت إلى مبولة؛ فكل من احتقنت مثانته، جاء فبال هناك بفائض من البول على رؤوس الأمراء الأيوبيين!
وقلت لو لم يكن قبر (الخاتون) في الداخل لأصبح أكثر من مبولة. وسيدور الدور على أمراء الاغتيال والخناجر من الحشاشين.
فهذه هي مصائر الملوك والأمراء ولا يختلف عنهم الطغاة الطغام.
ويجب أن نعلم أن صلاح الدين الأيوبي، لم يزيد عن جنرال عسكري ناجح، أتقن فن الحرب، لكنه كان يتمتع بأخلاقية عالية، شهد له بها الغرب قبل الشرق، ولكنه وبتوقيع من يده الكريمة، تم قتل (السهروردي) عالم حلب أن لا ينجو قط لا عند ابنه الملك الظاهر صاحب حلب ولا أن يغادر الأرض فمثله للقتل خلق؟
لكنه يبقى صلاح الدين، الذي كرس عمره لهدف نبيل، فعاش نبيلا، ومات نبيلا، بعد أن تعرض لخناجر حشاشي الجبل بالاغتيال ثلاث مرات، أكثر من سيوف الصليبيين.. حياه الله..
ولم يعلم أن سوريا ستسقط بيد الحشاشين بعد ثمانية قرون؟
وسبحان مجري السحاب وهازم الأحزابومن سلم القدس صلحا للصليبيين، بعد تعب صلاح الدين حربا، كان أخوه العادل من بعده بدون حرب وعدل، للملك فريدريك الثاني، بعد أن وعد بالزواج من أميرة صليبية شقراء الشعر زرقاء العينين..
وأبرز ما حدث حتى الآن، هو استعمار حالك، وهلاك مبين، وإفساد للحرث والنسل، وتدمير للبنية والإنسان والشجر، وقذف سوريا قرنا إلى الخلف، والعودة منكوسة الرأس من جمهورية إلى جملوكية، وهي ليست نكتة حزينة، بل موضة ستعم الغربان من بلاد العربان، من عامودة إلى نواكشوط والأصنام.
فهي ليست الوحيدة من بلاد العربان، التي تحولت إلى سفاري تسرح فها الضواري.
هذه الجملوكيات الإجرامية أخرجت أقذر ما في الإنسان،
وأدت إلى هلاك مئات الآلاف من الناس في تدمر وسواها، وذل مقيم، وفقر مدقع، ونهب منظم للبلد، واعتقالات لا نهاية لها، وفروع أمنية، بأربع وأربعين فرعا، مثل حشرة أم أربع وأربعين، نمت بأشد من ديناصور لاحم، وهبوط في قيمة العملة ألف وأربعمائة في المائة، ونزوح الملايين، هربا من الجبار، وكانت قيمة الدولار أقل من أربع ليرات سورية، والآن تجاوزت الخمسين، ولولا تدفق أموال الهاربين في شلال من ذهب إلى القامشلي وحلب، لأهلهم المنكوبين في الداخل، لأصبحت سلفا ومثلا للآخرين، في انهيار يشبه انهيار سد الزيزون في البلد المنكوب.
إنها أحداث يجب أن تسجل للتاريخ، وتتلى على أولادنا، وأولاد أولادنا من بعدنا، مع الدموع والحسرات، كما يفعل اليهود حتى اليوم مع تيتيوس الروماني وتدمير القدس والانتحار الجماعي في قلعة الماسادا، حتى يحذروا ثعابين الطوائف، ومرض الحزبية، وتسلط العسكر، ووطأة الديكتاتور.
لقد أصبح الرغام سادة الأنام، وأصبح العظام عظاما، وتحول أهل البلد إلى عبيد، فهم على أبوابهم يتسولون، وأصبح رئيس الفرقة العسكرية غير الموثوق، رهن إشارة ضابط صغير موثوق في أمرته، مما يذكر بظاهرة السرطان.
فالسرطان ظاهرة تمرد عجيبة، تزحف فيها الخلايا، من أمكنتها إلى أمكنة أخرى، بالانتشار، وهي تمرد في الوظيفة والزمان والمكان.
فخلايا الأمعاء الغليظة في سرطان الكولون مثلا، تترك مكانها، فتزحف وتتسرب لتصبح في الدماغ.
ومثلها أوضاع العالم العربي، فمن كانت مهمته الحراسة يصبح سجاناً، ومن كانت مهمته الخدمة، يتحول إلى قائد لامع، ومن كانت مهمته الحماية يتحول إلى لص شريف، بدون شرف.
دخلت النكبة عارمة إلى كل بيت، فليس من عائلة أو قبيلة أو عشيرة أو بناية أو شارع، إلا وأهين أحد من أبنائها بشكل وآخر، فمنهم من شرد أو هرب أو قتل أو ما زال السجن مأواه.
إنها كارثة عارمة مثل تسونامي خلفها زلزال اجتماعي بقوة عشرة ريختر..
جاء أولئك الثوريون فرفعوا الأبواق ضد الأنظمة الرجعية ونفخوا، ومن أجل إعادة فلسطين زعقوا، وتحت شعارات مثل الوحدة والحرية والاشتراكية هتفوا؛ فأصبحوا رجعيين أكثر من الرجعيين، ورجالات الحزب تحولوا إلى أبشع أنواع الإقطاعيين اللصوص، أفظع ممن سبقهم بدرجات، في أيديهم مسدس روسي، وتحته سيارة مرسيدس ألمانية، وبيده كابل صيني فتارة به يضربون، وتارة بالكهرباء يلسعون.
وقضية فلسطين تحولت إلى استجداء سلام، ممن ليس عندهم سلام.
وتحت دعوى الأمن نشروا الرعب؛ بتنين من الأجهزة الأمنية، فقتلوا الأمن والحياة، واغتالوا الحريات، ونسفوا الناس في لبنان بمحارق من سيارات مفخخة، وخرجوا من الباب مدحورين؛ فهم يتسلقون الجدران والحيطان مثل العيارين، على ظهور حزب الله عائدين، والله أمرنا أن نأتي البيوت من أبوابها بالشرعية..
ولكن أين الشرعية...
لقد أماتوا الإنسان ألف ميتة قبل الممات، وتحت الحرية اغتصبوا كل حرية، وأسسوا الاستبداد، بأشجار تنبت من أصل الجحيم، طلعها كأنه رؤوس الشياطين، وتحت مسمى (الاشتراكية) أقحموا الناس في جهنم السياسية، فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون في جنة الاشتراكية المزعومة.
وتحت الوحدة ترسخت الطائفية، وتحول القطر الواحد إلى أقطار، منه من انفطر، ومنه من هو في طريق إلى الانفطار العظيم
إنه لنبأ لو تعلمون عظيم.
وبحجة فلسطين أورثوا أولادهم الملك، وانقلبت الجمهوريات إلى (جملوكيات) كاريكاتير مثل كائنات الهيبريد التي تجرى عليها التجارب في مخابر الجريمة المخفية، فيحقنوا نويات خلايا إنسان بكروموسومات فأر؟ وهي بدعة بدأت تعم العالم العربي، وهو انقلاب في مخطط الزمن، وعكسا في اتجاه التاريخ؛ وتشوها في الخلقة والخليقة، فيبتكوا آذان الأنعام، ويبدلوا خلق الله تبديلا..
أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى؟ أمن يمشي سويا على صراط مستقيم؟
إنها أجراس إنذار لقوم مصابين بالصمم..
فالعراق اليوم أصبح ثلاثا، وقد يصبح خمس عشرة، كما تحولت الصومال تحت حكم المجرم (البري) البربري إلى دويلات لا عد لها.
وعندما تتفسخ الجثة، فإن مسلسل الانشطار لا نهاية له، إلا في مستوى البناء الذري لو كانوا يعلمون.
ونظام الحكم يتحول إلى كائن عجيب يذكر بقصة فرانكنشتاين، الذي جُمِع جسدا على كرسيه ثم أناب.
فهو يتكون من دماغ من نصفين من عائلتين. وقلب طائفي، و عمود فقري من ضباط طائفيين، الذين يمسكون بكل المفاتيح الحساسة، والفرق العسكرية، و44 جهاز أمني، يحس بدبيب كل نملة، وطنين كل نحلة.
وأما العضلات والعظام، فهي من أولاد الأقليات، وأما الحشى والضلوع فهي من بورجوازية المدن المنحلة، تتعامل مع النظام على طريقة المغني (صباح فخري) الحلبي طعماني وطعميتو، وأما الجلد الذي يغطي هذا الكائن الأسطوري فهو حزب البعث.
وهو كما نرى مجموعة متنافرة من الأعضاء في جسد كله ذي عوج.
والآن وبعد مرور 47 سنة يشعر الإنسان، أن الجبار نجح في تخليد اسمه على نحو ما، كما فعل من قبل هتلر وتيمورلنك وبول بوت وصدام وستالين وهونيكر (الأخير نسف وأذله الله)، وكل السفاحين، مقروناً بالرعب، وفرق الحشاشين للاغتيالات في العواصم الأوربية، والمخابرات، والقتل، والجلد، والفلق والحبوس والإفراديات، والهزائم العسكرية، والفوضى الطائفية، وانحلال البلد، وبوار التجارات، وهلاك النفوس، في قنوط مقيم، وهبوط العملة، وكساد السياحة، والانفكاك عن العصر، وتدمير التراث، بنهب سجادات وثريات المسجد الأموي في حلب، وتحويل البلد كله، إلى سجن كبير، يضم مواطناً مسكينا ويتيما وأسيرا.
باختصار التدمير المنظم لكل شيء في أي وقت تحت أي مسوغ، بما تعجز عنه الصهيونية وبني صهيون؟ فهل يريدون من المواطن الدفاع عن وطن لم يبق وطن؟
هذا الجبار حكم البلد، كما وصفه الكاتب الألماني (بيير مان) بدون ضمير ورحمة.. انقلابي مدرب، قاتل المواطنين، ناشر وباء الطائفية، استطاع أن يضع البلد لمدة أربعة عقود، في براد مثلج، تحت الصفر أربعين، ألعن من سيبريا شرق أوسطية، ومات الجبار، ولكن بقي يحكم من قبره فيتابع الرحلة، ومن عصابته، من يدير دفة سفينة قراصنة محطمة، يقتات على الحطام والهزائم والفقر وذل المواطن..
ذكرى للغافلين والنائمين في أي غابة يعيشون.
إن الألم له فلسفة فهو يطهر.
والمعاناة تفتح العيون على واقع ليس فيه راحة.
وكما يقول كافكا في قصته (التحول) أن المواطن ينام ليستيقظ فيجد نفسه قد أصبح خنفسة أو صرصار أو جندب يعزف لحن الليل بسيقانه؟
والمواطن الذي يدخل المعتقل ليس كمن خرج.
وكتبت أنا على جدار زنزانتي الإفرادية، في معتقل كركون الشيخ حسن، في يوم خريف تعيس:quot;ليس من دخل السجن كمن خرج!quot;. quot;ربي أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدقquot;.
كان ذلك عام 1969 م وزوجتي حامل في شهرها الخامس، مما حول عرسنا مأتم، وبدأ جنينها يضرب بأقدامه الصغيرة بطن أمه، معلنا القدوم إلى الحياة، حيث وطن بلا حياة، يضم حفار قبور، وعناصر مخابرات، تحرس المقبرة، وجثث تتوافد في عالم، الكل فيه ميت، من هو فوق الأرض، وما تحت الثرى.
ومن يعيش في السجن الكبير، يجب أن يستوعب حقيقة أن يفتح كتاب النبات، فيدرس وظائف النبات، ويمارس نشاط النبات؛ فالنبات لا يقرأ وعلى المواطن (الصالح) أن لا يقرأ، إلا ضمن ما يقرأه له الحزب القائد.
إن لكل أمة ذكرى حزينة، مغموسة بالدموع؛ فالشيعة يجلدون أنفسهم حتى النزف والإغماء، في ذكرى قطع رأس الحسين، على يد يزيد اللعين.
وهكذا يحتفل الصرب بالشموع عند أمسل فيلد ويبكون.
واليهود يتذكرون سبي بابل، ومذبحة الماسادا، ونكبة القدس عام 70 م على يد القائد تيتيوس الروماني، الذي هدم المعبد، ومزقهم شر ممزق، فأصبحوا أحاديث، وما زالت العائلات اليهودية، تصيح في الذكرى؛ ليلتصق لساني بحلقي إن لم أذكر الهولوكوست ومذابح كييف وأوسشفيتز.
إنها المعاناة، ومن نار المحرقة ولد الشعب اليهودي.
إنه الألم المقدس.... ولقد خلقنا الإنسان في كبد.
وهكذا يشعل أهل المغرب الشموع عند سجن (تزما مارت) ليتذكروا أولئك الذين قتلوا ألف قتلة قبل الموت.
وهكذا يجب أن يفعل أهل سوريا، عند سجن تدمر المشئوم، وأن يجتمعوا كل سنة، في يوم الحزن الأعظم، حينما تمر الذكرى المشئومة لـ 8 آذار، يوم الانقلاب الملعون، الذي قلب حياتنا إلى محزنة، وحريتنا استبدادا، وعزنا ذلا، وسورية إلى مقبرة، ونور عيوننا إلى ظلام، فنحن نعيش عالم القبور، في ظلام دامس، إذا أخرج يده لم يكد يراها.
إنه انقلاب قلبنا، فأصبحنا نمشي على رؤوسنا.
ومن يمشي على رأسه يخسر رأسه ورجليه معاً.