أتعجب كثيرا من الأزمة التي أقامها حزب الوفد العريق ضد جريدة المصري اليوم القاهرية، بسبب نشر أحد محرريها وهو الدكتور عمار علي حسن خبر عن إن هناك صفقة قد تمت بين النظام وأحزاب المعارضة، يحصل من خلال هذه الصفقة حزب الوفد علي عدد ثلاثة وعشرون مقعدا في الانتخابات القادمة في مجلس الشعب!! وسر تعجبي هو موقف حزب الوفد المتشنج من هذه الأزمة لدرجة أن الحزب لم يكتفي بالرد علي quot;المصري اليومquot;من خلال جريدته اليومية بل أمتد الأمر لتقديم بلاغات ضد الجريدة والمحرر للنائب العام!!! وكأن الصحفيون والإعلاميون أصبحوا ملطشة في مصر، بالرغم من القيمة الكبيرة التي يمثلها مثل هؤلاء في بلاد أخري ربما تكون أقل مستوي ثقافي واقتصادي من مصر، الأمر الذي استفزني وأحرجني أمام ضميري ودفعني لكتابة هذا المقال دفاعا عن حرية التعبير وحرية الصحافة في مصر.

لقد قادتني الصدفة لقضاء سهرة مع بعض الأصدقاء وكان من بين الحضور قطب وفدي كبير، بدأ القطب كلامه بأن حزب الوفد هو حزب الأمة وحزب الوحدة الوطنية وسرد تاريخ الوفد الذي نعتز به جميعنا، فخطف الرجل قلوبنا وعقولنا وهو يذكرنا بأجمل فترات التلاحم الوطني المصري أبان ثورة 1919 ويعيد لنا القصص والحكايات الجميلة، فكنا نصغي إليه بل ندفعه ليستكمل فلقد كانت جلستنا في أعقاب حادث نجع حمادي البشع، فكنا نتحسر علي مصر الليبرالية الجميلة ونتعجب كيف سارت بلدنا للخلف، ثم أنتقل الرجل في حديثه لموضوع خطير وهو الإعلان لنا عن أتفاق تم بين الحكومة والمعارضة يتم بموجبه حصول المعارضة علي خمسين كرسي في انتخابات مجلس الشعب القادم ويحصل منهم حزب الوفد علي ثلاثين مقعدا، ولأن حزب الوفد هو حزب الوحدة الوطنية فسيحصل الأقباط علي ست كراسي من الثلاثين، ولكي يثبت الرجل صدق كلامه أشار لأحد الشخصيات النسائية القبطية بنت القطب الوفدي القديم والتي انضمت لأحد الأحزاب الأخرى، ولكن السيد رئيس الحزب قد قام بإبلاغها بالاتفاق ودعاها مجددا للعودة لحزب أبيها والذي هو واحد من أبرز رجال الوفد عبر تاريخه الطويل. وكان رد السيدة إيجابي جدا ووافقت علي الفور وقدمت استقالتها من أحد الأحزاب وعادت وانضمت من جديد للوفد وسيكون لها مقعد في مجلس الشعب القادم، فسألت الرجل وما الدليل علي صدق هذا الكلام؟؟ رد الرجل بكل ثقة سوف يحصل حزب الوفد علي ست مقاعد في انتخابات الشورى القادمة في شهر ابريل، سألته عن الأخوان فقال لقد أنتهي دورهم!!!!!

من ناحيتي لم استغرب ولم أكذب كلام الرجل بل صدقت كلامه وخصوصا أنني أحد المقتنعين والذين كتبوا عن الصفقة التي تمت بين النظام والإخوان والتي حصل

الإخوان بموجبها علي ثمانية وثمانين مقعدا وكان أخر ما كتبته بخصوص هذا الموضوع مقال بعنوان quot;الإخوان طعم النظام الذي ابتلعناهquot; تعاهدت مع نفسي على ألا اكتب في هذا الموضوع احتراما لأصدقائي والذي كان القطب الوفدي ضيفا عليهم، وفعلا لم أكتب حتي جاءت الأزمة الأخيرة وشعرت بألم الضمير وتعاطفت مع المحرر والجريدة اللذان كان كل منهم يؤدي وظيفته ودوره بأمانه ولربما تعاطفي مع المحرر دفعني للكتابة في هذا الموضوع فلربما كنت أنا نفسي المقدم ضده البلاغ.

الغريب أن الكل يعرف كيف تسير السياسة المصرية ووجه الشبه بينها وبين لعبة الكراسي الموسيقية، وكيف أصبحت المعارضة والأخوان بل والشعب كله لعبة في يد النظام تارة يستخدم الإخوان عندما يريد ان يمرر التوريث ويعدل الدستور ليضع الغرب والشرق والشعب بين اختيارين لا ثالث لهما إما النظام إما الإخوان وتارة يستخدم المعارضة حتي يصير شكله مقبولا للعالم الخارجي، المهم أن الشعب في النهاية هو الضحية، فالنظام والإخوان والمعارضة يتقاتلون نهارا تحت القبة البرلمان أو أمام شاشات التلفزيون وعدسات مصوري الصحف ويعقدون صفقاتهم ليلا بعيدا عن الشعب المسكين، هذا هو ملخص اللعبة السياسية في مصر، وفينك يا عم يوسف وهبي لتقول quot;وما السياسة في مصر إلا مسرح كبير، لا بل هي تمثيلية هزلية بايخة ودمها تقيلquot;.

أغرب ما في الموضوع أنني قرأت خبر بجريدة الوفد عن تقديم الأستاذ صلاح الصايغ عضو حزب الوفد بلاغ ضد صحيفة المصري اليوم والمحرر، الغريب في الموضوع أن السيد الصايغ هو صحفي أصلا. عموما أعلن تعاطفي ومساندتي للمحرر وجريدة المصري اليوم وعلي استعداد للشهادة شهادة حق ومواجهة القطب الوفدي بالمحكمة ومعي آخرين أثق من الذين سمعوا كلام السيد النائب معي، ولكنني لدي أمل أن يتم التنازل عن البلاغ أو علي حزب الوفد تحمل عقبات تصرفات قياداته عندما تثبت المحكمة براءة المحرر والجريدة...

[email protected]