لم تكن مناظرة كما أوحى مقدم برنامج البينة على شاشة اقرأ، في تقديمه لحلقة( الاختلاط) التي كان ضيفيها مدير هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكة المكرمة الدكتور احمد الغامدي ومقابليه (الدكاترة:محمد النجيمي- احمد الحمدان) بل كانت أشبه بالمحاكمة غير العادلة، فقد حاول مقدم البرنامج الإيحاء للغامدي بأن القناة تغطي مساحة 88% من مساحة الكرة الأرضية، سعياً منه ربما لتقليل مساحة الحرية المتاحة له، ونوعاً من الضغط الخفي عليه حتى لا يقوم الرجل بتوضيح خطأ الطرف الآخر.


الغريب أن نفس المقدم لم يحترم مساحة انتشار قناته التي تتجاوز أكثر من نصف الكرة الأرضية كما أشار، حينما وجه سؤالاً فجاً في حلقة سابقة تعليقاً على دليل ساقه الغامدي في نقاشه، طال أهل بيته وأسرته، وأساء له، في سقطة مهنية كبيرة، حينما سمح لنفسه أن يتحول من مقدم برنامج يلتزم الحياد في طرحه، إلى طرف في الخلاف الدائر بين مجموعة من الباحثين الإسلاميين، بغض النظر عن صواب هذا الطرف أو ذاك، لكنها على كل حال سقطة غير مستبعدة على مقدمي مثل هذه النوعية من البرامج.


وبعيداً عن عبثية المقدم وتصوير النقاش على أنه ماراثون، بدا الدكتور الغامدي هادئاً عقلانياً في ردوده، رغم أن الجميع كان ينتظر ارتباكه، خاصة وأن الطرفان المقابلان حاولا بشتى الطرق ضرب ثقته في نفسه، والتصوير على أنه غير عالم، وغير باحث، وطلبا منه في انفراد إعلامي يحسب لهما أمام 88% من سكان الأرض أن يتخلى عن الأوراق التي أمامه، ويناقشهما(غيباً) في النصوص والأدلة التي استدل بها على صحة قوله في مسألة الاختلاط، وهو مطلب لخص بإيجاز ارتكازهما على(الحفظ) أكثر من(البحث والتفكير) وحينما فشلا في ذلك حاولا البحث عن جزئية أخرى، حول أن النصوص التي ساقها غير صحيحة، وأنه متناقض في عرضه الذي استبدل نصوصه من القرآن الكريم إلى السنة النبوية، فكانت إجابته القاطعة بأنه أتى لهم بما يريدونه،بعد إنكارهم أدلته في حلقة سابقة.


كان بودي كمشاهد مسلم أهتم بهذا الأمر، شأني شأن أي مسلم آخر على سطح الأرض، أن يتجاوز الشيخان(النجيمي والأحمد) محاولاتهما (شخصنة) الخلاف، والتشكيك في المصدر، وليست مناقشته فيما جاء به، وهي حيلة قديمة أظن أنها أصبحت لا تنطلي على احد، وأظن أن المشاهد أو المتابع من الذكاء بمكان، بحيث لا يقع في مثل هذا التضليل المتعمد.


ماذا يهمني إن كان هذا الشخص حافظ أم لا، أو يقرأ من ورقة أو من شاشة أمامه، وماذا يهمني إن كان هذا الشخص عالم أم لا، فأنا في الأخير كمسلم لا يعنيني إن كان(الغامدي) أكبر علماء الفقه والشريعة في العالم، كما لا يعنيني كمسلم أيضاً أن يكون النجيمي غير مطبق لما يقوله على أرض الواقع، أو أن الأحمد يعتمد في ردوده وأدلته على الحفظ أكثر من سواه.


كل هذه أمور غير ذات أهمية، وتفرعات لا طائل من وراؤها سوى المجادلة والسفسطة في حديث، مضيع للوقت، ما يهمني كمتابع للحلقة أن يناقش كافة المتواجدين مسألة(الاختلاط) وتحديد شرعيتها من عدمه، دون خوض في شخصنة أو الاستهزاء أو الاستقواء باتصالات بعضها يبدو وكأنه متفق عليه سلفاً، لتوجيه النقاش نحو جزئية معينة، تهدف في الأخير إلى إدانة باحث إسلامي اسمه الدكتور احمد الغامدي، وليس مايكل أو توماس، كما أن المداخلة التي قمت بها، والتي قطعها باسلوب غير احترافي مقدم البرنامج، خوفاً وارتباكاً لم تكن لتسيء لأطرافه الأخرى، بل كانت للتوضيح على أننا لسنا فريقين، بل نحن جميعاً فريق واحد حتى وإن اختلفت عناويننا، واختلفت طرق وصور حواراتنا.


إننا الآن في اشد الغنى عن عودة التمركز خلف الفريقان، وأبعد ما نكون عن إعلاميين من عصر مضى وانتهى، كما أننا أيضاً كمشاهدين لن نسمح لعودتهم من جديد، لحزبنة رموزنا الدينية، وتقسيمهم إلى فرق يتبع كل واحد فيها زمرة من الشباب، لا نعرف مالذي يمكن أن يقدموا عليه، يكفي أن يتفضل السيد مقدم البرنامج المفكر والمثقف للاطلاع على منتديات الانترنت، ليكتشف نتيجة سوئته، ويكشتف خطورة المنطقة التي يقودنا نحوها، ويعي أن نسبة الـ88% التي يشير إليها من انتشار قناته يجب أن يملأها نقاشات موضوعية، وليست جدلية.


قد نقبل ذلك في مناطق أخرى، لكننا بالتأكيد في نطاق الدين، نرجو الابتعاد والابتعاد بعلماؤنا عن هذه الجزئية، والأيام القليلة الماضية اظهرت مدى تخبط بعض العلماء في الإعلام، الذي يتصيد بلا رحمة هفوات قد تكون مقبولة عن البعض ومرفوضة عن الآخر.

ماذا في اجتهاد (الغامدي) بقوله أن الاختلاط مباح، وماذا في رد النجيمي وغيره بأنه غير مباح، يظل اجتهاد من الطرفين، لا يستدعي بحال من الأحوال كل هذا الشحن، من هذا المقدم، أو ذاك، والأمر وإن كان ظاهره براءة، إلا أن باطنه ينطوي على شر دفين، أدعو الله من كل قلبي أن لا يكون مقصوداً.

فنحن لم نقرأ أو نسمع طوال حياتنا أن الدين الإسلامي أغلق باب الاجتهاد، ولم نسمع أو نقرأ أن أنكر أحد من علماؤنا الأوائل أو الحاليين مسألة الاجتهاد، وأنها مشروعة، كما لا يوجد نصاً على تحريمها، بل إننا نعلم يقيناً أن المخطئ في الاجتهاد له أجر على اجتهاده، وللمصيب أجران.

[email protected]