يوجد فرق كبير بين النقد المعرفي للأديان الذي يقوم على معايير العقل ومصالح الانسان وعدالة الله، ويشمل جميع الأديان ولايستثني أحداً منها، ويتناولها بصورة موضوعية بعيدا عن الأنحياز لدين أو طائفة محددة، وكذلك بعيدا عن الأنزلاق الى التناول العدواني الهجومي الذي لايراعي السياقات النفسية والأجتماعية والتاريخية لنشوئها، وحاجة البشر النفسية والروحية لها، وبين التعصب الديني الذي يركز على نقد دين معين دون غيره ويتجاهل الأديانات الأخرى، وخصوصا اذا صدر هذا النقد عن شخص ينتمي الى دين مغاير كأن ينقد المسلم المسيحية أو اليهودية ويسكت عن نقد الاسلام، وينقد المسيحي او اليهودي الاسلام ويصمت عن نقد دينه.

فأمام النقد المعرفي العقلاني لايوجد شيء مقدس خارج النقد والتحليل، والناقد حينما يركز على تناول دين معين دون غيره يفقد أحترام المستمع والقاريء له، ويشعر بالأشمئزاز منه حينما يكتشف تعصبه واحقاده الدينية التي تتستر بغطاء النقد والأصلاح والتنوير، وفي الثقافة العربية يندر جدا العثور على ناقد معرفي غير متعصب أو غير ملحد، فالمشكلة الأخرى التي تواجهنا أضافة الى التصعب هي عندما نجد شخصا ينقد الأديان غالباً ما يكون شخصا ملحداً، وهنا يخرج عن نطاق النقد العقلاني ويدخل في دائرة التطرف في أقصى مدياته!

اذ ان ممارسة توجيه النقد للأديان لاتعني مطلقا الإلحاد، بل على العكس، ان الدافع من وراء هذا التساؤل والبحث هو الرغبة العميقة لمعرفة سر الله وتجلياته في الكون، ومحاولة مقارنة مدى أنسجام الأحكام والمفاهيم الدينية مع عظمة الله وجماله ورحمته وعدالته، فمن يحب ويؤمن بالله هو من يسأل عنه ويرهق نفسه بالقراءة والبحث والتفكير والكتابة وخوض رحلة الأستكشاف الطويلة والشاقة بحثا عن المحبوب الأعلى، ومحاولة تنقية صورته الجميلة من الشوائب التي لحقت بها من الأديان، فحب الله هو من يدفع الأنسان للبحث والتعمق لمعرفة خالقه أكثر.

فأنا هنا لاأتكلم عن فئة المحلدين أو المتعصبين لأديانهم وطوائفهم، فكلا الفئتان تطرفتا في نظرتهما للدين، وخرجتا من دائرة النقد، وانما أقصد بالناقد المؤمن بالله وحده فقط الذي استطاع تجاوز نزعة التعصب لدينه الذي أعتنقه بالوراثة، وأتجه مباشرة للأرتباط بالله بلا وسيط أو مسميات أو الأنتماء الى هوية دينية محددة، وتحرر من القيود الأيديولوجية التي تقيد عقله في النظر الحر الى الأديان جميعا من دون تمييز وتفرقة، فلا يوجد دين يصمد امام النقد اذا ما تناولنا مسيرته التاريخية بأعتباره ظاهرة بشرية ومدى انسجامه مع العقل ومباديء حقوق الانسان وعدالة الله.

[email protected]