حقائق التاريخ و أحداثه الجسام لا تقبل أبدا المساومة و لا الدبلوماسية و أنصاف الحلول و لا المداراة و لا ( طمطمة ) التراب تحت السجادة!! كما أن نوائب التاريخ وفواجعه ليست مجرد ( كلام فاضي ) أو كلام يطلق على عواهنه في لحظات إنشراح و إسترخاء !،أنه مسيرة موثقة و كاملة من الأحداث الواقعية التي تفضح المخبوء و تدلل على العقدة و العقيدة الأمنية التي تتحكم بصانع القرار السياسي و الأمني في إيران الثورية المتحمسة التي برع قادتها في وضع الخطط و البرامج الإنقلابية ودعم الجماعات المتمردة و تكوين الخلايا السرية و الكامنة في دول المنطقة و منها دولة الكويت و إستغلال التحالفات الإقليمية في بناء مصالح كبرى تقدم خدمات لوجستية و إستخبارية مهمة لأهل المشروع الإيراني كذلك التحالف الذي يربط نظاما دمشق وطهران منذ عام 1980 و الذي توج بأعمال و إنجازات إستخبارية مهمة للغاية حدثت في الكويت تحديدا لم تكن مخابرات نظام دمشق بغائبة عن تفاصيلها و ميادينها، ولعل أهم حلقات التعاون الأمني و الإستخباري النشط و الفاعل بين أجهزة وفروع المخابرات السورية و ( إطلاعات ) الإيرانية أي وزارة وجهاز المخابرات في إيران تنبع من التعاون في إحتصان الجماعات المسلحة العراقية سابقا و اللبنانية وخصوصا تنظيم حزب الله اللبناني المسلح بإمكانيات جبارة ورهيبة وواسعة من حيث مصادر التمويل أو شبكة العلاقات الدولية و شبكة رجال الأعمال الأخطبوطية و المتداخلة التي هيأت لخدمته بالكامل في أوسع و أدق تنظيم إستخباري عنكبوتي دولي ذو أياد طويلة جدا وقدرات لوجستية و مادية لا يستهان بها أبدا وظلت عصية جدا على المتابعة و الرصد، و الكويت كانت من أوائل و اهم سوح العمل الإستخباري الإيراني لأهميتها في المنطقة و لطبيعة أوضاعها الخاصة، وقد ركز الإيرانيون منذ بواكير إنقلابهم على تفعيل و نشيط خلاياهم السرية و العلنية في الكويت مستغلين سماحة السلطات الكويتية و حرية التحرك الميداني و إعتمادا على عوامل مذهبية و سياسية معينة، و كانت سنوات الحرب العراقية / الإيرانية الطويلة المرهقة مجالا حيويا للعمل الإيراني المركز و المبرمج، وكانت قمة إنفجار المشروع الإيراني بشكله الهجومي قد تبلور مع أحداث يوم 12/12/1983 وموجة الإنفجارات الهائلة التي بدأت صبيحة ذلك اليوم من إقتحام إنتحاري عراقي يدعى رعد مفتن عجيل للسفارة الأمريكية القديمة في بنيد القار في عملية كانت ضمن موجة إقتحام السفارات الإنتحارية التي بدأت من لبنان في تفجير السفارتين الأمريكية و العراقية هناك عام 1981 ووقوف التنظيمات العراقية و اللبنانية المدعومة من المخابرات الإيرانية و السورية خلفها، و رعد مفتن عجيل هو شاب عراقي من مدينة البصرة كان من أتباع حزب الدعوة و تحول للإيمان بولاية الفقيه و الإندماج في الثورة الإيرانية وقد تدرب على تنفيذ العملية الإنتحارية في الأحواز في أحد معسكرات الحرس الثوري و كذلك في معسكر تابع للمخابرات السورية في مدينة ( حلب ) وكان مسجلا كطالب في جامعة حلب!، وكانت الكويت وقتها تعج بأعداد كبيرة من المعارضين العراقيين من ذوي التوجهات الدينية و الطروحات المؤيدة لإيران كما كانت تشهد تدخلات مخابراتية عراقية أيضا و كان الصراع العراقي/ الإيراني قد إمتد للكويت بحكم طبائع الأمور بعد أن تحولت الكويت منذ زمن سابق لتلكم الأحداث ساحة لتصفية الحسابات بين نظام البعث العراقي و المعارضة العراقية و يجب أن لا ننسى بإن عمليات الإغتيال و الخطف للمعارضين العراقيين كان يمارسها النظام السابق في الكويت وخصوصا إغتيال الجنرال حردان التكريتي في عام 1971 على أبواب المستشفى الأميري وكانت المخابرات العراقية تعتبر الكويت حديقة خلفية مهمة لنشاطاتها العملية، المهم إن عمل الجماعات الدينية العراقية في الكويت كان بتنظيم و توجيه و سيطرة واضحة من قيادة الحرس الإيراني الثوري في الأحواز و كان تصعيد العمل جزءا من ترتيبات الحرب التي كانت قائمة بشراسة و كان بالتالي ضرب المصالح الغربية و حتى الكويتية جزءا من تلك اللعبة الإقليمية التي كانت قائمة و بشراسة و أستخدمت فيها الأحزاب الدينية العراقية و عناصرها بكل تركيز، لذلك فإن تداعيات ما حدث من تفجيرات أواخر عام 1983 قد إستدعى بالضرورة ردة فعل أمنية كويتية قوية و شاملة حيث تم إعتقال و أبعاد أعداد كبيرة من العراقيين و الإيرانيين و اللبنانيين أيضا، كما رسمت في الكويت سياسة أمنية إنعكست حتى على الأوضاع السياسية العامة للبلد فكان أن طرح شعار ( الديمقراطية أم الأمن )؟ و أمتد التوتر الداخلي ليشمل أيضا حل مجلس الأمة حلا غير دستوري عام 1986 بعد أن طبع التوتر الأمني الموقف العام بطابعه المؤلم و كانت قمة الأعمال الإرهابية قد تجسدت مع المحاولة الإجرامية لإغتيال أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد و التي جرت في شارع الخليج العربي و غير بعيد من قصر السيف في 25 مايو 1985 و التي أعتقل من جرائها بعض المتورطين ليضافوا لمعتقلي العملية الإرهابية السابقة أواخر 1983 و حيث حكم عليهم بالإعدام ولكن لم تنفذ تلك الأحكام أبدا، تعرضت الكويت بعدها لأعمال تخريب و مواجهات أمنية حتى في الشوارع بين الجماعات المدعومة إيرانيا و أجهزة الأمن و لا نرى داعيا لذكر الأسماء فالمسألة متروكة للتاريخ!، ثم حدثت عملية خطف طائرة الجابرية الكويتية من مطار بانكوك في ربيع عام 1988 و كانت عملية مدبرة من قبل الحرس الثوري الإيراني وجرت عملية تبديل للعناصر و إدخال للأسلحة في مطار ( مشهد ) الإيراني قبل أن يعمد القتلة لقتل رهينتين كويتيين من أمن الطائرة في مطار لارناكا القبرصي؟ كل ذلك بهدف الإفراج عن المعتقلين في الكويت في العمليات الإرهابية السابقة، وقد رفضت الكويت وقتها الإنحناء و الخضوع لمطالب الإرهابيين المدعومين إيرانيا كما يعرف الجميع وجرت تسوية الأمور بطريقة غامضة في الجزائر و لكن بعد أن أفلت القتلة من العقاب و الملاحقة و منهم عماد مغنية اللبناني و( أبو مهدي المهندس ) و آخرون... وظلت أحوال الشد و الجذب مع الجماعات الإرهابية حتى جاء الغزو العسكري العراقي للكويت في 2/8/1990 ليحقق أهداف الإرهابيين و ليهربوا من السجن الكويتي بمساعدة المخابرات الإيرانية في لجة الفوضى التي حدثت بفعل الإحتلال و ليذهبوا لإيران و منهم المدعو الشيخ هشام الصيمري المحكوم بعدة أعوام سجن في عام 1985 وحيث تم تعيينه من قبل الحرس الثوري في الأحواز كإمام لأحد المساجد في الأحواز المحتلة ثم قتل قبل سنوات قليلة على يد المقاومة الأحوازية، لذلك فإن محاولات و أساليب التغلغل الإستخباري الإيراني في الكويت لم تهدأ أبدا في يوم من الأيام بل أنها اليوم في أشد حالاتها تجليا و تصعيدا.. و هنا أتوقف عن الكلام المباح فبقية القصة معروفة لمن يهمه الأمر... إرهاب النظام الإيراني ضد الأمن الوطني الكويتي وضد دول الخليج العربي هو الحقيقة الراسخة في ملفات إدارة الصراع الإقليمي المتحولة!

[email protected]