يا زمان الوصل في البصرة، تلك التي في اخر المدى الجنوبي العراقي، لكنها مفعمة بالابتهاج ومترعة بالسطوع، وبالاسماء التي ترتسم الزينة على محياها، يا حكايات تراءت كلماتها مثل اطياف الخيال، مثل سراب يلتمع في ارض بور، يا حروفا لم يبق منها سوى اثر.. راح يغفو على شواطيء العتاب، وعيون عانت من الاغماض، فما عادت لجفونها القدرة على ان تتحرك في الغياب، يا زمان التحنان الذي لا تعكسه المرايا حيث تكسرت المرايا وراحت شظاياها تتحول الى رمال تبعثرها الريح وترمي بها الى غيابات نكست رؤوسها.


يا زمان الوصل في الثغر العراقي الجميل برائحته الزكية وشفاهه المزدهيات بـ (الديرم) البلدي ونكهة الابتسامات التي تبعثها امواج (البلم) العشاري، وذاك الطلع هو اسنانه، وحيث (الجمّار) لونه، يا زمان الحرقة يا (بصرياثا)، يا زمان التنائي، حين اقرأ شيئا من شهادات في ورقة اعلان عمره اطول من عمر السياب، وصوته مثل الآه في صوت رياض احمد، ووجه مثل وجه محمود عبد الوهاب حين ترتسم الابتسامة على شفتيه، وصامت متكلم مثل وجه محمد خضير، ومتشح بالكآبة مثل روح عبد البطاط، ومتدثر بالحزن الشفيف مثل قلب حسين عبد اللطيف، ولكن لا ارى اهزوجة (حلوة.. البصرة.. حلوة البصرة) التي يرددها (الخشابة) اينما كانوا.


في صورة الاعلان.. لقطات لا تنطبق ابدا على الواقع الحالي، ولا ما قبله بسنوات طويلة ايضا، ليس هنالك تشابه، بل انه ربما يعد ضربا من الخيال، وقراءة وهمية في ذاكرة ممحية، لاتنم الا هلوسة لحالم نام متخما، هل يمكن قراءة الكلمات: احدث الازياء الباريسية وملكات جمال: العالم والنرويج وحوض البحر الابيض المتوسط وباريس !!، واوركسترا ماريو اريكوني والمغنية العالمية رين ديديا !!، هذا كان عام 1954، اي قبل 56 سنة، واي سنوات تلك التي تقهقرنا بها لنسد افواه الموانيء ونعلق على نوافذها حسراتنا.


هل ثمة زيادة في الكلام؟ لا اعتقد لانها لا تدع للكلمات مجالا، ولا تجعل الناظر الا ان يصطدم بغمامات من كونكريت مسلح !!