على الرغم من الدلالات المهمّة التي تنطوي عليها كلمة quot;عيبquot; على الصعيدين الإجتماعي والأخلاقي والتي إتخذها الصديق الفنان والسينمائي quot;سعد سلمانquot; عنوانا لهذه الحملة النبيلة في أهدافها وتوجهاتها الأساسية، إلاّ أنها ستبقى حبيسة الرغبات والنوايا الصادقة مالم تكن لها نشاطات إجتماعية وندوات ولقاءات مباشرة مع الرأي العام لشرح أبعاد هذه الحملة للجمهور الواسع وضرورتها والدور الذي يمكن أن تنهض به في سبيل أهدافها المباشرة في محاربة الفساد المالي والإداري والسياسي على كل المستويات.

وكما يستدعي هذا الأمر، النأي عن التنظيمات والأحزاب والكتل السياسية المختلفة، ليس بهدف الحفاظ على إستقلالية هذه الحملة فحسب، وإنما من أجل الإنطلاق والعمل من داخل المجتمع المدني الذي هو أحوج ما يكون إلى التحرر من قيود التحزّب وطغيان السياسة على كل شيء في حياتنا النظرية والعملية في الوقت الراهن، فهو يتطلب اللقاءات المباشرة وتبادل وجهات النظر بهدف تطوير العمل على إنضاج الوعي العام الذي هو الشرط الأول لمحاربة الفساد المستشري ورفض الإستسلام له والقبول به كحالة طبيعية ونهائية في السياسة والمجتمع معا.

وإذ توفر حرية الأفراد والجماعات، المناخ الضروري واللازم لإنضاج الوعي الإجتماعي المطلوب، فمن الخطأ الجسيم التصوّر بأن مصدر تلك الحريات هي السلطة السياسية حتى وإن كانت في النظم الديمقراطية والتعددية، فكلّ ما في الأمر أن هذه النظم تضمن وتكفل تلك الحريات وليست هي التي تنشئها وتؤسسها، بل هي وظيفة المجتمع ودورالعلاقات الإجتماعية التي تفرض وتجسّد قيم الحرية والعدالة والنزاهة والعيب والحلال والحرام والتضحية والمسؤولية والأمانة وغيرها من المعايير التي تشكّل ما يسميه العاملون في علم الإجتماع السياسي بمنظومة القيم الإجتماعية التي لا يمكن الحديث بدونها عن مدنية أي مجتمع ولا عن فرص وشروط العيش المشترك.

ولا يخفى على أحد هذا اليوم، أن تلك المنظومة قد تفككت وأنهارت وتحوّلت إلى أسمال إجتماعية وهي تتجلّى بأسطع صورها في العراق بفعل سنوات القهر والإستبداد والطغيان والإقصاء والتهميش والتخريب المنهجي المنظّم لإنسانية الإنسان وتحويله من إنسان واع ومسؤول عن نفسه ومحيطه الإجتماعي إلى كائن مستلب لم يعد قادرا على التعرّف على نفسه وإحترام ذاته المشوهة ولا على إحترام الآخرين وهو أقصى ما أمكن للدكتاتورية أن تصل إليه من وحشية وتدمير للروح والقيم والأخلاق والضمير.

إنّ إعادة بناء المجتمع ومعالجة التفسخ الإجتماعي وما يرتبط به من فساد وتحلل وما ينجم عنهما من إنعدام للفاعلية والقوة والشعور بالمسؤولية، ليست عملية مستحيلة، إن تبلورت بثبات داخل المجتمع وبين أوساطه ونخبه الإجتماعية التي لا يزال بمقدورها إعادة اللحمة والعلاقة الوطنية التي يتجاوز فيها الفرد الإنتماء الثانوي الذي يغلق عليه أبواب التفكير والعمل الحّر والمبادرة الإنسانية الواسعة بعد أن باتت الإنقسامات الطائفية والأثنية هي البضاعة الرائجة في سوق السياسة العائم على دماء الأبرياء.

لقد أضاع الإنسان العراقي سنوات إضافية من عمره، قبل أن يدرك أن الفاسدين يمكن أن يكونوا من طائفته وقوميته ومذهبه أيضا، وإن كان هناك ثمة أمل في إحياء العلاقة الوطنية التي لا سبيل بدونها لمعالجة الفساد وجميع الظواهر الإجتماعية السلبية الأخرى، فهي تكمن في التطلّعات الجديدة المتنامية والتي تنزع أكثر فأكثر إلى الإندماج في علاقة عابرة للطوائف والأثنيات وتضع مهام العمل الإجتماعي الواسع على رأس جدول أعمالها ومنها حملة quot;عيبquot; من أجل النزاهة ومحاربة الفساد.

[email protected]