دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لرئيس جمهورية العراق الكردي جلال طلباني وتقليده ارفع وسام في المملكة العربية السعودية كيف يمكن قراءتها في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة، والعراق على وجه الخصوص؟ لا يمكن أن تكون هذه القراءة جلية إلا بعد الزيارة المرتقبة التي سيقوم بها مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان إلى الرياض وعدد من القيادات العراقية السنية والشيعية خلال الفترة القريبة القادمة. لكن هناك بعض المؤشرات التي تمخضت عن الزيارة توحي بتطورات ستغير الكثير من الخيارات السياسية في المستقبل القريب. أهم هذه التطورات في اعتقادنا هي استعادة العرب للعراق وتشكيل الحكومة العراقية وبالتالي وقف نزيف الدم العراقي أولا والحد من التدخل الإيراني ثانيا، قبل انسحاب القوات الأمريكية.


استقبال خادم الحرمين الشريفين للرئيس العراقي الكردي جلال طلباني ومن بعده رئيس الاقيلم يؤكد إن المملكة العربية السعودية لا تعترض على بقائه رئيسا للجمهورية العراقية العربية لولاية ثانية، ما يؤكد من جانب أخر عدم رغبة الأكراد بالانفصال عن العراق. لكن ذلك يعتمد على ما سيطرحه مسعود البرزاني الذي يهدد بين وقت وأخر بالانفصال عن العراق، خاصة بعد أن حصد حزبه اكبر عدد من المقاعد الكردية.


التطمين العربي للأكراد quot; حصان طروادة quot; الذين لا يمكن أن تشكل حكومة عراقية بدونهم، سيحدد من هو رئيس الوزراء العراقي القادم، وكما هو معروف للجميع ظاهريا فأن الذين يتنافسون على هذا الموقع هما علاوي والمالكي بغض النظر عن عدد المقاعد التي حصلا عليها. لكننا قبل ذلك نريد أن نراجع ما قاله وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل من إن المملكة العربية السعودية تقف على مسافة واحدة من كل الأطراف السياسية العراقية، قبل أن نناقش دور المملكة في ترجيح كفة احد المرشحين لرئاسة الوزراء إن لم تكن هناك شخصية ثالثة غير معلن عنها حتى ألان.


غير خاف إن الكثير من العرب يريدون أن يكون هناك تمثيل كبير للعرب السنة في العراق في الحكومة الجديدة وهو ما يرجح كفة علاوي الذي انضوت تحت قائمته جميع الأحزاب والجماعات السنية. لكن الشيء الذي لا يلتفت إليه العرب ولا يضعونه في حسبانهم هو إن الشارع العراقي يخشى من عودة البعثيين في حال أصبح علاوي رئيسا للوزراء، وهي ليست إشاعة، فالعراقيون لمسوا ذلك خلال الفترة القصيرة التي أصبح فيها علاوي رئيسا للوزراء. الدليل الأخر على ذلك خروج الكثير من العراقيين في المناطق السنية وهم يحملون صور صدام حسين مباشرة بعد الإعلان عن فوز قائمة علاوي في الانتخابات.


ما يدعو العرب إلى اختيار علاوي أيضا هو تصريحاته الكثيرة حول التدخل الإيراني في الشأن العراقي بما يشكل ضمانة لهم ndash; العرب ndash; إلى الحد من النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة العربية. لكن علاوي نفسه، حين شاهد القادة العراقيين من أكراد وشيعة يهرولون إلى طهران بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات طلب من طهران شخصيا توجيه دعوة له وهو ما تجاهلته إيران تماما. مشكلة علاوي كما يراها بعض العراقيين انه يستمد قوته من الخارج ويتقوى به وهي المخاوف نفسها التي دفعت إيران إلى اعتبار ترشحه إلى رئاسة الوزراء خطا احمر.


بعد وفد مقتدى الصدر الذي كان أول الواصلين إلى الرياض والذي يتوقع أن ينضم إلى قائمة علاوي في تشكيل الحكومة، وبعد الرئيس جلال الطلباني ومسعود البرزاني، سيزور المملكة عمار الحكيم يتبعه نائب الرئيس السني طارق الهاشمي الذي لم يخف رغبة العرب السنة في الحصول على منصب الرئيس. هذه الزيارات المتواصلة من قبل القادة العراقيين سيقال عنها الكثير في الأيام القادمة أسوة بما قيل عن الزيارات إلى طهران برغم وضوح مقاصد الأولى وغموض الثانية إلى حد ما.


مقتدى الصدر يكن كراهية شديدة إلى المالكي الذي نكل بجماعته في صولة الفرسان ولن يضع يده مرة أخرى في يد المالكي بعد إن اخلف الأخير وعوده بإطلاق السجناء من التيار الصدري كحل لتقريب وجهات النظر بين الطرفين من اجل تشكيل الحكومة، بالإضافة إلى الرغبة الإيرانية في إبعاد المالكي. نائب الرئيس السني طارق الهاشمي سيطلب منه التنصل عن تصريحاته القديمة حول رغبة العرب السنة بالرئاسة مقابل مناصب قيادية وسيادية قادمة لإراحة الأكراد وتطمينهم، وهو ما سوف يحصل عليه مسعود البرزاني بعد الزيارة بالإضافة إلى كركوك أو جزء منها. أما عمار الحكيم الذي يبدو انه خسر اغلب جولاته أمام الجميع وأخرهم التيار الصدري فسيكون دوره أخلاقيا أكثر منه سياسيا خصوصا إذا انشق عنه التيار الصدري الذي يملك أكثر من نصف مقاعد الائتلاف الوطني قاطبة وانضم إلى علاوي.
قلنا في البداية أن هناك مؤشرات تمخضت عن دعوة الرئيس العراقي إلى المملكة العربية السعودية وتقليده اشرف وسام فيها وهي تبقى مؤشرات قد تصح وقد تخطئ لكن هناك مسألة لم يتطرق إليها احد وهي مسألة الطعون التي قدمها ائتلاف دولة القانون حول ضياع 750 ألف صوت quot; 15 مقعدا تقريبا quot;. ماذا لو أقرت المحكمة الاتحادية هذه الطعون وهو أمر قد يحصل على أية حال؟ هل ستوافق الجماعات الفائزة على النتائج الجديدة، أم إنها ستلوح بالعنف من جديد؟ هل هناك أمل في أن يعمل علاوي والمالكي مع بعض لتخليص العراق من مآسيه التي طالت إلى حد اللعنة؟ سنقول عند ذلك الحكومة تشكلت دون تدخل دول الجوار.. ولكن هل يفعلها علاوي؟ هل يفعلها المالكي؟؟