اسرائيل، هي دولة على أهبة الحرب و مجتمع مثقف في نفس الوقت، انها اسبرطة و أثينا في آن واحد. هذا مايقوله quot;سول بياوquot; في کتاب(في عودة القدس)، هذا الامر، مازال يشکل محورا مهما في مختلف الدراسات و البحوث العربية و الاسلامية التي کتبت او تکتب عن الدولة العبرية وعلى الرغم من الطابع التهکمي و العدائي الخاص الذي تتميز بها تلك الکتابات، لکنها تکاد تتفق معظمها على قاسم مشترك أعظم وهو ان اسرائيل في الوقت الذي يمکن إعتبارها دولة حرب ذات طراز متطور و يمتلك مختلف اسباب القوة و المناعة، فإنها في نفس الوقت، دولة تکاد ان تنفرد في الشرق الاوسطquot;بشکل خاصquot;بمجتمع متحضر و مثقف يمتلك کل مقومات المجتمع المدني و مؤسساته المطلوبة وان تجربته الديمقراطية قوية و راسخة و ذات جذور أصيلة أثبتت فعاليتها و مناعتها في مختلف الظروف و المناسبات وحتى ان تناغم النظام العلماني فيها مع التعاليم الدينيةquot;المتشددة او المنفتحةquot;، لها أيضا تميزا و نکهة خاصة وهي قطعا لم تعد کما تسائل يوما دوستوفسکي عن العلاقة بين اليهود و الله:( يهود بدون الله، هل يعقل ذلك؟ بل لايمکن ان نتصور يهوديا بدون اله؟)، إذ بمقدورك اليوم أن تتصور يهودا بدون إله و يعيشون في کنف دولة يهودية مبنية أساسا على مرتکزات من التورات ذاتها وهذا بحد ذاته يثبت للعالم بأن اليهود شعب قابل للتغيير و التأقلم مع مختلف المتغيرات و الظروف وانهم يحرزون تقدما و تطورا ملموسا بإمکان ابسط متابع أن يشعر به او يتلمسه على ارض الواقع و بدون أي تکلف او تصنع.


اسرائيل الدولة المرفوضة من کل جيرانها من دون إستثناء و التي تواجه إعلاما عدائيا و تهديدات بالفناء على مختلف الاصعدة، تمکنت من توجيه أکثر من ضربة موجعة لخصومها في حين لم تتلق بالمقابل ضربات توازيها او تساويها حجما و قوة و تأثيرا، تسعى و بکل مافي وسعها من إمکانيات من أجل التطبيع مع جيرانها الذين لايبدو انهم مستعدون للتخلي عن عدائهم ذو البعد الديني التأريخي المتجذر في داخل کل أنسان عربي و مسلم وان ماحصلت عليه لحد الان بحکم علاقاتها الوثيقة و تأثيراتها في مختلف المحافل الدولية، لايزال هشا و رخوا في مقابل صلابة الموقف الشعبي الرافض لها و لايبدو ان نظام ديمقراطي حقيقي قائم في البلدان المجاورة لها من صالحها مطلقا، إذ ان ذلك کفيل بتفعيل الموقف الشعبي الرافض لها و جعله موقفا رسميا يمکن أن يدفع الاوضاع نحو المزيد من التأزم بين الدولة العبرية و تترك تأثيراتها السلبية المفرطة على اوضاعها الداخلية، وعليه فإنه من مصلحة اسرائيل بقاء نظم غير ديمقراطية او حتى إستبدادية يمکن مقايضتها و التباحث و المساومة معها بمختلف الطرق وخلال ذلك فإن الشعب الاسرائيلي سيتخلص من أجواء الحرب المکلفة من مختلف النواحي وبالتالي تؤجل المواجهة الکبرى الى حين.


الدول العربية التي تتفق جميعها على رفض اسرائيل من حيث المبدأ، لکنها تختلف في اساليب تعاطيها مع ذلك المبدأ وهي تسعى للتوفيق و الموائمة بين الرفض الشعبي و الموقف الرسمي المتسم بالضبابية و الغموض من أجل إبقاء حالة التجاهل الرسمية لواقع قائم و نوع من کبح حالة الرفض الشعبي العارم لدولة مفروضة عليهم رغم إرادتهم کما يعتقد الجميع و يؤمن به إيمانا قطعيا راسخا، واسرائيل وان تمکنت فعلا من إقامة ثمة علاقات سياسية و اقتصادية مباشرة مع بعض البلدان العربية و الاسلامية، وکذلك إستطاعت مد جسور من الود و العلاقات السرية او الضمنية غير المباشرة مع دول عربية اخرى بحيث أن عدد تلك الدول العربية التي تمتلك علاقات غير مباشرة مع اسرائيل قد بلغ عشرة دول بالتمام و الکمال(بحسب تقارير موثقة تتناقلها اوساط استخبارية عدة)، فإن عقدة العداء المتجذرة لها في الواقعين العربي و الاسلامي مازالت أکبر و أکثر رسوخا و عمقا من هکذا علاقات مباشرة او غير مباشرة و مازال التطبيع المتسم بالکثير من الحذر في ذات البلدان العربية التي تقيم علاقات سياسية مباشرة معها، وهذه حقيقة أکثر من مرة بالنسبة لاسرائيل و تدرکها قبل الجميع و تعلم جيدا مايعنيه بالنسبة لأمنها القومي و مستقبلها کدولة.


اسرائيل التي تبنت سياسة مقايضة الارض بالسلام، مازالت تراهن على هذه السياسة و تکاد مختلف التيارات السياسية فيها تتفق بشکل او بآخر حول هذه السياسة التي تبدو للعديد من القوى السياسية العربية و الاسلامية و الشارع الشعبي فيهما، کنوع من المساومة المبنية اساسا على أرضية باطلة، حيث ان العرب و المسلمون يرون في ذات الارض التي بنت اسرائيل دولتها عليها، ارض عربية اسلامية وهم يرفضون المزاعم و الادعائات الواردة في التوراة بهذا الخصوص، وانهم يرون نوعا من الضحك على الذقون و خداعا على المکشوف لکي تقوم بعملية مساومة على ارض و املاك هي لك بالاساس، وان المعضلة الاسرائيلية و هي تطوي مايقارب 52 عاما من ذکرى تأسيسها، هي أکثر من عويصة و معقدة وان الواقع المرير الذي جابهته في الاعوام الاولى لتأسيسها، وبعد عدة حروب و مفاوضات سلام متباينة حتى مع الفلسطينيين أصحاب القضية، قد عادت من جديد بنفس القوة و الزخم وان ماتبنيه اسرائيل من علاقات خاصة و جهد مبذول مع أطراف عربية و اسلامية رسمية، تعود لتجده مجرد سراب بقيعة او في افضل الاحوال کنسيج عنکبوت عندما تصطدم بالرفض الشعبي العارم لها و الموغل في اعماق الوجدان و العقلين الفردي و الجمعي وان اسرائيل وهي تشهد بدايات تراجع واضح للدعم الامريکي و الاوربي القوي لها والذي و بنائا على الکثير من المعطيات من الممکن ان يتطور و يأخذ أبعادا و آفاقا جديدة غير مسبوقة في التأريخ المعاصر، من الضروري عليها ان تفکر طويلا في استراتيجية جديدة غير تلك التي رسمتها على الارض مقابل السلام ويجب عليها ان تسعى للبحث عن مفاوض مدعوم شعبيا و يکون قراره مقبول من قبل الجميع من دون إستثناء و هذا الامر لا و لم و لن يکون إلا عن طريق أماکن مقدسة لدى المسلمين کالازهر الشريف و الحوزة العلمية في النجف الاشرف، وانها يجب ان تحاول لکي تمد قنوات للتحاور و تبادل الآراء مع رجال دين کبار على مستوى الدکتور يوسف القرضاوي و غيره وان عشرون معاهدة من طراز کامب ديفيد او مايوازيها مع حکومات الدول العربية لن يجديها نفعا لأنهم لايملکون قوة و نفوذا في العقل الفردي و الجمعي للشعوب في حين أن إبرام معاهدة واحدة من طراز کامب ديفيد بشرط ان يکون الطرف الآخر الموقع للمعاهدة مع اسرائيل الازهر الشريف و الحوزة العلمية في النجف الاشرف، بمقدوره أن يضمن للدولة العبرية ذلك السلام الحقيقي الذي تبحث عنه.