ربى الفتال

بدأت المفاوضات حول اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وسورية في عام 2003، وانتهت في اكتوبر 2004, ولكن لم يتم بعد التوقيع والتصديق على الاتفاق حيث تم تجميد العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وسوريا في غضون حادثة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري (2005)، ودعم الاتحاد الأوروبي quot;لثورة الارزquot; في بيروت و الضغط على سوريا للخروج من لبنان بعد مكوثها فيها ثلاثين عاما. في البداية حاول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة - في ظل إدارة بوش - عزل وإضعاف النظام السوري مما تسبب في توتر العلاقات بين سوريا والمجتمع الدولي. وكان من المتوقع أن هذه الضغوط الدولية الرامية إلى إضعاف الحكومة السورية ربما تسبب تصدعا داخليا بل ثورة شعبية على خلاف ما حدث في لبنان. ولكن بدلا من ذلك وبعد خمس سنوات بدت الحكومة السورية أقوى مما كانت عليه في عام 2005, والجدير بالذكر هو أن الاتحاد الأوروبي اخذ يدرك الأهمية الاستراتيجية للبلاد من أجل استقرار وأمن المنطقة ككل.


ومنذ تولى الرئيس بشار الاسد منصبه في عام 2000, اخذت سوريا تستقر سياسيا واقتصاديا. على الرغم من أن الاصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي أعلن عنها الأسد في بداية ولايته مازالت أبطأ من المتوقع. وسوريا اليوم تبرر تلكؤ الاصلاحات وقانون الطوارئ لاعتبارات الأمن القومي, بما في ذلك الصراع في الشرق الأوسط. وجهود الإصلاح المتباطئة التي تبذلها الحكومة السورية تمثل عقبة كبيرة للاتحاد الأوروبي. ولكن على الرغم من عدم وجود إصلاحات جوهرية بشأن قضايا حقوق الإنسان، والمسألة الكردية، والفساد, والمحسوبية, وقع الاتحاد الأوروبي على اتفاقية الشراكة وقدمها إلى سوريا للتوقيع في أكتوبر 2009. والمثير للدهشة هو أن الرئيس السوري أرجأ التوقيع عليها قائلا أن سوريا تريد quot;مراجعةquot; شروط معينة، ومنذ ذلك الحين ينتظر الاتحاد الأوروبي في ترقب توقيع سوريا على الاتفاق. وقد طلب وزير الخارجية السوري (وليد المعلم) ونائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية (عبدالله الدردري) بعض الوقت لمراجعة الاتفاق. وأعلنت الحكومة السورية أنها تعتزم نشر تقرير لتقييم الاتفاقية بعد زيارة الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي (كاثرين اشتون) لسوريا في مارس 2009. وستتضمن تفاصيل التقريرالمتوقع نشره التأثييرات الناتجة عن اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي على سوريا.


اما من وجهة نظر الحكومة السورية فإن عقبات عديدة تقف ضد التوقيع على هذا الاتفاق. ومن أهمها أن هولندا وبريطانيا قد أصرتا سابقا على ضم وثيقة منفصلة تحتوي بنود مشروطة من جميع الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي لربط اتفاق الشراكة مع سوريا على احترام الاخيرة لحقوق الإنسان والحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل. واعترضت سوريا على هذه الإضافة لأنه في حين تنص اتفاقيات الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وغيرها من الشركاء المتوسطيين (في المادة رقم 2) على أهمية القيم المشتركة واحترام حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون, فإنها لا تشمل البنود المشروطة (المادة رقم 4 و 5 و 6) التي وضعت على سوريا فقط. وقال المعلم في مؤتمر صحفي مع اشتون أن الجانبين quot;يتبادلان نفس الرأي, وأنهم يريدون التوصل إلى اتفاق على أساس المساواة واحترام سيادة الدولة واستقلالها, وعدم التدخل في الشؤون الداخليةquot;. ولكن على الرغم من الضغوط والشروط الصارمة السابقة يبدو أنه تم تخفيف اللغة السياسية المستخدمة مع سوريا, واستعمال في المقابل أسلوب مقياسي يتناسب مع الاتفاقات الأخرى. وهذا يعطي الانطباع بأن سوريا هي بالفعل في مقعد القيادة وخصوصا بعد امتناعها عن التوقيع حتى الان, ومطالبتها بالمزيد من quot;المرونةquot; من بروكسل. وهذا يدل بلا شك على أن النظام السوري يخشى فقدان سيادته بسبب التدخلات الخارجية وإن كانت تاتي مغلفة بمساعدات مادية سوريا بأمس الحاجة لها.


اضافة الى ذلك هناك خلافات داخلية على مستوى صانعي القرار في سوريا على اتفاقية الشراكة, وان كان يجب الاخذ بها او تفاديها. وينظر الى هذا الاتفاق قبل كل شيء على انه طفل الدردري الشخصي من قبل الجهات السورية الرسمية. لكن أولئك الذين يعتمدون في شراء خبزهم على ولائهم لوزير المالية السوري (محمد حسين) منافس الدردري, فهم لا يرغبون اتمام التوقيع على الاتفاق. لكن الطبقة المثقفة من الشعب لا سيما تلك المشاركة في القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والمنظمات غير الحكومية، حريصة أشد الحرص على الاستفادة من هذا الاتفاق. حتى لو كان هناك إصلاحات مرئية على الصعيد الاقتصادي, سيتطلب الامر وقتا طويلا قبل ان نشهد إصلاحات سياسية جذرية والتي من شأنها أن تحسن إلى حد ملموس حقوق الإنسان والديمقراطية.


من أجل جعل هذا الاتفاق أكثر جاذبية للحكومة السورية يبدو انه سيتعين على الاتحاد الاوروبي quot;بذل المزيد من المرونةquot; في جدول أعماله السياسية والثقافية وغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان من قبل السلطة. ولكن اذا كان الاتحاد الاوروبي يريد استعادة مصداقيته كقوة داعمة للديمقراطية في المنطقة فان هامش المناورة لديه مع الحكومة السورية يعتبر ضيق الأفق. واذا ما أيد الاتحاد الاوروبي مطالب الحكومة السورية بحذف الشرووط المتعلقة بحقوق الانسان فإنه سيرسل رسالة للشعب السوري بأن أمورهم الاجتماعية والسياسية لن تتحسن بالدخول في اتفاق مع الاتحاد الاوروبي, وسوف يؤدي تفعيل مثل هذه الاتفاقية غير المشروطة لأن تستفيد نفس طبقات المجتمع السوري المستفيدة حاليا من المكاسب الاقتصادية في حين أن الإصلاحات ستظل رمزية وتجميلية وغير فعالة على الصعيدين السياسي والاجتماعي. على الرغم من أن محاولات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة السابقة لعزل سوريا تماما لم تنجح، هذا لا يعني أن البندول ينبغي أن يتحول كليا إلى الجانب الآخر بقبول الحكومة السورية كما هي. فمن الضروري استعمال الوسطية في تركيز بعض الضغط على الحكومة لتحسين حقوق الإنسان بشكل تدريجي.


اما فيما يتعلق بالشرط الثاني الذي ينص على عدم نشر أسلحة الدمار الشامل فيمكن إما حذفه من النص أو تخفيفه - مع الإشارة الواضحة بالطبع الى أن هذا التطور لن يكون مرحبا به من جانب المجتمع الدولي. وذلك كآلية لبناء الثقة بين الاتحاد الأوروبي وسوريا. في المقابل يمكن للاتحاد الأوروبي طلب المزيد من الدعم السوري حول القضية النووية الايرانية. ويمكن أيضا أن يطلب من سوريا تخفيف علاقاتها مع ايران ومجموعاتها الوكيلة في المنطقة. ومع ذلك فلا ينبغي أن يتوقع من سوريا قطع علاقاتها تماما مع ايران في الوقت الحاضر لأن الحكومة السورية تعلم انها استراتيجيا بحاجة لإيران للحفاظ على نفوذها حيال دول الجوار. اما بالنسبة للاتحاد الأوروبي فإنه من خلال تعاونه مع سوريا سيستطيع أن يستعيد أهميته وفعاليته في سياسة المنطقة.


الحقيقة أن سوريا تمكنت على الرغم من انها محاصرة جغرافيا بين ثلاث صراعات إقليمية (إسرائيل-فلسطين، ولبنان، والعراق) وعلى الرغم من عزلتها في السنوات الخمس الأخيرة من الحفاظ على استقرارها الداخلي مما لفت نظر الجهات الفاعلة الغربية والعربية على حد سواء اليها. حان الأوان بالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للعمل معا لتحقيق التوازن الصحيح في مشاركتهم سوريا, وفي محاولة إصلاح البلاد ببطىء ولكن بالتأكيد من أجل الحفاظ على الاستقرار والاصلاح المطلوبين في المنطقة. يبقى السؤال ما اذا كانت سوريا ايضا تريد ان ترد بالمثل على عرض الاتحاد الاوروبي لتعميق الروابط الأورو سورية.