رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ركب الموجة وحاول استثمار جريمة مقتل المدنيين في quot; قافلة الحريةquot; فصال وجال وإنتهى الى اتهام حزب العمال الكردستاني بquot;خدمة أجندة خارجيةquot;، قاصداً بذلك دولة إسرائيل بالطبع. وأردوغان الذي بدى هزيلاً وضعيفاً، تنقصه الشدة والحزم في الرد على اللطمة الإسرائيلية، لم يجد بدأ سوى من الهروب إلى الأمام والنكوص الى الداخل لكي يتهم الحراك الثوري الكردي بالعمالة لإسرائيل والتي كانت منذ بضعة أيام فقط صديقة أنقرة الصدوقة والمشرفة الوحيدة على تطوير وتحديث أسلحة الجيش التركي. الحقيقة تقول بأن حزب العمال الكردستاني ونتيجة إستمرار حكومة حزب العدالة والتنمية في شن حربها الشاملة ضد التطلعات القومية الكردية أعلن عن إستئناف العمليات العسكرية في اطار حق الرد، وقال انه اصبح في حل من عملية وقف اطلاق النار، والتي كان قد أعلنها في نيسان 2009 عقب تصدر حزب المجتمع الديمقراطي نتائج الإنتخابات البلدية في ولايات ومناطق كردستان الشمالية وهزيمة حزب العدالة والتنمية. الحكومة التركية لم تلق بالاً لقرار وقف إطلاق النار، فواصلت حملات الإعتقالات بحق كوادر وسياسي الحزب الكردي لتضع حتى الآن 1500 سياسي ومسؤول خلف القضبان، ومن ثم عمدت المحكمة الدستورية إلى حظر حزب المجتمع الديمقراطي نفسه ومنع قائده السياسي المخضرم أحمد ترك من مزاولة العمل السياسي لمدة 5 أعوام، كما طال قرار مماثل البرلمانية آيسل توكلوك. كذلك وضعت حكومة أردوغان يدها على مشروع quot; خارطة الطريقquot; الذي وضعه الزعيم الكردي الأسير عبدالله أوجلان كأساس لحل القضية الكردية بالحوار والتفاوض، ونقلت الحكومة أوجلان إلى حجرة ضيقة ومعزولة وسيئة التهوية في جزيرة quot;ايمراليquot; النائية في عرض بحر مرمرة كعقاب له على طرحه مشاريع السلام والحل. كما قتلت حكومة أردوغان عشرات الشبان الكرد عند قمعها للتظاهرات، واعتقلت حتى الآن 400 طفل بحجة المشاركة في التظاهرات وتأييدهم لquot;الإرهابquot;. كذلك واصل الجيش التركي هجماته وإستمرت طائراته في قصف مناطق قنديل، وهو الأمر الذي ادى إلى فقدان عشرات المقاتلين الكرد لحياتهم. أمام كل حملات الحرب هذه لم يجد أوجلان بداً من إعلان الإنسحاب من المشهد السياسي وترك الخيار والمبادرة للقادة الميدانيين في الخارج والذين أعلنوا عن quot;حقهم في الرد على حملات الحرب التركية وتصعيد المقاومة إلى المرحلة الوسطquot;، وتنفيذ بعض العمليات في العمق التركي وعدم الإقتصار على الرد داخل كردستان. مايحدث هو أن حزب العمال الكردستاني استنفذ كل فرص السلام والحل الديمقراطي نتيجة للتعنت التركي ورهان أردوغان وحزبه على سياسة الحرب والحسم العسكري. الكردستاني لم يعد يمتلك سوى الرد على حملات الإعتقالات والعمليات العسكرية ضد الساسة والمقاتلين الكرد. ولاعلاقة لقرار إستئناف عمليات الرد العسكري بالتطورات الحالية في المنطقة والتدهور الذي شهدته العلاقات الإسرائيلية ـ التركية، والتي يحاول أردوغان وبعض أركان حكمه الحد منه والسيطرة على الموقف في أسرع وقت ممكن. الدولة التركية خاضت في كل الوسائل للنيل من حزب العمال الكردستاني ولكنها فشلت. ولعل آخر مظاهر الفشل جاءت من خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها مسعود البارزاني رئيس اقليم كردستان العراق لأنقرة والذي أكدّ على السلام والحوار كوسائل ناجحة لحل القضايا العالقة ورفضه للحرب والعنف. وهذا الكلام يدل على فشال الرهان التركي على إشراك قوى اقليم كردستان في الحرب ضد حزب العمال الكردستاني. وكان البارزاني قد أوصل رسالة قبل زيارته لأنقرة حينما جدد تصريحاته ضد الإقتتال الداخلي، وقال بالحرف أثناء حضوره لمؤتمر الإتحاد الوطني الكردستاني quot;أن الإقتتال الأخوي الكردي ـ الكردي هو خط أحمرquot;. الأتراك عرفوا حقيقة موقف البارزاني، فلجؤوا إلى استقباله بشكل فاتر، ورفضوا وضع العلم الكردي، أو حتى العلم الوطني العراقي، في المؤتمر الصحفي الذي جمع بين القائد الكردي الضيف ووزير الخارجية التركي. لايوجد مايدفع مسعود البارزاني لكي يحارب حزب العمال الكردستاني بدل الجيش التركي الذي خاض في 25 حملة عسكرية ضد قوات الكردستاني على مدى ربع قرن ورجع دائماً خائباً خال الوفاض. آخر تلك الحملات كانت في شتاء 2008 حينما لقي الجيش التركي هزيمة نكراء أمام 300 مقاتل كردي كلفوا بصد هجومه في منطقة quot; الزابquot; في أعالي اقليم كردستان العراق. حينها زار البارزاني المنطقة وقال بأنه quot;يأمل أن تكون تركيا قد فهمت الآن بأن القضية الكردية لاتحل بالوسائل العسكريةquot;. وبعد ذلك النصر العسكري الذي كلف الجيش التركي أرواح 81 من جنوده وإنسحاباً عشوائياً فاجأ الأتراك والعالم، لا بل حتى أردوغان نفسه سمع به من خلال أجهزة الإعلام، بعد ذلك بعام حققت الثورة الكردية نصراً آخراً في 29 آذار 2009 حينما حصل حزب المجتمع الديمقراطي على أغلبية أصوات المواطنين الكرد وإستحوذ على 98 بلدية في ولايات كردستان الشمالية. وهو النصر الذي أرغم أردوغان على الإعتراف بفشل سياسة حزبه في كردستان، حيث قال بالحرفquot; للأسف المواطنون في مناطق جنوب الشرق قد صوتوا لصالح هويتهم القوميةquot;. حزب العمال الكردستاني قوي ويمتلك إمكانيات هائلة في التصعيد والرد لو أراد ذلك وهو لايتلقى أوامراً أو مساعدات من أية جهة اقليمية ودولية، لذلك فلايتأثر بإنقلاب الموازين والتحالفات، ورجب طيب أردوغان يعلم هذه الحقيقة. تنتظر تركيا اياماً كالحة ومواجهات دموية في حال اصرارها على قمع الشعب الكردي والمضي قدماً في انكار حقوقه القومية والتعامل مع مطاليبه بسياسة الحرب والحسم العسكري. على أردوغان أن يلتفت الى الداخل ويبدأ بطرح مشروع مصالحة داخلية ويطلق حواراً حقيقياً لحل القضية الكردية. دون ذلك ستبقى تركيا مشتعلة وتنزف. ستبقى تركيا هي الوحيدة التي تخسر وستبقى الحكومة هي المسؤولة، ولن يصدق أحد مزاعم أردوغان بأن اسرائيل تحرك حزب العمال الكردستاني، لأن الأخير موجود وكان يحارب في عز علاقات أنقرة بتل أبيب وفي عز الصفقات العسكرية والتعاون الإستخباراتي الذي كان الهدف منه ضرب الثورة الكردية والنيل من قياداتها.
لماذا هجمات حزب العمال الكردستاني الأخيرة وماعلاقتها بالتوتر الحاصل بين تركيا وإسرائيل؟
- آخر تحديث :
التعليقات